ثورتان وكنبة

03 سبتمبر 2014
(فرانس برس/getty)
+ الخط -

كثيرة هي العِبَر والدروس التي يمكن التوقف عندها من مرحلة ما بعد موجة انتفاضات العام 2011، أو بكلام أدق، من مرحلة "الثورات المضادة" (من دون استعادة السجال السقيم عن تعريف ما حصل في 2011، بين ثورة وانتفاضة أو مجرد هبة جماهيرية). من بين ما يمكن الاشارة إليه من دون مغامرة، وبعيداً عن تقسيم العالم إلى فسطاطَين اثنَين، على طريقة الاقصائيين إلى أي فكر أو دين انتموا، أن أحد أسباب الاخفاق، هو غلبة المنتسبين من دون بطاقة إلى "أحزاب الكنبة"، أو العازفين عن التعاطي في الشأن العام، وأصحاب الرؤية التي تفيد بأن الأحزاب ليست سوى مرادف للسلطة وللدوغما وللسجون...

لا نقاش في أن هذه الفئة العريضة جداً في العالم العربي، هي ضحية أنظمة الاستبداد أولاً. كذلك لا حاجة لإثبات أن ظاهرة العزوف عن السياسة لا تقتصر على شعوبنا وبلداننا، بل تُسجَّل درجاتها القياسية في أوروبا، أمّ السياسة ومولّدة الأحزاب. لكن ما تنتجه الظاهرة عندنا تحديداً، لا يُقارَن بضررها في الغرب.

منذ انطلاق الانتفاضات من تونس، ظلّت معزوفة صحيحة تتكرّر على ألسنة الحريصين على نجاح موجة التغيير، لا المنافقين الذين لم يبايعوها إلا لحفظ رؤوسهم من المحاسبة: الخطر كبير على الانتفاضات كونها بلا رأس مدبّر، بلا أحزاب منظمة، بلا مشروع اقتصادي ــ اجتماعي سياسي واحد، بلا كتلة اجتماعية صاحبة مصلحة قادرة على فرض أجندتها للتغيير... كل ذلك بعكس الأنظمة شديدة التماسك، شديدة البأس مزوّدةً بمؤسسات الحكم كافة، شديدة الدموية والثراء. لكن ربما كان بالامكان حصر الخطر والاخفاقات، لو لم تفضّل الغالبية العظمى من الشعوب التي شهدت بلدانها انتفاضات، الاستكانة لبلادة الكنَبة، المعادية للتغيير جرياً على "حكمة" يمينية قائلة إن الآتي سيكون أسوأ بالضرورة، وإن التغيير مرادف للفوضى بالتأكيد، وأن الواقع اليوم، على بشاعته، يبقى أفضل مما قد يأتي ونجهل ما هيته. حزب الكنبة هو الأب الشرعي لليمين، ولكل فكر رجعي ومحافظ يخشى أن يعكّر التغيير شكل جلوسه، حتى وإن كانت الكنبة التي تحمل وزنه مهترئة ومصنوعة من شوك وجوع ويأس ودم.

المساهمون