ثقافة محتلة تفعل بها الأنظمة ما تشاء

ثقافة محتلة تفعل بها الأنظمة ما تشاء

25 يوليو 2019
(ناجي العلي)
+ الخط -

دور المثقف في كل القضايا، الوطنية والقومية، وحتَّى الدولية، لا يمكن اعتباره ثانوياً، أو مجرّد صدًى لا قيمة له، فهذا ازدراء للثقافة والمثقفين، وإبعاد لهم عن لعب الدور المنوط بهم، باعتبارهم من يقرأون الوقائع والأحداث بانتباه، وبعين الفاحص الذي له معرفة بسياقات التاريخ والجغرافيا معاً.

في ما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية، يبدو أن صوت المثقف خبا بعض الشيء، أو أنه لم يبق بنفس اليقظة التي كان عليها من قبل، لأن القضية بدورها، في منحاها السياسي الداخلي، عرفت ارتجاجات وارتدادات، أدت إلى التباس بعض مشكلاتها، ما جعل عدداً من المثقفين يبقون في منطقة الحياد، لا يرغبون في الانحياز لهذا الطرف دون ذاك، وهناك من انحاز، علماً أن القضية برمتها أكبر من الطرفين، ولا تحتاج أن ننظر إليها بمنظار الحياد، لأنها قضية شعب يعيش في العراء، أو شعب معلق بين السماء والأرض، فلا هو حظي بأرضه ليكون له وطن بمعنى الوطن في مفهومه السياسي والجغرافي، ولا هو وجد من يدفع باستقلاله وحريته نحو أفق الحل النهائي الشامل، لأن القضية باتت ساحة مساومات واللعب بها كورقة سياسية بين أكثر من جهة وأكثر من طرف، على المستوى الدولي.

دور المثقف هنا، هو أن يُدين، أن يحتجّ، أو يُدْلِي بشهادته عن زمن فيه بات الجلاد ضحية والضحية جلاداً، ويفضح اللعب بالتسميات والمفاهيم، وقلب الحقائق والوقائع، وتزوير التاريخ، مثل استعمال كلمة إرهاب بدل مقاومة، وهو نفسه ما عشناه إبان احتلال الغرب للعرب، واعتبار كل من يقاوم مجرماً، ومعاملته معاملة المجرمين والسُّرَّاق، أو أكثر.

المثقف، في هذا الوضع، سلطته رمزية وليست مادية، فهو لا يملك قراراً، لكنه، رغم ذلك، يمكنه أن يؤثر في القرار، وهو يستطيع عبر التجمعات، والمؤتمرات، والجمعيات الثقافية والفنية، وجمعيات المجتمع المدني، والإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، أن يُثير الانتباه إلى ما يجري على الأرض، وما يحدث من مؤامرات لبيع الأرض بمن عليها، مقابل حفاظ أنظمة مهترئة هشة على عروشها، وما تفشى فيها من قمع واستبداد وفساد.

ولعل ما سُمِّيَ بـ "صفقة القرن"، هي إحدى المناسبات لاستنهاض المثقفين، ولحفزهم على فضح هذه "الصفقة"، التي صيغت بمنطق البيع والشراء، وبمنطق البورصة، ومنطق الانحياز للجلاد، بل من صاغها في ذاته هو في موقع الجلاد.

المثقف عموماً لم يعد له لسان، وهو، في أقصى الحالات، يقول رأيه ويجلس على أريكته لمتابعة الأخبار وقراءة الجرائد، وتصفح المواقع الإلكترونية، دون أن يكون هناك رأي عام ثقافي مُؤثِّر وفاعل، نظراً لما يجري من تشرذم في صفوف المثقفين أنفسهم، وجمعياتهم، واتحاداتهم، بدورها محتلة، تفعل بها الأنظمة ما تشاء، وهي من تُعيِّن المسؤولين عنها، خارج كل أعراف الديمقراطية والانتخاب، وهذا وضع محرج للمثقف قبل غيره.


* شاعر مغربي

المساهمون