ثلاث سنوات في إمبراطورية زوكربيرغ

ثلاث سنوات في إمبراطورية زوكربيرغ

23 يوليو 2020
ستيفن ليفي (يمين) ومارك زوكربيرغ عام 2015 (مايكل كوفاتش/Getty)
+ الخط -

في استثناء نادر، سمح "فيسبوك" للصحافي الأميركي الشهير ستيفن ليفي بأن يتحرك بحرية في مقر الشركة العملاقة بكاليفورنيا على مدى 3 أعوام كاملة، كان هدف ليفي جمع أكبر قدر من المعلومات لكتابه المقبل عن "فيسبوك"، ورواية القصة الحقيقية لنشأة عملاق السوشيال ميديا. وقد صدر الكتاب أخيراً تحت عنوان "فيسبوك.. القصة الداخلية"، لتصدر ترجمته الهولندية منذ أيام. وكما يقول ليفي في مقدمته المثيرة: "كانت الأولوية الرئيسية لفيسبوك دائماً هي أن يصبح الأكبر، ولا يهم أي شيء آخر".
ربما يكون ستيفن ليفي (69 عاماً)، ليس الأول أو الأفضل اليوم، لكنه في أواخر 1978 دشن بداياته الصحافية بمانشيت مثير يقول: "عثرت على مخ أينشتاين"، وكان ذلك بعد مقابلة طويلة أجراها الصحافي الشاب حينها مع عالم الأمراض الدكتور توماس هارفي، والذي كان قد قام بتشريح جثة أينشتاين في إبريل/ نيسان 1955. لم يستطع هارفي مقاومة إغراء دماغ أعظم عبقرية علمية في العالم، واليوم يفعل الأمر نفسه، حيث تخصص في صحافة التكنولوجيا الرقمية، ويعمل حالياً في مجلة Wired، راصداً أبرز العقول في عالم التكنولوجيا والإنترنت.
في الفترة بين 2016 و2019، أجرى ليفي، "صحافي التكنولوجيا الأول في أميركا" كما تصفه صحيفة "واشنطن بوست"، محادثات مطولة مع مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ في مكتبه الزجاجي المعروف بالأكواريوم، والذي صممه المهندس المعماري الشهير فرانك جيري. وفي كتابه الجديد، لا ينسى ليفي أن يسجل أول ما لفت انتباهه في مكتب زوكربيرغ... كانت الجدران الزجاجية للمكتب مبطّنة من الداخل بشعار "كن الذي يُذاكر كثيراً" (Be the nerd!).

قاتل الفراغ
في سنوات قلائل، تحول "فيسبوك" لدى الملايين إلى الأداة الأولى لـ"قتل الفراغ" بامتياز، بالأحرى لدى 3 مليارات مستخدم حول العالم، في أضخم منصة للتواصل الاجتماعي، بقيمة تزيد عن 576 مليار دولار، وبمبيعات بلغت ما يقرب من 71 مليار دولار عام 2019، ونحو 53 ألف موظف حول العالم، في أول تجسد حقيقي لأكبر إمبراطورية تكنولوجية على وجه الأرض، لذلك يدخل ستيفن ليفي كتابه الجديد بكثير من الأسئلة الشائكة حول "فيسبوك" ومؤسسه وشركائه، وعلى رأسهم شيريل ساندبيرغ، مديرة العمليات الرئيسية للشركة، والتي تُعتبر الشخصية الأقوى في الشركة بعد زوكربيرغ.
من أهم هذه الأسئلة التي قادت ستيفن ليفي إلى دخول مغامرة كتابه الجديد: هل يدرك زوكربيرغ حقاً مدى تأثير الثورة التي صنعها؟ وهل بدأ "فيسبوك" يخسر ثقة مستخدميه بعد الفضائح الأخيرة التي فجرتها شركة "كامبريدج أناليتكا"؟ فلسنوات طويلة قامت "كامبريدج أناليتكا" بجمع بيانات ملايين من مستخدمي "فيسبوك"، لتبيعها، بالتواطؤ مع زوكربيرغ نفسه، إلى شركات ومؤسسات أخرى بأرباح طائلة، ما ضاعف ثروات "فيسبوك"، وأعطى رجلاً مثل اليميني المتطرف ستيف بانون الفرصة لاستهداف الناخبين في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016.
يلاحظ ليفي في تحليله أن الأولوية الرئيسية لـ"فيسبوك" هي "نموه الخاص"، بالرغم من أي شيء آخر، لكنه أيضاً يعترف بأن هذه الأسئلة الكبيرة هي التي دفعته إلى كتابه هذا العمل عن كواليس أكبر منصة للتواصل اليوم. ويقول في أحد مقاطع الكتاب: "كنت أتساءل: هل ما زال زعيم (فيسبوك) الشاب قادراً على إدارة هذه الظاهرة التي لا مثيل لها في عالم منصات التواصل؟ وهل يدرك اليوم كل هذه التعقيدات التي نشأت عن تحقيق حلمه في ربط العالم؟ ناهيك عن زوكربيرغ نفسه الذي يميل إلى الصمت المريب أثناء المحادثات"؟

انعدام الضمير
لكل ما سبق، يقرر ليفي التعمق في ما وراء ظاهرة "فيسبوك". وبعد محادثات استمرت عدة أشهر، وافقت الشركة، وعلى رأسها زوكربيرغ وساندبيرغ، بالوصول إلى الموظفين، إضافة إلى تشجيع مستخدمي "فيسبوك" السابقين على التحدث معه. كما جمعته لقاءات بآخرين ممن لم يسبق لهم العمل في "فيسبوك"، ولكنهم عملوا مع الشركة كشركاء ومنافسين وعملاء ومطورين ومنظمين ومستخدمين وممولين.
وعلى الرغم من تفجر العديد من القضايا الضخمة في وجه الشركة بعد انتخابات 2016، ظل "فيسبوك" على اتفاقه مع الصحافي اللامع، فواصل زياراته المنتظمة للشركة وإتمام كتابه. لكن ليفي يرصد كذلك تغير الأحوال في "فيسبوك" بعد انتخابات 2016، والأزمات التي واجهتها الشركة خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن أهمها: ضلوع "فيسبوك" في نشر الأخبار المزيفة، والتلاعب الذي ترعاه الدولة بما تبثه الجهات الحكومية الأميركية عبر "فيسبوك"، والبث المباشر لعمليات الانتحار والمذابح، وانتشار رسائل الكراهية والتنمر، ثم فضيحة "كامبريدج أناليتكا" وانتهاك بيانات المستخدمين وقضايا الخصوصية، ومغادرة الموظفين المبكرة من الشركة. كل هذا، ومارك زوكربيرغ لا يزال يتهم الرئيس التنفيذي لشركة "تويتر" جاك دورسي بـ"انعدام الضمير"! لكن في العام الماضي، وبعدما فرضت لجنة التجارة الفيدرالية غرامة على "فيسبوك" بقيمة 5 مليارات دولار بسبب انتهاكات بيانات الخصوصية لملايين من المستخدمين، يبدو أن زوكربيرغ عرف أنه الأحق باللقب.
تؤكد قراءة هذا الكتاب الضخم (592 صفحة)، التأثير المرعب الذي يمارسه "فيسبوك"، وغيره من منصات السوشيال ميديا، على حياتنا اليومية. يفتش ستيفن ليفي بفضول أستاذه الذي سرق مخ أينشتاين عن أدق التفاصيل والملابسات الغريبة التي خلق من رحمها وحش "فيسبوك"، فبات يسيطر على العالم الافتراضي كله منذ 14 عاماً، في سردية بديعة لقصة بدأت في غرفة طالب في هارفارد، لتغير العالم كله اليوم.

ستيفن ليفي من مواليد 1951، درس الأدب الإنكليزي وعمل كصحافي في مجال التكنولوجيا في العديد من الصحف الأميركية، من بينها: "نيوزويك" و"نيويورك تايمز" و"ذا نيويوركر"، وحالياً يعمل لصالح مجلة "وايرد". أصدر ستيفن ليفي سبعة كتب، وكتب لمجلة "رولينغ ستون" ومجلة "هاربرز" و"ماك وورلد" و"إسكواير" و"نيويوركر" و"بريمير". كما فاز بالعديد من الجوائز خلال ثلاثين عاماً من كتابته عن التكنولوجيا، بما في ذلك كتابه Hackers، الذي اعتبرته مجلة PC Magazine أفضل كتاب علمي للتكنولوجيا في العشرين عاماً الأخيرة، وهو أيضا مؤلف كتاب Crypto الذي فاز عنه بالجائزة الكبرى للكتاب الإلكتروني في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2001.

المساهمون