تونس تنفي بحث نشر قوات أميركية... و"أفريكوم" توضح

تونس تنفي بحث نشر قوات أميركية في البلاد... و"أفريكوم" توضح

30 مايو 2020
تعيش تونس تهديدات بسبب تأجّج الصراع الليبي(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
أثار اقتراح الجيش الأميركي على تونس "نشر قوات له فيها بسبب تطورات الأزمة الليبية"، جدلاً واسعاً، في انتظار صدور موقف رسمي من الرئاسة التونسية أو وزارة الدفاع، المخول لهما دستورياً إصدار مواقف وقرارات في ما يتعلق بقضايا الأمن والدفاع.

ونفى مصدر تونسي مطلع لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أن يكون موضوع نشر قوة أميركية في تونس قد طُرح أصلاً في المكالمة التي جمعت قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، الجنرال ستيفن تاونسند، بوزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، مؤكداً أن الحديث تناول فقط التعاون التقليدي بين البلدين الذي يشمل التدريب.
وأوضح المصدر أن تونس لا تقبل مطلقاً أن تكون أراضيها منطلقاً لأية عمليات عسكرية تجاه ليبيا أو غيرها، مرجحاً أن تكون ترجمة بيان "أفريكوم" محرّفة في هذا الاتجاه، وهي لم تتحدث مطلقاً عن انتشار لقوات تابعة لها في تونس. وشدد على أن تونس سترفض ذلك، حتى وإن اقتُرح عليها، وهو موقفها الثابت منذ الاستقلال، مؤكداً أن قرارات من هذا النوع سيادية، وتبحثها المؤسسات الدستورية التونسية، وموقفها معروف بهذا الخصوص وواضح، ولم يتغيّر.

وكان الجيش الأميركي قد أعلن أمس الجمعة، أن الولايات المتحدة تبحث استخدام أحد ألويتها للمساعدة الأمنية في تونس بسبب قلق متزايد من النشاط الروسي في ليبيا، بحسب بيان نشرته "أفريكوم" على موقعها.
وذكرت قيادة الجيش الأميركي في أفريقيا أن قائدها قال إن "روسيا تواصل تأجيج لهيب الصراع الليبي، والقلق يزداد بشأن الأمن الإقليمي في شمال أفريقيا". وأضاف، في مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي: "نحن ندرس مع تونس طرقاً جديدة لمواجهة القلق الأمني المشترك بما فيها استخدام لوائنا للمساعدة الأمنية".
وفي بيان لاحق، قالت قيادة الجيش الأميركي في أفريقيا "إن لواء مساعدة قوات الأمن يشير إلى وحدة تدريب صغيرة كجزء من برنامج المساعدة العسكرية، ولا يتعلق بأي حال من الأحوال بقوات قتال عسكرية".

ولا يُعتبر هذا الجدل جديداً في تونس، فقد أُثير في مناسبات كثيرة سابقة، خصوصاً بعد توقيع مذكرة التفاهم الأميركية التونسية في 2015، وكان الموقف الرسمي التونسي ثابتاً بهذا الخصوص، حيث أكد دائماً رفض البلاد استخدام أراضيها من طرف قوات أجنبية.
وكان آخر هذه المواقف ما أعلنه الرئيس التونسي قيس سعيد، في كلمة ألقاها إلى التونسيين بمناسبة العام الجديد، أكد فيها "سيادة الأراضي والأجواء والبحار التونسية، بما لا يدع مجالاً لاستعمالها او استغلالها من أي قوة أخرى، بما يحفظ كرامة الشعب وسيادة الدولة، خصوصاً في ظل ما نعيشه من تقلبات إقليمية ودولية تتغير كل يوم بل كل ساعة… وأن تونس ستبقى ثابتة رغم كل العواصف".


ويطرح موضوع التعاون العسكري التونسي الأميركي أسئلة كثيرة منذ توقيع "مذكرة التفاهم" بين البلدين خلال زيارة الرئيس الباجي قائد السبسي للولايات المتحدة بداية مايو/ أيار 2015، وهي مذكرة أثارت قلقاً جزائرياً أيضاً، لأنها رأت فيها مؤشراً على نية واشنطن بناء قاعدة عسكرية في الجنوب التونسي المحاذي لحدودها، وتهديداً لأمنها القومي وسيادة دولتها.

وطمأنت تونس، الجزائر رسمياً، ونفت أي نية لها في إرساء قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها، مشددة على أن مذكرة التفاهم لا تحتوي على أية بنود ملزمة للدولة التونسية.
وقال وزير الدفاع التونسي وقتها، فرحات الحرشاني، إن مذكرة التفاهم هي اتفاقية تعاون لا تحتوي على أية بنود ملزمة للدولة التونسية، وهي بمثابة الإطار العام الذي يمكّن الدولة التونسية من إبرام اتفاقيات في المستقبل. وشدد على أن "قرار الولايات المتحدة إعطاء تونس صفة الحليف غير العضو في الحلف الأطلسي، قامت به مع دول عدة أخرى، وهو امتياز له علاقة بمجال التسليح والتدريب، وليس له أية علاقة بالحلف الأطلسي".
ونفى الحرشاني أن يكون الهدف من هذه الصفة في الحلف الأطلسي تنصيب قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها، مشيراً إلى أن سيادة تونس فوق الجميع وفوق كل المصالح.
وتنص وثيقة التفاهم التونسية الأميركية على بنود عدة، من بينها محاربة الإرهاب، ومراقبة الحدود، والتنسيق الأمني المشترك، وتسهيلات الدخول لبرنامج المبيعات العسكريّة الخارجيّة.
وكان وزير الخارجية الأميركي وقتها، جون كيري، قد قال خلال زيارة لتونس بعد نحو شهر من توقيع المذكرة، إن عدداً من الخبراء العسكريين الأميركيين سيحلون بتونس للنقاش والتعاون على مستوى استخباراتي، بخصوص كيفية تبادل المعلومات الاستخباراتية بواسطة طائرات جوية استخباراتية مع احترام سيادة تونس. وأوضح أن الولايات المتحدة لن تطلب من الحكومة التونسية القيام بما لا تريد، بل ستسمع الإدارة الأميركية لنظيرتها التونسية لتوفر لها ما تحتاجه، وهو ما يؤشر على رفض تونسي لمقترحات أميركية غير مدرجة في بنود المذكرة.
وأكد قائد "أفريكوم" في تلك الفترة ديفيد رودريغيز، بدوره، أن تعامل هذه القوات مع الجيش التونسي يشمل برامج التكوين والتدريب، وتزويده بالتجهيزات والمعدات، وتبادل المعلومات/ ومساعدته في تأمين حماية حدود البلاد.


وأوضح العميد المتقاعد من الجيش التونسي (رئيس لجنة مكافحة الإرهاب والمتحدث السابق باسم وزارة الدفاع) مختار بن نصر، لـ"العربي الجديد" أن هناك متغيرات كبرى تجري في الصراع الليبي، ولها تأثير مباشر في الأمن القومي لتونس، وعلى السلطات التونسية أن تبحثها بدقة في مجلس الأمن القومي (يشمل رئيس البلاد، ورئيس الحكومة، ورئيس البرلمان، ووزراء الدفاع، والخارجية، والداخلية، والمسؤولين العسكريين والأمنيين).

ورجح بن نصر أن يلتئم هذا المجلس قريباً لدراسة هذه الأوضاع دراسة متأنية، ولبحث كيفية هذا التعاون مع الجانب الأميركي، لأن هناك تهديدات حقيقية لتونس بسبب تأجج الصراع في ليبيا، وإمكانية اشتعاله في أي وقت، لافتاً إلى أن هناك عناصر متشددة تونسية تقف في هذا الطرف من النزاع أو ذاك، ومع تزايد الحضور الروسي العسكري في ليبيا من ناحية، والتركي من ناحية أخرى، والخطر على الجناح الغربي للحلف الأطلسي، يمكن أن تتأزم الأوضاع وتؤثر بتونس والجزائر أيضاً. ورأى أن هذا الأمر يستوجب من تونس بحث كل الإمكانيات لحماية نفسها، بحسب قوله، موضحاً أن الاقتراح الأميركي يتعلق بـ"قوة أمنية مساعدة" وليس بشيء آخر.