تفاقم الجدل تحت قبة البرلمان التونسي حول رفع العتبة الانتخابية (نسبة الأصوات للحصول على مقعد بالبرلمان) إلى 5 بالمائة بعد إقرار جلسة عامة لتعديل القانون الانتخابي غدا الثلاثاء، لينقسم البرلمانيون إلى مساندين ومعارضين لهذا المسار الذي سيغير المشهد السياسي.
واحتجت المعارضة لإقرار مكتب البرلمان عقد جلسة عامة يوم 30 إبريل/ نيسان الحالي لمناقشة تنقيح وتعديل القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، بتعديل مجموعة من الفصول بهدف الترفيع في نسبة العتبة الانتخابية الضرورية للحصول على التمويل الانتخابي ولاحتساب المقاعد في البرلمان المقبل خلال الانتخابات التشريعية المبرمجة في أكتوبر / تشرين الأول 2019.
وقال عضو مكتب البرلمان والقيادي في الكتلة الديمقراطية المعارضة غازي الشواشي، إن الائتلاف الحاكم المتمثل في حزب النهضة ورئيس الحكومة يوسف الشاهد "ضغطا على رئيس البرلمان محمد الناصر لتمرير تعديل القانون الانتخابي وإقرار رفع العتبة الانتخابية في وقت لا يفصل التونسيين سوى أقل من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات".
ولفت الشواشي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن "توجه الشاهد ومن ورائه الائتلاف الحاكم لإقصاء الصوت المعارض والرأي المختلف وضرب التنوع السياسي والتعددية البرلمانية، من خلال فرض عتبة لا تخدم إلا الأحزاب ذات التمويل الضخم والمشبوه".
وأضاف الشواشي أن الائتلاف الحاكم "يبحث عن تبرير فشله في الحكم طيلة الفترة السابقة"، معللا ذلك بالنظام الانتخابي والعتبة، مشيرا إلى أن "التشتت الحقيقي ليس في أحزاب المعارضة بل في الأحزاب الحاكمة التي أضرت بالبرلمان وبنظام الحكم البرلماني".
وأضاف أن الكتل المعارضة "بقيت متماسكة ومتجانسة ولم تعرف استقالات منذ انطلاق عمل المجلس في مقابل تفكك وتفتت الأحزاب الحاكمة التي شهدت انسلاخات وشقوقا وسياحة برلمانية منقطعة النظير بسبب افتقارها لبرامج ولمرجعيات واضحة".
وحشدت المعارضة وعدد من الأحزاب البرلمانية الصغيرة لإسقاط المشروع، حيث أعلنت كتلة الحرة التابعة لحزب مشروع تونس الحاكم عدم تأييدها لترفيع العتبة الانتخابية، "التي لا تخدم سوى الأحزاب الكبرى وذات الامتداد الجماهيري والشعبي".
ورغم امتلاك الأحزاب الكبرى المتفقة على تمرير القانون أغلبية مريحة لتمريره على غرار كتل النهضة والائتلاف الوطني ونداء تونس التي تتجاوز مجتمعة 140 صوتا بينما يحتاج اقرار التعديل 109 أصوات فقط، غير أن تمرير التعديل يحتاج توافقا سياسيا بين توليفة قوى الحكم مع منافسيها.
وسبق أن عرضت التعديلات في شهر فبراير / شباط الماضي على الجلسة العامة غير أن احتجاج المعارضة دفع الحزام البرلماني الحاكم والحكومة إلى التريث وطلب الذهاب إلى لجنة التوافقات لتقريب وجهات النظر حوله.
وكان إياد الدهماني، الوزير المكلّف بالعلاقات مع مجلس نواب الشعب والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، طلب إرجاء النظر فيه من أجل تقديم مقترحات جديدة في بنود المشروع وخاصة الخلافية منها، على غرار العتبة الانتخابية ومنع التجمعيين من عضوية ورئاسة مكاتب الاقتراع.
وفشلت لجنة التوافقات في التوصل إلى أي اتفاق بشأن البنود الحكومية الخلافية المقترحة من الحكومة، خاصة وأن الكتل البرلمانية لم تتفق حول عتبة انتخابية بـ 3 في المائة، حيث تمسكت كتل المعارضة خاصة بوضع عتبة انتخابية في الانتخابات التشريعية القادمة بـ3 بالمائة، في حين تمسكت كتلتا حركة النهضة وحركة نداء تونس والائتلاف الوطنية بعتبة انتخابية بـ5 بالمائة.
واعتبرت الأحزاب الكبرى أن رفع العتبة الانتخابية، وهي الحد الأدنى من الأصوات التي يشترطها القانون للحصول على مقعد أو مساهمة في تمويل الحملة من قبل الحزب أو القائمة المترشحة في الدائرة الانتخابية سيضمن الاستقرار البرلماني وسيزيل التشتت في الكتل والأحزاب والقائمات كما سيحفظ المال العام.
وشددت الأحزاب الكبرى جماهيريا وعدديا بأن القائمات والأحزاب الصغرى لا تعيد التمويلات الانتخابية إذا لم تفز في الانتخابات مما يجعل محكمة المحاسبات تقضي وقت طويلا في التقاضي بحثا عن إعادة المال العام، كما أن النظام الانتخابي القديم أفرز برلمانا مشتتا يحتوي على 7 كتل برلمانية ويضم أكثر من 16 حزبا، إضافة للمستقلين وهو ما جعله برلمانا مرتبكا وأثر على عمل الحكومة.
وتعتبر هذه الأحزاب أن تونس يجب أن تمر إلى مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والحكومي، وهذا لا يكون إلا بضمان استقرار برلماني يضم حزبين أو ثلاثة أحزاب كبرى على غرار البرلمانات الديمقراطية.