ثروات أفغانستان المنهوبة... تعدين غير مشروع يمول حرب العصابات

ثروات أفغانستان المنهوبة... تعدين غير مشروع يمول حرب العصابات

15 ابريل 2020
تنتشر مناجم اللازورد غير القانونية في ولاية بدخشان (Getty)
+ الخط -
تسيطر مشاعر الحسرة على عضو البرلمان الأفغاني عبد الولي نيازي، إذ يتم نهب ثروة بلاده من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة على يد العصابات المسلحة منذ أعوام، كما تتعرض المناجم للتدمير عبر التعدين العشوائي، في ظل عجز حكومي عن وقف الظاهرة المتصاعدة بسبب الوضع الأمني المتردي ونقص الإمكانيات كما يقول.
 
وتسيطر جماعات مسلحة مناوئة للدولة على مناجم الأحجار الكريمة وشبه الكريمة في ولاية بدخشان شمال شرقي أفغانستان والتي توجد بها أحجار اللازورد شبه الكريمة ذات اللون الأزرق الداكن المعروفة عالميا، وتعتبر الولاية المحاذية لكل من الصين وطاجيكستان وباكستان، من أغنى الولايات الأفغانية بالمعادن والأحجار الكريمة وشبه الكريمة وينحدر النائب نيازي من تلك المنطقة، كما أوضح قائلا: "العصابات والمليشيات المسلحة تمول عملياتها من عائدات تهريب الأحجار الكريمة إلى خارج البلاد، ومن أبرز الأنواع التي يتم تهريبها بالتنسيق مع المسؤولين الأمنيين في الحكومات المحلية، والزعامات القبلية، الياقوت واللازورد والعقيق واللعل والفلوريت والزبرجد".



متى بدأت الظاهرة؟

بدأت ظاهرة تهريب الأحجار الكريمة من أفغانستان بعد الغزو السوفياتي في عام 1979 وتحديدا في مناطق وجود الأحجار الكريمة التي تمركز فيها المقاتلون الأفغان المعروفون بالمجاهدين، بحسب ما أوضحه الزعيم القبلي في ولاية كونار أقصى شرقي البلاد، وأحد تجار الأحجار الكريمة والمصدرين إلى باكستان، محمد كوثر، قائلا لـ"العربي الجديد": "استخراج تلك الأحجار يتم على يد زعماء قبائل بمعونة عصابات وجماعات مسلحة، وهؤلاء يتعاملون على أنهم توارثوا مناجم الأحجار الكريمة جيلا بعد جيل".

وتهرب الأحجار الكريمة من أقاليم "كونار، ونورستان، وننجرهار" في الشرق و"بنجشير وبدخشان" في الشمال، إلى خارج أفغانستان كما يقول المهندس هارون الرشيد رئيس إدارة المعادن المحلية في ولاية كونار أحد مراكز المناجم الرئيسية في البلاد، قائلا: "يوجد في الولاية وحدها ما بين 700 و800 منجم. لكنها جميعها في يد المسلحين، باستثناء منطقة واحدة قرب مدينة أسعد أباد وهذه تخضع لسيطرة حكومية، ومع ذلك فإن القبائل تستخرج منها الأحجار الكريمة خفية" كما يقول لـ"العربي الجديد".

وفي ولاية نورستان، يؤكد سعد الله باينده زوي رئيس مجلس الشورى المحلي (برلمان الإقليم) وجود 400 منجم للأحجار الكريمة وشبه الكريمة، في الولاية، قائلا: "هذه المناجم في قبضة طالبان باستثناء منجم وحيد تحت سيطرة الحكومة، وما يحصلون عليه منها يمول حربهم المستمرة"، كما يقول لـ"العربي الجديد".

ويستخرج من كل منجم في نورستان ما بين 5 كيلوغرامات و7 كيلوغرامات من الأحجار الكريمة سنويا بحسب ما أوضحه سميع الله يونس والذي يعمل منذ 30 عاما في مناجم الأحجار الكريمة في مدينة بارون مركز الولاية، مشيرا إلى أن الثروة الهائلة لتلك المناجم تنهب من قبل أمراء الحرب ومن بيدهم السلاح، ويتم التعدين عبر استخدام المتفجرات والمناشير الكهربائية المختلفة، ويباع الكيلوغرام الواحد من حجر البيروج بمبلغ يتراوح بين 80 ألف أفغاني و300 ألف أفغاني (ما بين 1018 دولارا أميركيا و3820 دولارا أميركيا) في ولاية نورستان، لكنه يهرب خارج أفغانستان ليباع بالغرامات بأثمان باهظة بحسب يونس والتاجر محمد كوثر، الذي قال إن تلك الأحجار الكريمة يتم تقييمها خارج أفغانستان بالدولار، وتخضع أسعارها لنوعية الحجر ودرجة نقائه كما يقول.



وعلى الرغم من أن مقاطعـة كُـران ومُنجان في ولايـة بدخشان، ليست لديها أهمية عسكرية أو سياسية تذكر بالنسبة لحركة طالبان، إذ يصل سكان المقاطعة من الطاجيك إلى ما يقارب 100% لذا يمكن اعتبارها معقلا لقوات معارضـة لحركـة طالبـان لكن فريـق الـدعم التحليلي ورصـد تنفيـذ الجـزاءات التابع للأمم المتحدة وثق قيـام الحركة ببذل جهود عسكرية منتظمة ومستمرة للاحتفاظ بسـيطرتها على الطريـق الموصـلة إلى مناجم اللازورد. وفق ما رصده تقريرالفريـق العامل بموجب قرار مجلـس الأمـن 2160 لعام 2014 والمقدم إلى مجلس الأمن في فبراير/شباط 2015، وتبتز طالبان ما يناهز مليـون دولار سـنويا مـن الأفـراد الـذين يرغبـون في استغلال المناجم في كُران ومُنجان بحسب ما ذكره المتخصصون الذين استشـارهم الفريق، وحتى اليوم تستمر الحركة في تمويل أنشطتها عبر تلك الأنشطة كما تؤكد مصادر التحقيق.
 
 
 

من يتحمل المسؤولية؟

في حديث لـ"العربي الجديد"، يتهم تاجر الأحجار الكريمة حاجي عبد الكريم، الحكومة الأفغانية وكبار المسؤولين بالتواطؤ والفساد وعدم التعاون مع التجار الذين يرغبون في تقنين العمل من أجل استخراج الأحجار الكريمة، في مقابل دفع الضرائب للحكومة، إذ إن بعض المناجم في يد نافذين وأخرى يسيطر عليها مسلحون، في ظل عدم وجود أي تحرك حكومي لوقف الظاهرة.

لكن الناطق باسم وزارة المعادن تقي مفتي نفى الاتهامات السابقة، قائلا: "اتهام الحكومة بالضلوع في فساد مرتبط باستخراج الأحجار الكريمة غير صحيح، هناك خطة ومساعٍ للسيطرة على التعدين غير المشروع وتهريب الأحجار الكريمة، لكن الملف معقد ويحتاج إلى وقت، لا سيما أن الحكومة أمامها ملف أمني متأزم، وللمال فيه دور كبير" كما يقول.

وجرى وضع خطط جديدة للتعامل مع التجار ومع المناجم التي يجري تهريب الأحجار الكريمة منها، إذ تم تشكيل لجنة من وزارات الدفاع والداخلية والاستخبارات والمالية والاقتصاد من أجل مباشرة العمل وفق آلية خاصة وتطبيق القانون بحسب مفتي، والذي لفت إلى أنهم بصدد إجراء مسح جديد في البلاد من أجل معرفة عدد المناجم والقيمة الإجمالية لما يتم استخراجه منها سنويا.

لكن المهندس هارون الرشيد يقول إن الحكومة الأفغانية أعلنت أنها تعمل منذ خمسة أعوام على التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والقضاء على سطوة القبائل والعصابات المسلحة على مناطق الأحجار الكريمة، وهو ما كان يقتضي التحرك عبر خطوة أولية تتمثل في السيطرة على المناجم وشن عمليات مسلحة لاستعادة السيطرة عليها ومن ثم تجري عملية التقييم ثم الاكتشاف ثم الاستخراج وفق ضوابط عمل صحيحة تحافظ على المنجم والعمال.
 
منافذ سرية للتهريب

تهرب الأحجار الكريمة، عبر طريق سري بالقرب من منفذ طورخم الحدودي مع باكستان شرقي أفغانستان، وكذلك عبر ولاية هلمند ومنفذ سبين بولدك بولاية قندهار على الحدود بين باكستان وأفغانستان وفق ما يؤكده تاجر الأحجار الكريمة وكيل خان بهادر مشيرا إلى أن التهريب عبر الطرق السرية غير مكلف، بينما التهريب عبر المنافذ المشهورة كطورخم وبولدك، مكلف نظرا لدفع الرشى لرجال الأمن كما يقول.

وأضاف بهادر أن الأحجار الكريمة تهرب أيضا عبر مطار حامد كرزاي الدولي (كابول سابقا) إلى دول الجوار، مثل "باكستان وإيران"، وكذلك إلى الإمارات من خلال دفع رشى، خاصة عند عمليات الفحص والتفتيش، غير أن العميد غول آغا، وهو ضابط تفتيش في الشرطة الأفغانية بمنفذ طورخم رد على الاتهامات بضلوع الشرطة في تهريب الأحجار الكريمة قائلا: "هذا الأمر غير دقيق، ربما هناك بعض الأشخاص المتورطين ولكن الحكومة اتخذت خطوات جادة لمواجهة تهريب الأحجار الكريمة أو غيرها، ومنها تكثيف انتشار الاستخبارات في المنافذ الرئيسية"، لكن آغا عاد وقال إن "عدد العابرين بين الحدود الأفغانية الباكستانية يوميا بالآلاف، وفحصهم جميعا أمر صعب، إذ لا توجد أدوات متطورة ويتم الاعتماد على الفحص اليدوي، وكذلك على معلومات الاستخبارات، وبالتالي لا يمكن لنا أن نمنع كليا وقوع عملية التهريب".
 
 
 

قوانين لا تطبق

يوثق تقرير فريق الدعم التحليلي التابع لمجلس الأمن أن الممارسات الابتزازيـة في قطاع التعدين أمـر شـائع جدا، إذ أُبلغ الفريق من جانب أصحاب مصـلحة مـن القطـاع الخـاص بـأن حركـة طالبان وغيرها من الجماعات تهدد بانتظـام شـركات التعـدين، وفي حالة بعينها، تعيَّن وقـف عمليـة مـرخص لهـا مـن الحكومـة بسـبب تهديـد ممثلـي طالبـان وشبكة حقاني وعناصر من الحزب الإسلامي لشركة باستخدام العنف ضد موظفيها، ما لم تذعن وتدفع لهم المال، وألا تدفع الضـرائب للحكومـة.


وفي ظل التراجع الحكومي أمام الحركة، يواصل البرلمان إصدار تشريعات لمواجهة الظاهرة ومن بينها المادة 788 من قانون الجزاء رقم 1260 الصادر قبل عامين والذي ينص على أن "تهريب الأحجار الكريمة وما يستخرج من المعادن وكل ما يمنع القانون تهريبه جريمة، ويعين القاضي جزاءه وفق 4 بنود؛ أولها، يصدر القاضي سجناً قصير المدى ومدته ما بين ثلاثة أشهر وعام واحد في حق كل من يخرج الأحجار الكريمة التي تكون قيمتها 3 ملايين أفغانية (38197 دولارا). في حين أن البند الرابع ينص على أن يصدر القاضي حكما بسجن طويل يصل مداه إلى 16 عاما إذا كانت قيمة ما استخرج أكثر من 10 ملايين أفغانية.

وتنص المادة رقم 787 من ذات القانون على أن المستخرجين والمهربين سواء في الجريمة، وبالإضافة إلى ما سبق أقرت الحكومة قانون المعادن رقم 1143 الذي أجرى عليه البرلمان تغييرات قبل عامين كذلك، لكنه لم يطبق بسبب الوضع الأمني والفساد المستشري في البلاد كما يقول النائب نيازي.