تونس تنفي وجود قاعدة أميركية والإعلام يؤكّد

تونس تنفي وجود قاعدة أميركية والإعلام يؤكّد

28 فبراير 2014
ضباط أميركيون يدرّبون قوات أفريقية من ضمن "أفريكوم"
+ الخط -

يُعدّ موضوع إقامة قاعدة عسكرية أميركية في تونس من العناوين التي طالتها تحليلات وتأكيدات وتكذيبات جميع الأطراف المحلية. وقد تعززت مخاوف مناهضي وجود قاعدة أميركية في البلاد، وخصوصاً بعد صدور القرار الرئاسي، قبل فترة قصيرة، القاضي بإقامة منطقة عسكرية عازلة على الحدود الجنوبية مع الجزائر وليبيا. منطقة ضرورية نظراً "لتنامي التهديدات الامنية وتضاعف تهديدات التنظيمات الارهابية ونشاط شبكات الجريمة المنظمة في تجارة الاسلحة والذخيرة والمخدرات وتهريب المواد المدعمة، الى جانب استعمال السلاح ضد العناصر الأمنية المكلفة بمراقبة الحدود للإفلات من الملاحقة"، بحسب الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع، العميد توفيق الرحموني.

وعاد الحديث في الإعلام وفي بعض المواقع الالكترونية، حول القاعدة الاميركية، خلال زيارة القائد الأعلى للقوات الاميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال كارتر هام إلى تونس وليبيا والجزائر، في مارس/آذار 2013 الماضي. ولم يكن نفي المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية آنذاك، العميد مختار بن نصر، لوجود أي علاقة بين الزيارة ومشاريع إقامة القاعدة الأميركية، كافياً لطمأنة المتخوفين، وذلك بقوله إن "هذه الأخبار هي من قبيل الشائعات، والمسألة ليست مطروحة بالمرة". أكثر من ذلك، شعرت الإدارة الأميركية بضرورة مساعدة الحكومة التونسية في تهدئة الشارع حيال هذا الموضوع، فنفى السفير الأميركي لدى تونس، جاكوب والس، في مناسبتين (أغسطس/آب 2012 وأبريل/نيسان 2013)، الأنباء عن سعي أميركي إلى نقل القيادة الافريقية الاميركية، من قاعدة شتوتغارت الألمانية، الى تونس.

القاعدة الافريقية ــ الاميركية USAFRICOM، هي قوات عسكرية موحدة مقاتلة تحت إشراف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وهي المسؤولة عن العمليات العسكرية الاميركية، وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة افريقية في أفريقيا (ما عدا مصر). تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2007 كقيادة مؤقتة تحت إشراف القيادة الأميركية لأوروبا، والتي كانت، لأكثر من عقدين، مسؤولة عن العلاقات العسكرية والأميركية في أكثر من 40 دولة افريقية. وقد بدأت "أفريكوم" عملها في أكتوبر/تشرين الأول 2008، بقيادة الجنرال وليام إدوارد، المنسق السابق بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. كانت هذه القيادة تمتلك لها مقراً في شتوتغارت ــ ألمانيا، وفرعاً آخر في جيبوتي.

و"أفريكوم" هو تاسع مركز قيادة موحدة أميركية، وسادس مركز قيادة اقليمية يقام بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت حجة إنشاء هذه القيادة هي أن "الدول الضعيفة يمكن أن تشكل خطراً داهماً على الولايات المتحدة بوصفها دولة قوية، وبوصف تلك الدول حاضنة للإرهاب". ويحضر في الأذهان، تصريح مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية الأميركية، والتر كانستينر، عن أن "نفط أفريقيا مصلحة استراتيجية قومية لأميركا"، وذلك بعدما كشف المسح الجيولوجي الذي أجرته شركات أميركية، حجم ما تتمتع به المنطقة من ثروات هائلة من المعادن والمناجم والطاقة.

في عددها الصادر بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2013، كشفت جريدة "الفجر" الجزائرية، عن "وجود مشروع تونسي ـ أميركي يقضي بالسماح بإقامة قاعدة عسكرية أميركية على الحدود التونسية ــ الجزائرية تحت ذريعة مكافحة الارهاب في المنطقة". كذلك نشرت وسائل إعلام محلية تونسية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، طيلة أشهر، صوراً لما سُمّي "قاعدة عسكرية أميركية" في منطقة رمادة بالجنوب الشرقي للبلاد. وكانت جماعة "أنصار الشريعة" السلفية الجهادية، المصنفة على لائحة الارهاب من طرف حكومة علي العريض، قد أشارت إلى "المؤامرة الدينية المتمثلة في ايجاد ذريعة تخول إعطاء الضوء الأخضر لأميركا للتدخل المباشر وتبرير صفقة القاعدة الأميركية في منطقة رمادة، والتمهيد لها بإعلان المنطقة الحدودية الجنوبية منطقة مغلقة معزولة بدعوى الجهود الحثيثة في مكافحة الإرهاب".

ونقلت "الخبر" في 2013، عن مصدر أمني جزائري، رفض بلاده إقامة قاعدة عسكرية أميركية على ترابها، "مثلما فعلت الجارة تونس"، علماً أن الجريدة المذكورة معروفة بقربها من الاستخبارات الجزائرية.

وكانت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، قد كشفت، في عددها الصادر مطلع شهر فبراير/شباط الجاري، أنّ قوات أميركية تنتمي إلى مجموعة "دلتا فورس"، اتخذت من إحدى الثكن العسكرية التونسية المهملة في الجنوب التونسي، قاعدة انطلاق لها نحو ليبيا، "لمطاردة العناصر الإرهابية هناك". تسريب دفع الناطق باسم وزارة الدفاع، توفيق الرحموني، إلى نفي الخبر بعد يومين من نشره، أي في 3 فبراير/شباط.

وأكد الرحموني أن هذه الأنباء "مجرد شائعات كاذبة لا أساس لها من الصحة"، مشيراً إلى أن الدولة التونسية "ترفض أي تواجد عسكري لقوات أجنبية على أراضيها لما له من مس بسيادة الدولة".

وأضاف أن أي اتفاقيات بهذا الشأن "لا تتخذها وزارة الدفاع أو الحكومة بمفردها، وإنما تُعرض على نواب الشعب في المجلس الوطني التأسيسي، وعلى الشعب أيضاً"، على حد تعبيره.

كما سبقت صحيفة "الشروق" الجزائرية، نظيرتها الفرنسية، عندما نشرت في 30 ديسمبر/كانون الأول 2013، مقالاً تحدثت فيه عن كشفها للعديد المعطيات التي تؤكد تواجد قاعدة عسكرية أميركية على الحدود التونسية ــ الجزائرية. وأوردت "الشروق" في حينها أنها تكشف عن معلومات ومعطيات "مسربة حصرية حصلت عليها من الميدان عن تواجد مكثف لضباط وكالة الاستخبارات الأميركية، وجنود الافريكوم على الأراضي التونسية". ونشرت "الشروق" صوراً قالت إنها مسربة من القاعدة العسكرية المكتشفة، تُظهر "تواجد اطارات وضباط من مركز عمليات الشمال التونسي، أشرف عليهم خبراء من وكالة الاستخبارات الاميركية، فضلاً عن عتاد وأجهزة متطورة هي عبارة عن طائرات من دون طيار، يجري التحكم فيها عن بُعد لرصد حركات الجماعات الجهادية، وكذلك مراقبة المدن التونسية التي يحتمل أن تنشب فيها حركات احتجاجية"، حسب "الشروق" الجزائرية دائماً. أيضاً سارعت وزارة الخارجية التونسية إلى نفي تلك "المعلومات". أما السفير الاميركي لدى تونس، جاكوب والس، فقد أعلن بدوره، في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن "لا نية للولايات المتحدة الآن أو في المستقبل لإقامة قاعدة عسكرية في تونس".

بين نفي الطرفين التونسي والأميركي من جهة، والمؤشرات الصحافية والأمنية في المنطقة، تبقى حقيقة الموضوع شديدة الغموض، وخصوصاً أنّ المنطقة المشار اليها استُخدمت في السابق قاعدةَ إسناد ودعم للثوار الليبيين ضد نظام معمر القذافي، بحسب تقرير بعثة خبراء الأمم المتحدة لمراقبة قرار حظر الاسلحة في ليبيا، الصادر في مارس/آذار 2012.

وإن كان مستبعداً، وفق تحليل البعض، أن تحتضن المنطقة قاعدة عسكرية على الطريقة الحاصلة في قطر أو السعودية أو الكويت، فإنّ البعض يرجّح أن تكون القاعدة ذات طبيعة أمنية استخبارية لرصد ومراقبة تحركات الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الصحراء الكبرى، الذي تتخذ منها هذه الجماعات فضاء واسعاً لتهريب الأسلحة والمقاتلين.

دلالات