ثورة على "ثقافة الاغتصاب" في هوليوود

ثورة على "ثقافة الاغتصاب" في هوليوود

26 أكتوبر 2017
هارفي وينستين.. متحرّش هوليوود (سكوت أولسن/ Getty)
+ الخط -

أثارت فضيحة الرمز الهوليوودي هارفي وينستين واتهامه بالتحرّش بنحو 40 امرأة عملنَ معه في مجال الإنتاج السينمائي، السجال حول الاعتداءات الجنسية لا سيّما الاغتصاب في الولايات المتحدة الأميركية. وفي شهادات مصوّرة بثّتها مواقع التواصل الاجتماعي ومقالات نشرتها كبريات الصحف الأميركية، سلّطت ممثلات وعاملات في مجال السينما تعرّضنَ للتحرش أو الاعتداء الجنسي من قبل وينستين الضوء على حجم الفساد الأخلاقي والمالي المتفشي في هوليوود.

وفضيحة هوليوود تلك لم تمرّ كغيرها من فضائح مشابهة طاولت مشاهير أميركيين كثر رُفعت ضدّهم قضايا تحرّش أمام المحاكم الأميركية في الأشهر والسنوات الماضية القليلة الماضية، قد يكون أبرزهم الرئيس دونالد ترامب الذي وَجّهت إليه 14 امرأة أميركية اتهامات بالتحرّش الجنسي. وعلى الرغم من أن أخبار تحرّش صاحب شركة وينستين بممثلات وعاملات في الوسط الفني كانت متداولة شفهياً في الأوساط الهوليوودية، فإنّ الكشف عن عدد النساء اللواتي تعرّضنَ للتحرّش والبالغ 40 لم يحمل بحدّ ذاته مفاجأة كبيرة. أمّا الجديد في هذه الفضيحة فيتمثّل في جرأة عدد كبير من نساء هوليوود على كسر جدار الصمت الإعلامي عن جرائم التحرّش وتحدّي سلطة الإستبلشمنت (المؤسسة) الهوليوودي الذكوري.

مرّت نحو ثلاثة أسابيع منذ نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية التقرير الذي نقل للرأي العام شهادات نساء تحرّش بهنّ وينستين، لكنّ تداعيات القضيّة ما زال صداها يتردد في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تحوّلت بدورها إلى منصّات تعبير لنساء تعرّضنَ للتحرّش، خصوصاً مع انتشار هاشتاغ #me_too وانتقال عدواه إلى أوروبا والشرق الأوسط.

من وجهة نظر الحركات النسوية وناشطي اليسار الأميركي، فإنّ شهادات عشرات النساء اللواتي تعرّضنَ للتحرّش من قبل وينستين، ومنهنّ نجمات معروفات، سوف يمثّل محطّة تاريخية جديدة في حركة نضال المرأة الأميركية من أجل نيل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومساواتها بالرجل. ويرى اليمين الأميركي المحافظ كذلك أنّ فضيحة وينستين محطّة تاريخية، إنّما من زاوية اعتبارها ثورة أخلاقية محافظة ضدّ ثقافة هوليوود اليسارية وقيم الليبرالية والتحرّر الجنسي التي روّجتها هذه المؤسسة الأيديولوجية في العقود الماضية. ومن وجهة النظر هذه، فإنّ هوليوود تمثّل الوجه الثقافي للإستبلشمنت، وبموازاة فساد الطبقة السياسية في واشنطن ثمّة وسط فنّي فاسد في هوليوود.




يقرأ اليمين الأميركي المتطرّف في الحدث الهوليوودي انتصاراً أخلاقياً على اليسار، يعدّه استكمالاً للانتصار السياسي الذي تحقق بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. كذلك يرى في انكشاف ظواهر الفساد الأخلاقي في هوليوود، وتحديداً فضيحة وينستين مموّل حملات الحزب الديمقراطي، سقوطاً لمنظومة القيم اليسارية والليبرالية التي روّجت لها أفلام هوليوود خلال عقودها الذهبية أميركياً وفي العالم. وتلفت أصوات متطرّفة عنصرياً من اليمين المحافظ، الانتباه إلى يهوديّة وينستين، في إشارة مبطنة إلى أبعاد دينية وعنصرية في الصراع بين قيم اليمين واليسار أميركياً، بين القيم المسيحية المحافظة للأميركيين البيض وببن القيم اليسارية والليبرالية التي تروّج ثقافة الأقليات ومكافحة التمييز العنصري ومعاداة الساميّة.

بالتالي، فإنّ المجتمع الهوليوودي، كما هي حال مجتمع شركات تكنولوجيا المعلومات في "سيليكون فالي"، هو أحد أبرز المعاقل الأيديولوجية للخصم الديمقراطي ومنصّة ترويج قيمه الليبرالية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة التي تتعارض مع القيم الأميركية المحافظة التي تتصدّر أولوياتها القيم الدينية والعائلية. ويحمّل المحافظون الماكينة الدعائية في هوليوود مسؤولية ترويج ثقافة العنف والجنس والمخدّرات التي باتت أشدّ خطراً على المجتمع الأميركي والقيم العائلية في الثقافة التقليدية الأميركية. أضف إلى ذلك التحوّلات الهائلة التي أحدثتها ثورة تكنولوجيا المعلومات في كلّ المجتمعات وفي طليعتها المجتمع الأميركي.

إلى ذلك، تغيب عن قراءة اليمين الأميركي في رمزية فضيحة التحرّش الهوليوودية، مقارنتها بفضائح أخرى لرموز محسوبة على اليمين. لذلك حرصت صحيفة "نيويورك تايمز" على الردّ على الحملة الأيديولوجية اليمينية بإعادة فتح ملف التحرّشات الجنسية في محطة "فوكس نيوز" الناطقة بلسان اليمين الأميركي المحافظ، والظروف التي أحاطت بتوقيع عقد عودة النجم بيل أورلي للعمل مع المحطة بعد دفع أكثر من ثلاثين مليون دولار أميركي لتسوية قضايا تحرّش كانت قد رفعتها ضدّه موظفات في المحطة.

والتصويب اليساري على "فوكس نيوز" جاء بعد تحوّلها منصّة إعلامية للمحافظين الذين انتقدوا تباطؤ رموز اليسار والحزب الديمقراطي في إدانة سلوك وينستين، بسبب العلاقات الشخصية والمالية التي تربطه بالرئيس السابق باراك أوباما وبوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون. ولم يفت الحملة اليسارية المضادة إعادة التذكير بملفات ترامب من تسجيلات فيديو مسرّبة يسيء فيها إلى النساء، وقصص 14 امرأة اتّهمنَه بالتحرّش بهنّ.