تونس: كورونا يغذي الخطابات الشعبوية والمزايدات السياسية

تونس: كورونا يغذي الخطابات الشعبوية والمزايدات السياسية

17 مايو 2020
انتقد متابعون بشدة أداء عبير موسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
ارتفع منسوب المزايدات السياسية والخطابات الشعبوية في تونس في الفترة الأخيرة، وهو ما يغرق المشهد السياسي في المهاترات الجانبية، وذلك على وقع غياب لافت للفعل السياسي والأنشطة الحزبية بسبب تواصل الحجر الصحي وحظر التجول الأمني الذي فرضه انتشار وباء كورونا. وقد طغت المزايدات والمهاترات على تعليقات شخصيات حزبية ونواب عديدين في مجلس الشعب. وتُلاحق الاتهامات بالشعبوية العديد من الشخصيات السياسية والبرلمانيين التونسيين، على غرار رئيس حزب "صوت الفلاحين"، النائب فيصل التبيني، الذي يطلق عليه مدونون لقب "ملك الشعبوية"، وعبير موسي زعيمة "الحزب الدستوري الحر" المعارض، وسيف الدين مخلوف رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة"، وسعيد الجزيري رئيس حزب "الرحمة". وحتى رئيس الجمهورية قيس سعيد، لم يسلم من وابل النقد، وطاولته الاتهامات بالشعبوية منذ انتخابه رئيساً، وتعززت هذه الانتقادات بعد إلغائه أخيراً صفقة لشراء زهور وأكاليل لصالح القصر الرئاسي بمبلغ يصل إلى 100 ألف دولار، وكذلك بعد قيامه بحمل وتوصيل علب وأكياس مساعدات اجتماعية بنفسه، وهو ما وصفه البعض بـ"الشعبوية".

واعتبر مراقبون أنّ شعبوية فيصل التبيني بلغت أوجها خلال الفترة الأخيرة، مقارنة بالسابق. إذ بلغ به الأمر إلى حدّ تكثيف دعواته لحل البرلمان وإعادة إجراء الانتخابات التشريعية، وتعديل النظام السياسي وتنقيح القانون الانتخابي، في وقت لم يتمكن فيه من الفوز بمقعده إلا بشق الأنفس وبفضل بقايا الأصوات الانتخابية، ومع علمه المسبق بأنّ سيناريوهات تعديل الدستور والقانون الانتخابي وإعادة الانتخابات فرضيات واحتمالات بعيدة المنال، ولا تتجاوز كونها مجرد تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي السياق، رأى المحلل السياسي، خالد قزمير، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المشهد الحالي هو انعكاس واضح لفوز التيارات الشعبوية بمساحة مهمة من السلطة، ومن مواقع الفعل السياسي"، مشيراً إلى أنّ "الخطاب الشعبوي لا يمكن اعتباره لعنة على الشعوب بقدر ما يمكن اعتباره تعبيراً عن جزء مهم من التونسيين الذين اختاروا هذا التوجه، ووجدوا فيه بدائل للنخب والمنتخبين السابقين".

وأوضح قزمير أنّ "الخطاب الشعبوي يلعب على مشاعر الجماهير، من خلال مخاطبة عواطفهم بتعليقات وآراء يجدون فيها طوباوية وفضيلة، كذلك فإنه يعمل على دغدغة العنف الشعبي الكامن داخل جزء مهم من المواطنين". وأضاف أنّ "هناك جزءاً مهماً من السياسيين التونسيين، في حاجة لمثل هذا اللون الخطابي، وقد أمعنوا بالفعل في تأجيج رغبات التغيير، وتغذية نيران الحقد، وتشجيع خطابات التعطش للقضاء على الفقر والفساد والإرهاب والوباء، من خلال بثّ نظريات المؤامرة الكونية ومحاربة الفلول والمجهول". وتابع المحلل نفسه، قائلاً إنّ "هناك سياسيين اعتمدوا على التباكي في خطاباتهم، وشيطنة خصومهم، والتظاهر باستهدافهم من قبل الإرهاب والخصوم".

وفي السياق نفسه، اعتبر نشطاء أنّ الساحة السياسية غرقت في محاولات البعض الظهور بشتى السبل، إذ يبحث الفاعلون والمغمورون على حدّ سواء، عن الحضور الإعلامي بأي طريقة. وانتقد متابعون في الآونة الأخيرة بشدة أداء رئيسة الحزب "الدستوري الحر"، عبير موسي، ونواب من حزبها، إذ لم تتردد موسي في استغلال أي منفذ أو مدخل لانتقاد غريمها السياسي المتمثل بحركة "النهضة"، وزعيمها راشد الغنوشي، ملصقةً به التهم، سواء كان له يد فيها أو لم يكن. وقد ذهبت موسي بعيداً في الخطاب الشعبوي، متجاوزةً آليات المعارضة وفنون المنافسة.

وقوبلت غالبية محاولات موسي لتحريك الرأي العام من خلال اقتراحات في البرلمان، بالرفض تحت قبة الأخير، لمخالفتها القانون الداخلي لمجلس نواب الشعب ومجانبتها الدستور وقواعد العمل البرلماني، على غرار مطالبتها بمساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي حول اتصالاته الخارجية، ومطالبتها بإحداث مجلس أعلى للاقتصاد التضامني، ومعارضتها لاتفاقيتين اقتصاديتين مع تركيا وقطر وربطهما من قبلها بـ"مخطط الإخوان لتوطين هذين البلدين في تونس".

وكان طلب موسي عقد جلسة لمساءلة الغنوشي قد أثار جدلاً داخل البرلمان التونسي وخارجه، فيما استنكر نائب رئيس مجلس نواب الشعب، طارق الفتيتي، ما اعتبره "التصريحات الكاذبة لموسي"، حول مجريات اجتماع مكتب مجلس النواب الذي انعقد الخميس الماضي للنظر في طلب "الدستوري الحر" مساءلة الغنوشي. وقد قالت موسي في مقطع فيديو نشرته عبر صفحتها بموقع "فيسبوك" إن الفتيتي "كغيره من أعضاء مكتب المجلس كانوا يدافعون عن الغنوشي ورفضوا مساءلته".

وعلّق الفتيتي عبر حسابه بموقع "فيسبوك" على هذا الأمر قائلاً: "ما حصل في مكتب المجلس يحدث تقريباً في كل اجتماع مكتب، حيث أصبحت لدينا نقطة إقرارات خاصة بكتلة الدستوري الحر، وقد قالتها ممثلة الكتلة في المكتب، بأننا نسجل نقاطاً سياسية فقط! هذا شأنهم ومسألة لا تعنيني صراحة، على الرغم من أنها تأخذ من وقتنا كأعضاء مكتب مجلس، باعتبار أن المسائل المقدمة من طرفهم عادة ما تكون إمّا غير دستورية كمبادرة تشريعية لإحداث مجلس أعلى للاقتصاد التضامني، وهو اختصاص حصري لرئيس الحكومة، أو مخالفة للنظام الداخلي، أو لم تلقَ القبول من طرف أعضاء المكتب بالتصويت".

من جهته، أوضح المحلل السياسي، عبد المنعم المؤدب، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الخطاب الشعبوي فنّ لا يتقنه الجميع، وقد أصبح ميزة للعديد من السياسيين الذين يعيشون على المزايدات الكلامية، ويتغذون من الخطابات الشعبوية".

وأرجع المؤدب تزايد منسوب الخطاب الشعبوي خلال فترة انتشار وباء كورونا، إلى "انحسار الأنشطة السياسية والحزبية، إذ يعمد السياسيون من أجل المحافظة على حضورهم الإعلامي، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الإثارة والفرقعات الإعلامية، والطروحات الشعبوية التي تزايد الإقبال على استهلاكها من قبل جمهور التونسيين المعزولين في بيوتهم".

واعتبر المؤدب أنّ "البرلمان يعدّ الساحة المثلى لمثل هذه الخطابات، وقد تعززت داخله الشعبوية منذ تقلّص نشاطه، وفوّض صلاحياته إلى الحكومة، ما دفع البرلمانيين إلى محاولة اقتناص أكبر قدر من اهتمام الرأي العام، بتعليقات ومداخلات قد لا تمت إلى الواقعية والجدية بأي صلة أو رابط".