مع اقتراب الانتخابات التونسية، البرلمانية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول والرئاسية في 10 و24 نوفمبر/تشرين الثاني المقبلين، بدأت أحزاب تونسية انتقاداتها للمؤسسات المختصة باستطلاع الآراء، متهمة بعضها بالسعي لتوجيه الرأي العام عبر نتائج معلّبة، ما أدى إلى ارتفاع الدعوات لإقرار قانون لتنظيم عمل هذه المؤسسات، خصوصاً أنها اتُهمت بأنها "غير بعيدة عن التأثيرات الخارجية". وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قد تحدث في كلمة له قبل أيام عن حمى الانتخابات التي انطلقت قبل أوانها، محذراً من مؤسسات استطلاع الآراء ونتائجها في ترتيب المرشحين. ودعا إلى عدم أخذ نتائجها على مأخذ الجد، ملاحظاً أن المسجلين الجدد في الانتخابات المقبلة (حوالي 700 ألف) من شأنهم أن يغيروا كافة المعطيات والموازين. كما دعا كافة المعنيين بالمحطات الانتخابية المقبلة إلى الاستعداد الجيد لها والعمل بإخلاص من أجل تونس.
من جهتها، اتهمت حركة "النهضة"، مؤسسة "سيغما كونساي" لاستطلاع الآراء بالتلاعب بالمعطيات والأرقام في إطار توجيه الرأي العام، معبّرة في بيان لها عن استغرابها من نتائج سبر الآراء الأخيرة التي خفّضت حظوظ الحركة في الانتخابات التشريعية المقبلة "بطريقة لا يمكن تفسيرها أو تبريرها". وقال المتحدث الرسمي باسم حركة "النهضة"، عماد الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مؤسسات سبر الآراء موجودة في أغلب البلدان وهي تؤدي دوراً كبيراً في تحديد توجهات الرأي العام، سواء في العلاقة بالسياسة أو بالاقتصاد أو بالمسائل الاجتماعية، لكن أعمال المراكز أو المؤسسات مؤطرة بقوانين تنظّم عملها، ويجب أن تكون بعيدة عن الصراعات السياسية وغير متدخلة في التجاذبات".
ولفت إلى أن "تجربة مؤسسات استطلاع الآراء في تونس تُعتبر حديثة، إذ إنها انطلقت تقريباً بعد ثورة 2011 وهي غير منظّمة بقانون على الرغم من وجود مشروع قانون لذلك، غير أنه لم تتم مناقشته أو المصادقة عليه حتى الآن"، مشيراً إلى أن "النهضة عبّرت في البيان الصادر عنها عن موقفها، كما طالبت بالتزام هذه المراكز بالحيادية والنزاهة وعدم التدخل في الصراعات السياسية والقيام بأدوارها العلمية".
ونوّه الخميري إلى أن "أحد المراكز قدّم في الأشهر الأخيرة أرقاماً تضمّنت إما صعوداً أو تراجعاً مدوياً لبعض الشخصيات والأحزاب بطريقة غير مبررة"، لافتاً إلى أن "حصول النهضة مثلاً في الانتخابات التشريعية المقبلة على 33 في المائة من الأصوات وفق استطلاع في شهر فبراير/شباط الماضي ثم نزولها إلى 18 في المائة في نهاية شهر إبريل/نيسان الماضي، أمر غير منطقي، في مقابل تسجيل صعود صاروخي لبعض الأطراف السياسية الأخرى. بالتالي لم تقدّم المؤسسة ما يفيد علمياً مبررات التراجع أو التقدّم، لذلك عليها أن تلتزم بالموضوعية والحيادية للمساهمة في ترسيخ الديمقراطية بما يمنح للمنافسين الحظوظ نفسها من دون تأثير من مؤسسات سبر الآراء".
من جهته، رأى النائب عن "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، أن "مؤسسات استطلاع الآراء لم تكن تعمل قبل الثورة على الشأن السياسي كما أنها لم تكن تنجز ما يعرف بالبارومتر السياسي، ولكن في ظل الفراغ التشريعي وغياب قانون ينظم عملها فإن الملاحظ أنها تعمل بطريقة عشوائية"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "التيار الديمقراطي قدّم مشروعاً منذ عام 2016 لتنظيم شركات سبر الآراء، لأنها تعمل في مجال سياسي حساس لا يخلو من توجيه للرأي العام وبالتالي لا بد من قانون ينظّم هذا العمل".
ولفت الشواشي إلى أن "التونسيين يصدّقون ويتأثرون بنتائج استطلاعات الآراء، وبالتالي لا يمكن إصدار نتائج غير موضوعية أو لا تحترم المعايير الدولية"، مضيفاً أن "بعض الأحزاب الكبرى اكتشفت أن هناك شبهات تلاعب بالنتائج ويجب أن تخضع لمراقبة مؤسسات الدولة. كما أن هناك شكوكاً في تدخّل بعض اللوبيات في عمليات سبر الآراء، مما قد يكون له تأثير مباشر على الانتخابات المقبلة".
ورأى أنه "لا بد من إيقاف عمليات سبر الآراء إلى حين صدور قانون ينظّم عملها"، معتبراً أنه "لا بد من الخروج إلى العمل المنظّم الذي لا تكون نتائجه وراء صناعة الرأي العام أو توجيهه، إذ إن هناك صعوداً أو تراجعاً لأسماء غير معروفة ولأسباب مجهولة. وعلى الرغم من أن تكاليف سبر الآراء مرتفعة جداً غير أن مصادر التمويل مجهولة، بالتالي إن هناك لوبيات تحاول صناعة المشهد السياسي من خلال شبهات بتمويلها مؤسسات استطلاع الرأي".
في السياق نفسه، لفت الأمين العام لحركة "الشعب"، زهير المغزاوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنّهم "سعداء بموقف بعض الأحزاب والشخصيات التونسية تجاه النتائج الصادرة والمشكوك فيها من مؤسسات استطلاع الآراء والتي لا تعكس في الحقيقة توجهات الرأي العام بقدر ما تحاول أن تخلق رأياً عاماً"، مشيراً إلى أنهم "تقدّموا ككتلة ديمقراطية ومنذ سنوات بمبادرة تشريعية في مجلس النواب من أجل تنظيم عمل هذه المؤسسات، ولكنها ظلت على الرفوف".
وأعرب المغزاوي عن الاستياء الكبير من بعض المؤسسات التي تعمل على رفع نسب حزب مقابل آخر، "إلى أن وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها الجميع واعياً لافتقار بعض هذه المؤسسات إلى الأسس العلمية في عملها"، مع تأكيده أن "مؤسسات استطلاعات الآراء تبقى إحدى ركائز الديمقراطية ولكن لا بد من تنظيم عملها بقانون".
وأكد أنه "ينبغي على الأحزاب والأطراف التي هي فعلاً مستاءة اليوم من هذه المؤسسات أن تضغط في اتجاه مناقشة مشروع القانون والتصويت عليه كي لا تبقى الحياة السياسية تحت رحمة البعض"، مضيفاً "بما أنه ما من شك بأن بعض المؤسسات مدفوعة الأجر وتعمل على تصعيد البعض أو تقليل نسبه، وطالما أن العملية تحوم حولها شبهات، فلا بد من أن يرى مشروع القانون النور في أقرب وقت".
في المقابل، أكد مدير مؤسسة "أمرود كونسلتينغ" لاستطلاعات الرأي، نبيل بالعم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنهم "ليسوا ضد صدور قانون ينظّم ويقونن عمل مؤسسات سبر الآراء، إذ لا بد من مبادرة تشريعية، وسبق أن تقدمنا بمبادرة في هذا السياق، تقوم على عدة جوانب وتتلاءم مع المشهد السياسي في تونس وتتضمّن اقتراح قانون وميثاق عمل". وأضاف أنهم "تقدّموا بطلب للقاء رئيس الجمهورية لتقديم هذا المشروع المهم".
ولفت بالعم إلى أن "الانتقادات مفهومة وهي تتواتر كلما نقترب من الانتخابات"، مضيفاً "النقد مقبول ولكن ردود الفعل في الفترة الأخيرة غير مقبولة وتتضمن التشويه والاتهامات غير المبررة، ولا بد من دعوة الأحزاب لقراءة النتائج الصادرة ومحاولة فهم الواقع". ولفت إلى أن "ما نستغربه أنه بعد مضي 8 أعوام على الثورة وحرية التعبير، فإن البعض لا يزال لا يفهم دور مؤسسات سبر الآراء".
وأوضح أن "دور هذه المؤسسات هو تقديم المعلومة وفق معايير علمية وعينات دقيقة تكون وفق آليات منهجية، ويقدّمها مختصون في الإحصاء لإعطاء صورة عن مشهد سياسي، وقد تحدث فوارق بين مؤسسة وأخرى"، مشدداً على أن "الحديث عن توجيه للرأي العام لا أساس له من الصحة، والمعلومات المقدمة تعكس واقعاً، وحتى إن حصل توجيه فهو توجيه ضئيل جداً وغير مؤثر". ورأى أن "الديمقراطية تقتضي قبول النتائج والاستفسار عن بعضها والتفاعل إيجابياً مع مؤسسات استطلاع الآراء، فمن غير المقبول أن يصرح رئيس الجمهورية بعدم الأخذ بجدية عمل هذه المؤسسات، ما يؤثر على المواطن الذي لن يتعامل مستقبلاً بجدية مع هذه المؤسسات وبالتالي لن تُقدّم معطيات دقيقة تعكس الواقع السياسي".