ثورة مضادّة.. للغناء أيضاً

ثورة مضادّة.. للغناء أيضاً

25 نوفمبر 2014
غرافيتي لجملة من إحدى أغاني حمزة نمرة
+ الخط -

لا تقتصر سياسات الإقصاء والبتر التي يمارسها النظام المصري على الصعد السياسية والاجتماعية، بل أخذت تشمل أيضاً الثقافة والفن. هكذا، راح يصادر ويمنع ويضيّق على الأعمال الإبداعية التي تناهض توجهاته، ويحاصر المؤسسات الثقافية المستقلة، التي رغم أي نقد يمكن أن يوجّه إليها، تشكل الفضاء الأكثر فاعلية في الحياة الثقافية المصرية منذ سنوات. حديثاً، أضاف النظام إلى "رصيده"  قرار منع بث أغاني الفنان حمزة نمرة "على جميع شبكات الإذاعة المصرية".

من يتابع تجربة الفنان السكندري الشاب (1980)، منذ ألبومه الأول "احلم معايا" (2006)، الذي عبَّر فيه عن أحلام الشباب في التغيير وحضرت أغانيه في ثورة 25 يناير، حتى ألبومه الثاني "إنسان" (2011)؛ يعلم أن القرار الذي اتخذه رئيس الإذاعة المصرية بمنع أغانيه ينسجم تماماً مع تلك السياسات التي يمارسها النظام المصري الحالي ضد كل ما يمت بصلة إلى ثورة يناير.

يبدو أن الثورة المضادة في مصر أصبحت لا تحتمل كل ما يمس هذا النظام، ليس فقط على مستوى التظاهرات التي تشهدها محافظات وجامعات مصر المختلفة، مروراً بمواقف الفنانين. إذ ليس ببعيد موقف الفنان خالد أبو النجا، فبعدما ظهر في فيديو منذ عدة أيام مطالباً السيسي بالرحيل، أفلتت عليه السلطة إعلامها في حملة لتشويه صورته؛ لكنها أيضاً لم تعد تحتمل حتى "الغناء" الذي لا يمجّد مسيرتها ومعاركها لـ"تطهير المجتمع"، وقد وصل الأمر إلى أن الأمن ألقى القبض، منذ عدة أيام، على طالب جامعي لحيازته على "دبوس" كُتب عليه "انتصارك بكرا جاي" وهي جملة من إحدى أغاني نمرة.

المبررات التي ذكرها رئيس الإذاعة المصرية بمنع أغاني نمرة، تحكي الكثير عن ذهنية المنع؛ إذ ادّعى، في البداية، عدم اعتماد صوت نمرة من الإذاعة المصرية، لكنه اضطر لاحقاً إلى الإفصاح عن السبب الحقيقي؛ بأن لدى الفنان أغنية بعنوان "ضد الانقلاب" بما يتعارض مع سياسة النظام الذي يحمي مصر من الإرهاب الآن (مثل إرهاب "الدبوس").

ورغم تضامن بعض الفنانين المصريين مع نمرة عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب تضامن منظمات حقوقية مصرية ودولية، إلا أن نمرة لم يعلّق حتى الآن على قرار منع أغانيه من الإذاعة المصرية، ربما لأنه يتوقع هذا القرار، ولأن عليه أن يدفع ضريبة انحيازه إلى ثورة يناير، وانحيازه إلى الإنسان بشكل عام بعد إدانته لـمجازر "رابعة".

ومن الممكن تفسير صمت نمرة أيضاً، بأنه يدرك أن أغانيه وصلت وتصل جمهوره عبر "يوتيوب" وقنوات كثيرة غيرها، فهو ليس بحاجة إلى هذه الإذاعة من الأساس. هذا ما لم يدركه النظام الحالي حتى الآن، باستخدامه أدوات قمع قديمة من خمسينيات القرن الماضي عندما كانت الإذاعة مصدر المعلومات الأهم للمصريين قبل زمن الفضائيات والإنترنت.

المساهمون