جامعات مصر... شركات ربحية

جامعات مصر... شركات ربحية

29 يونيو 2018
عند مدخل جامعة القاهرة (محمد حسام/ الأناضول)
+ الخط -
في أول تفعيل لتوجه نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتحويل الجامعات الحكومية إلى مؤسسات هادفة للربح، قرر مجلس جامعة القاهرة، الأربعاء، إنشاء "وحدة ذات طابع خاص" تضم كوادر فنية مؤهلة من الخبرات الجامعية، بهدف "إدارة العديد من المشروعات الإنتاجية والشركات" بحسب بيان رسمي صادر عن الجامعة.

يعد هذا البيان أول اعتراف من جامعة حكومية بنوايا النظام لاستثمار الجامعات بممارستها أنشطة هادفة للربح أو المساهمة في ذلك مع مستثمرين آخرين، وهي الخطة التي كانت قد نشرتها "العربي الجديد" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد موافقة القضاء ممثلاً في مجلس الدولة على هذا الاتجاه الجديد، بالرغم من تعارضه الصريح مع المادة 21 من الدستور الحالي، التي تنص على أن "تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفر التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها... وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الربح، وتلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية".




يقول مصدر حكومي إنّ جامعة القاهرة بصدد إنشاء شركات مساهمة مملوكة لها بالمشاركة مع مستثمرين وهيئات أخرى، منها الجيش، ستكون متخصصة في البحث العلمي وإخراج المنتجات المادية لتلك الأبحاث، مما يعني السماح في مرحلة لاحقة لهذه الشركات بطرح أسهمها في البورصة، وارتداد هذه الممارسة على الجامعات بالربح أو الخسارة.

يضيف المصدر أنّه على الرغم من موافقة مجلس الدولة ولجنة التعليم في البرلمان على مشروع قانون يقنن هذا التوجه الجديد إلاّ أنه لم يصدر رسمياً حتى الآن بسبب مشاكل تتعلق بالموازنات والمزايا المالية لتلك المشروعات، بالإضافة إلى الخلاف الدستوري حول إضافة نص يسمح صراحة للجامعات باستثمار عائدات الأبحاث العلمية التي ينتجها باحثوها لتحقيق الربح، في ظل وجود نص آخر في مشروع القانون يجيز للحكومة التحكم في اختيار المستثمرين أو الجهات الأخرى التي ستشارك الجامعات تأسيس وإدارة الشركات المساهمة، وذلك في ما لا يتعارض مع الأمن القومي للبلاد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول إمكانية دخول الجيش معترك المساهمة مع الجامعات في تأسيس تلك الشركات، باعتباره أكبر هيئة مصرية عامة تملك ما يكفي من الأموال الفائضة للمساهمة في تلك المشروعات، لا سيما في ظل تنامي سلطاته وتوسع مجالات نشاطه.

يأتي قرار جامعة القاهرة استباقاً لإصدار القانون بهدف تهيئة الأوضاع في المجال الأكاديمي وتفادياً لعاصفة المعارضة المنتظرة للقانون عند صدوره، علماً أنّ وزارة التعليم العالي سبق وتلقت بالفعل عروضاً من بعض المستثمرين والهيئات الحكومية لمشاركة جامعات القاهرة، وحلوان، والمنصورة، وعين شمس، وقناة السويس لإنشاء شركات مساهمة بأهداف ربحية، ستتخذ من الأبحاث العلمية ستاراً لها، وفي الواقع ستؤدي أدواراً أكبر لاستغلال ممتلكات الجامعات ومعاهدها.

يخالف التوجه الحكومي الحالي فتوى أصدرها مجلس الدولة في شهر يونيو/ حزيران 2017 ببطلان خصخصة التعليم العالي والجامعات، أكدت عدم دستورية ممارسة أيّ جامعة سواء كانت خاصة أو حكومية للأنشطة الهادفة للربح، استناداً إلى أنّ الدساتير المتعاقبة منذ 1971 ومواكبة منها لزيادة نسبة التعليم وتلبية احتياجات المجتمع من التخصصات العلمية الحديثة، ألزمت الدولة بالإشراف على التعليم كله وكفالة استقلال الجامعات والبحث العلمي، باعتباره من المقومات الأساسية للمجتمع، وحرصت على تكريس دور الدولة في هذا المجال، فألقى على عاتقها كفالة استقلال المؤسسات التعليمية وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة التعليمية، وتطويره بالتعاون مع القطاعين الخاص والأهلي ومساهمة المصريين في الخارج.

شرحت الفتوى الفارق بين تحقيق الجامعات عموماً للربح جراء الفارق بين مواردها ونفقاتها، وبين أن يكون غرضها تحقيق الربح، بأنّه "يجب عليها ألاّ تقدم قصد المضاربة على غرض التعليم والبحث العلمي"، مشددة على أنّه "لا يجوز لأيّ جامعة حكومية أو خاصة إنشاء شركات مساهمة أو المشاركة فيها مع مستثمرين، لأنّ هذه الشركات يكون غرضها الأساسي أو الوحيد تحقيق الربح".




ويتكامل هذا الاتجاه الحكومي الذي يترجمه مشروع القانون مع خطة لتحويل الخدمات الجامعية الحكومية إلى خدمات مدفوعة بنسبة لا تقلّ عن 75 في المائة تدريجياً والتدرّج في تحويل بعض الجامعات الإقليمية إلى جامعات أهلية، فيتشارك القطاع الخاص مع الدولة في إدارتها، ليتحمّل المستثمرون جزءاً من الأعباء التي تتحملها الدولة حالياً، على أن تكون الأولوية للمستثمرين المتخصصين في مجال التعليم والثقافة، الذين يمتلكون الجامعات والمدارس والأكاديميات والمعاهد الخاصة الهادفة في الأساس للربح.

دلالات

المساهمون