ثلاجة الموتى أو الموت رعبا في بلاد اللجوء

ثلاجة الموتى أو الموت رعبا في بلاد اللجوء

06 سبتمبر 2015
المتهمون في قضية الشاحنة التي أدت لمقتل 71 (Getty)
+ الخط -
لا شيء أكثر رعبا من الموت غريب الدار، ومنتهى القسوة أن تموت نهبا لأسماك القرش في عرض المحيط، حيث تطفو الأحلام منتفخة على بحر أوهام النجاة من واقع موبوء، تدميه الحروب أو تنخره المتابعات السياسية المترصدة التي لا ترحم.
يهرب العرب برا وبحرا، يجدون أحيانا المنفذ المؤدي إلى الطوق، لكن صلافة مهرب أحمق وجشعه يؤديان في كثير من الأحيان إلى إغراق اللحم البشري المهرَّب في دورة مأساوية لم تنته منذ عقود في البحر الأبيض المتوسط.
وقد شِيءَ أن تبلغ الدراما حدها الأقصى، عندما تجمدت تلك الشاحنة اللعينة بهؤلاء السوريين الهاربين بأحلامهم من جحيم الحرب التي تمزق بلادهم.
وحينما أودعوا كتاب حياتهم في عربة اللحوم تلك، لم يكن يدور في خلدهم أن الأحلام ستتجمد هناك، وأن الضحكات ستصطك، وأن الأيدي ستتخشب، والفكرة، فكرة النجاة نفسها من قبضة
الوحش، ستتحول إلى قطعة لحم بارد، نائم نومته الأبدية في ثلاجة الموتى.
إنه فصل درامي جديد، هل كان عليه أن يقع كي تبدي القارة العجوز بعض التعاطف، كي تسيح عنها بعض الإنسانية، حتى يندى ضميرها المتخشب ببعض الحنو على بشر ممهورين بتمزقات قيامية لا تشفيها العقود المقبلة.
بشر تفلُّهُم الحربُ وتبريهم في آن معاً، وتضع دمغتها المعتوهة على جبين أطفالهم، هؤلاء الأطفال الذين يولدون بدمعة في العين. دمعة كبيرة متحجرة، تختصر الثقل المقرف لعالم عربي ينتج بنيات السقوط والانكسار ويؤسس لحتفه الأكيد.
ثلاجة الموت تلك، ستنضاف إلى مسار طويل كارثي مر ويمر منه الإنسان العربي. ففي أزمنة السواد تلك، يدفع الثمن إما اختناقاً في صهريج، أو في بطن حوت في الأزرق القاتل، أو تحت نير القسوة المميتة، بالارتجاف حتى النفس الأخير داخل الصمت القميء الذي يجمد الأحلام ويفتح الباب على البياض الخرب.
ومثلما كتب غسان كنفاني قصة أبو العبد الخصي ومأساة الصهريج، سيأتي من يكتب مأساة ثلاجة الموتى، التي جمدت 71 حياة في البياض، في هروب كبير نحو الحياة.

دلالات

المساهمون