تونس في ذكرى بلعيد: اغتيال غيّر الحكم

تونس في ذكرى بلعيد: اغتيال غيّر الحكم

06 فبراير 2014
+ الخط -

عام مرّ على اغتيال شكري بلعيد، ويبقى السؤال قائماً من دون تقديم اجابات مقنعة عن الجهات المسؤولة عن التخطيط لاغتياله، فيما تصر عائلته وحزبه "الوطنيين الديموقراطيين" على كشف الحقيقة وإحياء ذكراه عبر فعاليات شملت أكثر من منطقة في تونس، أهمها في ساحة المنزه السادس.

كان اغتيال شكري بلعيد، بأربع رصاصات أمام منزله، حدثاً مفصلياً في تونس. أول ضحايا الاغتيالات في عهد ما بعد الثورة، أدخلت تصفيته، البلاد في منعرج الاغتيالات السياسية، وسرعان ما فتح ملف الارهاب والقتل على أساس الاختلاف في الرأي وفي الموقف السياسي.

جريمة اغتيال ابن جبل الجلود من ولاية تونس، والمعارض الشرس لنظامَي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، لم تكن لتجد طريقها إلى التنفيذ لولا تهاون حكومة حمادي الجبالي في حمايته، رغم جدية وخطورة التهديدات التي كانت محدقة به، ولولا مناخ التحريض الذي كان منتشراً.

شنّت ضد بلعيد حملات على صفحات "الفايسبوك" وحتى في خطب المساجد، وصلت إلى حد تكفيره إلى جانب نبيل الشابس من قبل إمام مسجد جرجيس، فيما لا يزال حاضراً التصريح الشهير لوزير الداخلية في حكومة حمادي الجبالي، علي العريض، عندما اتهم بلعيد بالوقوف وراء تأجيج الأحداث والتحركات الاحتجاجية السلمية التي عرفتها مدينة سليانة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

وبينما شاءت الصدف أن يُقتَل المتّهم الرئيسي في عملية الاغتيال كمال القضقاضي، قبل يومين من إحياء الذكرى الأولى لبلعيد، كان لموت المعارض السياسي الشرس تداعيات على الحياة السياسية عموماً، وخصوصاً بعدما أدت وفاته إلى تساؤلات حول طبيعة الحكم في تونس ما بعد الثورة، إلى جانب شرعية الذين يمسكون بالسلطة.
ووضعت عملية الاغتيال طيفاً واسعاً من المعارضة التي انضوت تحت "الجبهة الشعبية" (ائتلاف سياسي تونسي يضم 11 حزباً وتجمعاً يسارياً وقومياً)، بالإضافة إلى عدد من المفكّرين المستقلين (تأسس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2012 والمجتمع المدني والحكم)، أمام مطلب استقالة حكومة حمادي الجبالي. هذا كان فحوى كلمة حمادي الجبالي نفسه مساء يوم الاغتيال، إلا أنّ الأزمة السياسية سرعان ما تفاقمت بعد رفض حركة "النهضة" لمقترح أمينها العام بحل الحكومة، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، مدعومة من حزب المؤتمر، الشريك الثاني في الحكم، وتردُّد حزب التكتل، الشريك الثالث في الترويكا.

تطورات دفعت الجبالي للاستقالة، لتتواصل الأزمة رغم تشكيل حكومة جديدة برئاسة علي العريض. وفي عهد العريض أيضاً، عاد الموت ليطاول هذه المرة المعارض محمد البراهمي، فتجددت الاحتجاجات الشعبية التي خرجت للمطالبة بالكشف عن منفذي عملية الاغتيال، فيما عزمت المعارضة على تجنيد الشارع للمطالبة بإسقاط الحكومة.
وأصبح مطلب الحوار، بوصفه آلية للخروج من الأزمة، مطلباً وطنياً رفعته المعارضات ومكوّنات المجتمع المدني، لبّته النهضة في البداية بشروط تعجيزية، قبل أن تعود للتخلي عن شروطها، وقبولها بالجلوس مع من رفضتهم في السابق.

وبعد جولات ماراثونية من الحوار بين سائر الفرقاء، أُجبرت حكومة العريض على الاستقالة بعدما فشلت في المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وتمت المصادقة على الدستور الذي حمل مضامين هامة، فيما ستكون الحكومة الجديدة، برئاسة مهدي جمعة، ملزمة بتنفيذ "خريطة الطريق" التي تم توافق عليها، وانطلق التحضير للانتخابات.
في غضون ذلك، لم تقتصر تداعيات اغتيال بلعيد على الحياة السياسية، بل شملت حزبه أيضاً، اذ تم تعيين زياد الأخضر خلفاً له في منصب الأمين العام لحزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد، ولا سيما أنه يحسب على التيار المعتدل داخل الحزب، وأحد منظّريه، فضلاً عن كونه "الرأس المفكر" الذي نجح في إخراج "الجبهة الشعبية" من مربع "الصفر" إلى مربع البديل والمنافس الشرس، والمتصدر للمرتبة الثالثة في نوايا التصويت المقدمة في استطلاعات الرأي.

 

من قتل شكري بلعيد؟

من المنتظر، بعد ساعات، أن يقدم القائمون على "المبادرة الوطنية" لكشف الحقيقة في اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، حقائق جديدة حول اغتيال المعارض التونسي تزامناً مع احياء ذكرى استشهاده. وفي انتظار جديد الحملة، كشف محامي المبادرة، مختار الطريفي، أنه أرسل مظاريف الرصاصات التي اغتالت بلعيد الى مختبر عالمي في هولندا.
ووفقاً للطريفي، قام المختبر، بعد إجراء التحاليل، بإرسال تقريره إلى وزارتي الخارجية والداخلية، منذ 29 أيار/مايو 2013، إلا أن قيادات أمنية في وزارة الداخلية أخفت التقرير عن الوزير لطفي بن جدو.

وتفيد المعلومات المسربة من التحقيق وبعض المصادر، أن الموقوفين في قضية بلعيد بلغ عددهم 13 عنصراً إرهابياً خطيراً. من بين الأسماء التي تمّ تداولها في وسائل الاعلام، كل من كمال القضقاضي المتهم الرئيسي بعملية الاغتيال، والذي تمت تصفيته قبل أيام إلى جانب أمين القاسمي، وعز الدين عبد اللاوي، وصابر المشرقي، ومحمد العوادي.
وقدّم معظم المتّهمين اعترافات هامّة وموثّقة، تتعلّق بمشاركتهم في عمليات ارهابية خطيرة، بينما تم القضاء على عنصرَين خطيرين كانا متورطين بصفة مباشرة في عملية الاغتيال، وهما لطفي الزين والعوادي.
وبحسب مصادر قضائية متابعة للتحقيقات، فإن العوادي هو من قام بالاتصال بأمير تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي، أبو عياض، الذي أفتى بقتل شكري بلعيد. وأفاد المصدر نفسه، أنّ التخطيط للاغتيال تم خلال جلسات خاصة للمجموعة بالتنسيق مع مجموعة أبو عياض، وقد حصلت مراقبة مشددة لشكري بلعيد قبل أيام من اغتياله.
وبمقتل القضقاضي، يرى البعض أن سر اغتيال بلعيد دُفن. لكن المتأمل في حيثيات عملية الاغتيال وعدد الأطراف المتورطة فيها، يعلم بأن القضقاضي لم يأخذ معه سوى جزء من الحقيقة؟

 

محطات من حياة شكري بلعيد

ولد شكري بلعيد في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1964 في جبل الجلود من ولاية تونس. درس الحقوق في العراق، وأكمل تعليمه في جامعة باريس. كان معارضاً لنظام الحبيب بورقيبة الذي قام بسجنه، ومعادياً لنظام بن علي.
قام بقيادة أولى المسيرات المنددة بالحرب الأميركية على العراق، ودافع عن المحكومين في أحداث الحوض المنجمي في 2008 وعن مساجين تابعين للسلفية الجهادي. عضو سابق في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي، شغل أيضاً منصب الأمين العام لحزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد، وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية (تجمع أحزاب اليسار الماركسي والقومي).
ترشّح في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، على رأس قائمة مشتركة مع حزب الطليعة العربي الديموقراطي، تحت اسم ائتلاف الكرامة، إلا أنه لم ينل إلا 0.63 من الاصوات. كما انتخب أميناً عاماً لحزب الوطن الموحد في 2 سبتمبر/أيلول 2012.
اتهم بلعيد في آخر مداخلة تلفزيونية له يوم 5 فبراير/شباط، على قناة نسمة الخاصة، حركة النهضة بالتشريع للاغتيال السياسي بعد ارتفاع اعتداءات "روابط حماية الثورة"، المتهمة بأنها الذراع العسكرية لحركة النهضة.

المساهمون