تونس مهددة بالظلام...غلق منشآت النفط ينذر بتوقف محطات الكهرباء

تونس مهددة بالظلام...غلق منشآت النفط ينذر بتوقف محطات الكهرباء

09 اغسطس 2020
+ الخط -

تتزايد التحذيرات في تونس من دخول البلاد في عتمة، جراء انقطاع التيار الكهربائي، في ظل استمرار محتجين في غلق منشآت نفطية حيوية في محافظة تطاوين جنوب البلاد، فضلا عن عدم القدرة مالياً على استيراد المزيد من الوقود من الخارج لتشغيل محطات الكهرباء.

ورجح حامد الماطري، المستشار في ديوان وزير الطاقة والمناجم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تصل تونس إلى مرحلة الانقطاع المتكرر في الكهرباء خلال الفترة المقبلة، بسبب غلق محطة الضخ الرئيسية في تطاوين، منذ منتصف يوليو/تموز الماضي.

وبدأت مؤسسات القطاع العام في المحافظة في الإضراب مطلع يونيو/حزيران الماضي، للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن يمتد إضراب العاملين إلى القطاع الخاص ويصل إلى الشركات النفطية الثلاث "إيني" الإيطالية و"أو ام في" النمساوية و"أتوك أويل" البريطانية.

ويؤثر الإضراب على إنتاج الطاقة، ما يزيد العجز في هذا المجال في البلد الذي يعتمد بالأساس في تدبير معظم احتياجاته على الاستيراد، فضلا عن تراجع العائدات المتأتية من الضرائب التي تدفعها الشركات النفطية للدولة.

وأشار الماطري إلى تعرّض تونس لخسائر كبيرة بسبب الإضراب، لافتا إلى فقد أكثر من 50% من إنتاج الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه شركة الكهرباء الحكومية.

وأكد أن 97% من إنتاج الكهرباء يأتي من الغاز الطبيعي المنتج محلياً والمستورد من الجزائر، مشيرا إلى أن خسارة الإنتاج المحلي يزيد عجز ميزان الطاقة ويزيد الطلب على الواردات الجزائرية، بينما ليس لدى تونس الإمكانيات لاستيراد المزيد من الغاز نتيجة تراكم الديون المستحقة لشركة سوناطراك الجزائرية.

وأضاف أن التداعيات الناجمة عن الإضراب قد تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي ودخول البلاد في حالة من العتمة، نتيجة عدم قدرة شركة الكهرباء على تلبية الطلب، والذي يبلغ ذروته في هذه الفترة.

وقال الماطري إن تونس لم تتمكن من دفع ديونها للشركات المزودة للطاقة سواء التي تعمل في تونس أو سوناطراك الجزائرية، نتيجة الصعوبات المالية العامة للدولة، وتراجع إتاوة (رسوم) مرور أنبوب الغاز الإيطالي عبر تونس، فضلا عن الشلل الذي سببه إضراب شركات النفط في تطاوين.

وفي يونيو/حزيران الماضي، أبرمت شركة الكهرباء والغاز الحكومية اتفاقا مع "سوناطراك" يقضي بتمديد عقد توريد الغاز إلى تونس حتى عام 2027. وستزيد سوناطراك بمقتضى الاتفاق المعمول به منذ مارس/آذار 1997، الكميات التي تحصل عليها السوق التونسية بنسبة 20% لمواجهة الارتفاع المتوقع في الاستهلاك.

وقال مسؤول في شركة الكهرباء والغاز لـ"العربي الجديد" إن الشركة تواصل تأمين خدمة الكهرباء من دون أن يكشف عن مستوى العجز الذي سببه غلق محطة ضخ الوقود في تطاوين.

وأضاف أن الشركة تعوّل على الدعم المالي من الحكومة لتجاوز وضعها الصعب، لافتا إلى أن مستحقات الشركة لدى الدولة وصلت إلى ملياري دينار (714 مليون دولار).

والأربعاء الماضي، حذّر راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، من خطر انقطاع الكهرباء والمياه عن المواطنين، وعدم توفر الأجور في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس، وأرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما ثقافة الإقصاء التي تجعل التونسيين مشغولين بالصراع في ما بينهم، وتدهور ثقافة العمل.

وبالإضافة إلى الشلل التام في قطاع الطاقة وتهديدات قطع الكهرباء في البلاد، لا يزال قطاع الفوسفات تحت وطأة الاحتجاجات الاجتماعية التي تسببت بدورها في توقف تام لشركة المجمع الكيميائي التونسي وإعلانه القوة القاهرة.

ويخشى متعاملون اقتصاديون من تأثيرات إضرابات الطاقة على أنشطتهم الحيوية، بعد تحذيرات من مؤسسات الطاقة بإمكانية عدم توفير المحروقات (المنتجات البترولية) مستقبلا، بسبب عدم حصولها على مستحقاتها من الدولة وعجزها عن مواصلة العمل.

وأكد المتعامل الاقتصادي قيس فرحات، أن شركات نفطية أجنبية أخطرت المتعاملين الاقتصاديين بإمكانية قطع تزويدهم بالمحروقات نتيجة تراكم ديونها، مهددة باللجوء إلى التحكيم الدولي لتحصيل مستحقاتها.

وقال فرحات لـ"العربي الجديد" إن الوضع في تونس بات مقلقاً، وشلل قطاع الطاقة قد يلقي بظلاله قريباً على كل الأنشطة الحيوية في البلاد، التي تكابد بالأساس من أجل مواصلة العمل في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها الدولة.

وأكد ضرورة معالجة كل الملفات الاجتماعية التي تسبب الاحتقان والإضرابات بشكل سريع، واستئناف العمل في قطاعي الفوسفات والبترول لمنع البلاد من الوصول إلى الإفلاس والدخول في دوامة قطع الخدمات الحيوية على المواطنين ومنها الماء والكهرباء.

والخميس الماضي، طالب محافظ البنك المركزي مروان العباسي التونسيين بالمزيد من العمل والإنتاج، داعيا من يمتلك الإمكانيات إلى الاستهلاك، خاصة استهلاك المواد التونسية لتحريك الاقتصاد.

وتعهد محافظ البنك المركزي، في تصريح لإذاعة محلية، بتوفير رواتب التونسيين لأشهر أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول.

وتشهد تونس احتجاجات وإضرابات متكررة منذ عشر سنوات للمطالبة بالتشغيل. وبلغت نسبة البطالة، وفق آخر بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي، 15.5% خلال الربع الأول من العام الجاري.

وجاءت تداعيات فيروس كرونا الجديد لتزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، فيما أعلنت الحكومة، نهاية يونيو/حزيران الماضي، أن الدولة ستطلق مشاريع كبرى بقيمة 5.5 مليارات دينار (مليارا دولار)، في إطار خطة الإنعاش الاقتصادي، من بينها مشاريع بقيمة 3 مليارات دينار ستنفذها الدولة، وأخرى بقيمة 2.5 مليار دينار ستنفذ في إطار شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، ضمن مجموعة تدابير أخرى جرى الإعلان عنها سابقا للحد من الآثار الاقتصادية للوباء.

لكن الأزمة السياسية التي تشهدها الدولة تعطل خطط إنعاش الاقتصاد الذي خرج منهكا من جائحة كورونا عقب انكماش الاقتصاد بنحو 6.5% وفقدان أكثر من 270 ألف تونسي وظائفهم، فضلا عن تفاقم الدين العام للبلاد وشح الموارد الذاتية.

ومنتصف يوليو/تموز الماضي، أعلن وزير المالية، نزار يعيش، عن عدم قدرة الاقتصاد على تحقيق نسبة النمو المتوقعة سابقا بـ1.7%، مشيرا إلى أن مداخيل الدولة الذاتية المتأتية من الموارد الجبائية تراجعت بنسبة 4.6% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، مسببة فجوة في الموازنة بنحو 5 مليارات دينار، وتوسع عجز الميزانية إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ3% في التوقعات السابقة.

ورجح يعيش أن ترتفع نسبة المديونية الخارجية إلى 85% من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 71% تم تقديرها في قانون مالية 2020 (الموازنة) في وقت سابق.

المساهمون