بادر التحالف العربي بقيادة السعودية إلى الإعلان عن هدنة لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد في اليمن، اعتباراً من ظهر أمس السبت، وذلك من أجل "تسهيل جهود إحلال السلام في اليمن وإدخال المساعدات الإنسانية". ودخلت الهدنة الجديدة حيز التنفيذ مع أنها مشروطة بعدد من النقاط التي تشير التطورات إلى عدم الأخذ بها. ومن غير المتوقع أن تصمد إذا استمر خرقها من قبل الانقلابيين، كما حصل أكثر من مرة أمس، وهو السيناريو الذي يستعد له التحالف وجانب الحكومة اليمنية الشرعية، من خلال إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى بعض المناطق الاستراتيجية في اليمن.
وتأتي هذه الهدنة بعد فشل هدنة أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وكان من المقرر أن تبدأ يوم الخميس الماضي. وأفادت مصادر سياسية يمنية لـ"العربي الجديد" بأن الهدنة التي أعلن عنها التحالف، جاءت نتيجة للضغوط والاتصالات الدولية التي تولتها الولايات المتحدة بدرجة أساسية، في محاولة لإنقاذ نتائج جولة كيري الأخيرة في المنطقة. وكانت جهود كيري قد أفضت إلى الاتفاق مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الهدنة اعتباراً من يوم الخميس الماضي، والموافقة على استئناف المشاورات قبل نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي وبما يؤدي إلى ولادة حكومة توافقية قبل نهاية عام 2016.
وأعلن الحوثيون وحلفاؤهم التزامهم بوقف إطلاق النار، شرط التزام الأطراف الأخرى به. وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم الجيش الموالي للحوثيين وصالح، شرف لقمان، بعد ساعتين على بدء سريان الهدنة، وفي ظل حديث عن خروق من قبل الحوثيين. وقال لقمان إنه "بناء على اتفاق المبادئ الذي تم في العاصمة العُمانية مسقط، نؤكد التزامنا بوقف إطلاق النار، شريطة التزام الأطراف الأخرى بوقف الأعمال العسكرية بشكل شامل"، من دون مزيد من التفاصيل ومن دون التطرق للخروق الحاصلة.
في المقابل، قال قائد محور تعز العسكري التابع للشرعية، اللواء الركن خالد فاضل، إن "قوات الجيش الوطني ملتزمة بالهدنة المعلنة وفقاً لتوجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي، وقيادة التحالف العربي، رغم خرقها من قبل المليشيات الانقلابية منذ اللحظة الأولى".
وحسب البيان الصادر عن قيادة التحالف العربي، تستمر الهدنة 48 ساعة قابلة للتمديد تلقائياً، حال التزام مليشيات الحوثيين والقوات الموالية لها بها، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة وفي مقدمتها مدينة تعز ورفع الحصار عنها. والشرط الأهم من ذلك لتمديد الهدنة، هو حضور ممثلي الطرف الانقلابي في لجنة التهدئة والتنسيق إلى ظهران الجنوب، في السعودية، وبذلك يعتبر حضور ممثلي الحوثيين وحلفائهم، بمثابة حجر الزاوية للتمديد.
وكان الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، يرفضون حضور ممثليهم في "لجنة التهدئة والتنسيق"، إلى ظهران الجنوب. ووفقاً لآخر وثيقة، وافق الطرفان خلال لقاءات مسقط الأخيرة على عدد من النقاط، كان من أهمها الموافقة على إرسال ممثليهم للمشاركة في اجتماعات تلك اللجنة. وأشاد وزير الخارجية الأميركي في تصريحاته لدى مغادرته مسقط يوم الثلاثاء الماضي، بموافقة الانقلابيين على المشاركة في اللجنة، مع أن تطورات لـ48 ساعة المقبلة ستكون حاسمة في هذا الصدد، وعليها يتوقف مصير الهدنة.
وكانت لجنة التنسيق والتهدئة قد تألفت في إبريل/نيسان الماضي في الكويت بإشراف أممي من ممثلي الجانبين، واستمرت بعقد اجتماعاتها هناك حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي. وجرى الاتفاق على انتقالها إلى السعودية، إلا أن الانقلابيين رفضوا إرسال ممثليهم، لتعود المواجهات إلى التصعيد.
كذلك تأتي هدنة التحالف مشروطة بأنه "وفي حال استمرار مليشيات الحوثيين والقوات الموالية لها بأي أعمال وتحركات عسكرية في أي منطقة، سوف يتم التصدي لها من قبل قوات التحالف مع استمرار الحظر والتفتيش الجوي والبحري، والاستطلاع الجوي لأي تحركات لمليشيات الحوثيين والقوات الموالية لها". وهذا البند يعني أن الهدنة قد لا تتوقف خلالها الضربات الجوية بشكل تام، مع خرقها أو القيام تحركات عسكرية من قبل الانقلابيين.
ميدانياً، أكدت مصادر في المقاومة الشعبية في محافظة تعز، خرق الهدنة منذ الساعات الأولى لدخولها حيز التنفيذ من قبل الحوثيين وحلفائهم، والذين اتهمتهم مصادر الشرعية بقصف أحياء في المدينة، في ظل احتدام المعارك فيها منذ أيام. وجرى الخرق وسط تعقيدات ميدانية تجعل من التطبيق العملي للهدنة في مناطق المواجهات أمراً نسبياً، كما يحصل مع كل هدنة.
ومن المتوقع أن يكون الشريط الحدودي للمناطق الشمالية الغربية لليمن، من أبرز اختبارات الهدنة، باعتبار أن الطرفين (التحالف والحوثيين) أعلنوا الالتزام بالهدنة، في ظل استمرار المواجهات المتقطعة على مختلف الجبهات في اليمن، وأبرزها جبهة نِهم شرق صنعاء، وصرواح بأطراف مأرب الغربية، ومناطق متفرقة بمحافظة وغرب محافظة شبوة. ووفقاً للتجارب السابقة، فإن جبهات القتال الميدانية التي تشهد مواجهات مباشرة، يبقى الالتزام فيها بأي هدنة محدوداً يتبادل فيه الطرفان الاتهامات، ما لم تنجح الجهود بقطع مزيد من الخطوات باتجاه وقف إطلاق النار، في حال التئام "لجنة التنسيق والتهدئة".
وكانت وزارة الداخلية السعودية أعلنت أن جندياً سعودياً لقي حتفه، أمس السبت، لدى سقوط صاروخ أطلقه الانقلابيون على منطقة عسير في جنوب المملكة، قبل ساعات من إعلان الهدنة.