تونس: معركة المحكمة الدستورية

تونس: معركة المحكمة الدستورية

08 يوليو 2019
الخلافات السياسية تؤخر استكمال المحكمة الدستورية بالبرلمان(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تواجه النخبة السياسية التونسية هذه الأيام تحدياً كبيراً، لعله الأهم في مسار بنائها البيت الديمقراطي، ويتمثل في انتخاب المحكمة الدستورية التي تعتبر عماد هذا البيت وضمان تماسكه والملجأ الأخير للجميع عندما تشتد الأزمات أو تسيطر الحيرة والخلافات حول أيّ من الملفات مستقبلاً.

أخفقت هذه النخبة طيلة السنوات الخمس الماضية في إرساء المحكمة بسبب تأجيل خلافاتها المتكررة الى وقت لاحق، فضلاً عن وجود حسابات ومخاوف متبادلة من سيطرة طرف عليها، وسط تناسٍ بأن عدم وجود المحكمة قد يعصف بالجميع ويهدم البيت على رؤوس الكل. وهو ما انتبه إليه أكثر السياسيين بعد أزمة "الخميس الصعب"، الذي لم يكن "خميساً أسود" كما يسميه البعض، لأنه حمل من الإيجابيات والانتصارات أكثر مما تداعى إليه من انكسارات وخسائر.
يشير القيادي المشاكس في حركة النهضة، لطفي زيتون، الذي يصفه البعض بأنه يغرد خارج السرب، في نص مطول على صفحته الرسمية في فيسبوك، إلى أن "مختلف الكتل البرلمانية تهرول الآن لانتخاب المحكمة الدستورية على عجل بعد الأحداث التي شهدتها البلاد والبرلمان إثر الوعكة الصحية التي ألمّت بالسيد رئيس الجمهورية شفاه الله… منذ ثلاث سنوات وأنا أنبه إلى خطورة غياب مؤسسة المحكمة الدستورية باعتبارها عمود خيمة النظام السياسي الذي أنتج دستوراً، كان كاتبوه مهمومين بتحصيل أوسع ما يمكن من الأصوات كما كانوا مهمومين بتفكيك سلطة نظام رئاسوي أنتج ديكتاتورية طويلة، ولكنهم سقطوا في إنتاج نظام هجين...، قسّم السلطة التنفيذية وهمش السلطة التشريعية وحرمها من الموارد وصعّب إلى ما يقرب الاستحالة، تكوين الهيئات المستقلة الضرورية لسير مرافق الدولة وعلى رأسها المحكمة الدستورية".
ويعكس موقف زيتون طبيعة هذه الصراعات، الإيديولوجية والسياسية، والتي تخشى تأويل الدستور مستقبلاً لصالح طرف على حساب آخر ولصالح فكرة على حساب أخرى، عند الاحتكام للمحكمة. يكشف هذا الأمر استنقاصاً غير مبرر للشخصيات المترشحة لعضوية المحكمة ولكفاءاتها ونضالاتها، لكنه يبيّن بالخصوص مناخ عدم الثقة المتواصل بين الأطراف السياسية التونسية التي لم تتخلص بعدُ من خلافاتها الفكرية والإيديولوجية بالخصوص، لكن أزمة الخميس (27 يونيو/ حزيران) دفعت الجميع إلى إعادة ترتيب الأولويات والتنبّه إلى الخطيئة الكبيرة التي وقعوا فيها بعدم استكمال المحكمة وغيرها من المؤسسات الدستورية التي تعطلت لنفس الأسباب، وكادوا يورطون تونس وتجربتها في تعقيدات صعبة ومعقدة كان المتربصون بها يتمنون حصولها.