ثقافة في الداخل.. ثقافة في الخارج

ثقافة في الداخل.. ثقافة في الخارج

02 ابريل 2018
+ الخط -
ضمن هذه الشهادة أعرض شيئاً من تجربتي في إدارة العمل الثقافي، الأولى في سورية حول ملتقى ثقافي أسبوعي بين 2013 و2015، والثانية في تأسيس وإدارة موقع ثقافي عربي، وأنا مقيم خارج سورية حالياً، التجربة الثانية بدأت منذ شهر مايو/أيار 2016 وانتهت بعد نحو سبعة أشهر. 

أضواء المدينة

منذ نهاية عام 2013 عكفتُ ومجموعة من الأصدقاء على تجريب مقاومة الموت والقهر في شوارع دمشق، إذ استطعنا الاتفاق على إقامة ملتقى "أضواء المدينة الثقافي" بدعوة أهلية للأصدقاء ممن يهتمون بكتابة الشعر والأدب والقصة، كان اللقاء أسبوعياً في مقهى "نينار آرت كافيه" عند مدخل باب شرقي الدمشقي القديم، المطل على بعد كيلومترات قليلة من تخوم مدينة جوبر واحدة من أسخن المناطق عسكرياً في محيط دمشق آنذاك. 

الجميع كان شريكاً في عملنا الثقافي، نقرأ لشعراء من مختلف الأعمار، نتبادل الأفكار والكتب الجديدة، نذيع عن أنشطة ثقافية خاصة وعامة وفي بلدان أخرى، نقدم أسماء جديدة في المشهد الأدبي، ندعو لأمسيات توقيع الكتب بكل الوسائل المتاحة، هاتفياً وعبر الإنترنت... كان التفاعل موازياً لحجم الرعب المنتشر في المشهد الثقافي السوري، موازياً لناحية الإيجابية التفاعلية، فالناس لم يهتموا يوماً بأنشطة المراكز الثقافية التابعة للسلطة، حسب ما لمسنا، لم يكن ثمة إيمان بأنشطة وزارة الثقافة، فالترهل والفساد والمحسوبيات، هي معالم العمل الثقافي الرسمي ولاجدوى بجذب الناس في وقت خطير تحولت فيه كل المنابر الرسمية والفعاليات الثقافية التابعة لها إلى منطقة التجييش والدفاع عن الحاكم.
وبقيت الحالة الثقافية رديئة تغذي أمجاد القتل والإقصاء. ربما، حاول الناس الالتقاء معنا لهروبنا من منظومة الأدلجة الحكومية التي حوّلت الثقافة إلى دكان ومؤسسة استهلاكية، بينما حاولنا في "أضواء المدينة" على مدى ستين أسبوعاً دون انقطاع، العمل على لقاء دوري في الداخل السوري في العاصمة، حيث الحرب والحواجز الكثيرة والمصادرة العلنية للمواقف والاصطفافات. حاولنا أن ننتمي للكلمة والكتاب ضمن هذا الملتقى، قبل أن تضربنا حمّى التناحر القيادي الذي تربّينا عليها كفريق عمل مكوّن من أربعة أشخاص، من أجيال مختلفة. كنت أصغرهم سناً وكان أحدهم صحافياً قديماً والآخر شاعراً والثالث مخرجاً وصحافياً، هم أصدقائي ولذلك اجتمعنا كمقترح، إلا أن التفرقة وموضة الانشقاقات ضربت بنا لغياب الذهنية الإدارية المنظمة للمشاريع الثقافية خارج الهيكل الرسمي للدولة، كنا نفتقد للحالة الأهلية المفصولة عن خطاب دفن الرأس في التراب والانشغال بقضايا ثقافية لا تمس نقد المحيط الاجتماعي وما يدجننا كمثقفين مبعدين عن الحياة بسبب تهميش العمل الثقافي وتجييره لخدمة حزب أو رئيس، فأطلق الناس النار على الثقافة وعلى من يديرها، من أهل القيادة الرسمية أو الفعاليات الخاصة، توقف "ملتقى أضواء المدينة الثقافي" لاختلافات الرأي في التنظيم وتطويرالملتقى فانشق من أضواء المدينة اثنان من الأصدقاء أقاما ملتقى آخر وتوقف أضواء المدينة" منذ أوائل عام 2016.

 لم يموّل "أضواء المدينة" مالياً من قبل أحد، ولم يكن ملكاً لأي حزب، ولم يكن مؤيداً لأي طرف في الصراع السوري، كان على مسافة واحدة من الجميع، حلمنا أن نتحول لمؤسسة ثقافية تطبع الكتب وتطلق موقعاً إلكترونياً وترعى الأصوات الجديدة الثقافية بعيداً عن السلطة الرسمية، لكن الجميع ساهم في قتل الحلم!

قلم رصاص

حاولت المراهنة مجدداً على الكتابة الثقافية عبر منبر يدعى "قلم رصاص" يملكه صديق صحافي يقيم في بلجيكا، تواصلنا معاً، أنا من قبرص اليونانية. وهو من هناك، أعلنا عن الموقع عبر "فيسبوك"، وانفتاحه على كل شيء يخص الثقافة العربية والترجمة والإبداع الشعري والقصصي والروائي والمقالات الثقافية النقدية حول الكتب والمسرح والتلفزيون والدراما والسينما والتشكيل. واتفقنا مع كتّاب مخضرمين للإطلالة بزوايا أسبوعية ثابتة، وما زال المشروع يعمل لكنه أصبح في مكان آخر الآن! ولكن المأزق الكبير أن كل من توجهنا إليه حينها من أجل التمويل ودفع مستحقات المقالات الخاصة التي يرسلها لنا كتاب من كل أنحاء العالم، كان لديهم شرط رفع علم يمثل خصومة سياسية في سورية أو مع أحد المعسكرات المتصارعة هناك.

تكاتف معنا عدد لا بأس به من الكتّاب العرب، لكن مسألة التمويل كانت مشكلة كبيرة، دفعت بالكثيرين للتخلي عن النشر في "قلم رصاص" رغم محبتهم لنا، كما يقولون. لكن النوايا لا تصنع ثقافة مستقلة وحرة، ربما كان علينا أن نعرف منذ البداية أن "الثقافة الحرة" مجرد كذبة!

تراجع حضور الموقع الثقافي اليوم، مقارنة مع أشهر إطلاقه الأولى، واكتشفت أن الثقافة هي الأخرى ملزمة أن تتبع لأحد أو سلطة سياسية، لا أن تكون ثقافة لأجل الإنسان وتوسيع معرفته بكل شيء، وبالتالي توقفت عن التعاون التطوعي مع موقع قلم رصاص بعد نحو ستة أشهر على إطلاقه بحلته الثقافية، لأنه لم يحقق ما كنا نطمح إليه، ولم يجد من يسنده من دون عبودية!  

دلالات