تونس: تداخل الانتخابات يربك الأحزاب

تونس: تداخل الانتخابات يربك الأحزاب

31 يوليو 2019
قدّم الغنوشي ترشيحه للتشريعية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
أُغلق باب الترشح للانتخابات التشريعية في تونس، أول من أمس الإثنين، على تقديم 1592 قائمة مرشحة، من بينها 695 قائمة حزبية و190 ائتلافية و643 مستقلة، أما الدوائر بالخارج فقد بلغ عددها 187. وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، نبيل بفون، أن هناك ارتفاعاً في عدد القائمات المستقلة مقارنة بانتخابات 2014، إذ كانت 414 وكانت 167 بالنسبة للائتلافية، أما الحزبية فتراجعت (كانت 812)، مؤكداً أن هناك ارتفاعاً في القائمات المرشحة في الخارج، إذ كانت القائمات المستقلة 13 وأصبحت 64، أما الائتلافية فقد كانت ستاً وأصبحت 33 والحزبية كانت 82 وأصبحت 90.

ولكن المشكلة المطروحة بالنسبة للأحزاب والقائمات الائتلافية بالذات هي برمجة الانتخابات التشريعية بين دورتين للرئاسية، إذ تُجرى الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، والتشريعية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، بينما تتم الدورة الثانية للرئاسية بعد ذلك، بحسب ما ستحدده الاتفاقات حول تقليص الآجال لعدم تجاوز الآجال الدستورية المحددة بـ90 يوماً، وما قد يقتضيه ذلك من تعديل لفصول دستورية وهي فرضية طرحتها الهيئة في اجتماعها مع الأحزاب أمس الثلاثاء.

ولفت المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشعبية" حمة الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك تحديات عديدة على الأحزاب، فهناك أحزاب كانت تنتظر شهر سبتمبر لتقديم مرشحيها، واليوم هي مضطرة لتقديمهم بين 2 و9 أغسطس/ آب المقبل، هذا إلى جانب أنه ليس لدى كل المرشحين والمرشحات 10 نواب و40 رئيس بلدية، وهناك من كان لديه برنامج لجمع التزكيات الضرورية في آجال مفتوحة نسبياً، وسيجد نفسه مضطراً للانسحاب لأن الوقت لن يكفيه لذلك، وبالتالي سيؤثر ذلك على حظوظ البعض. واعتبر الهمامي أنه لا بد من إيجاد التوازن بين احترام القانون والمضامين الدستورية، وهذا الإرباك قد يستفيد منه من لديه المال ومن يريد العمل في الظلام، مشيراً إلى أن تاريخ 15 سبتمبر/ أيلول للانتخابات الرئاسية يتزامن مع العودة المدرسية، ما قد يؤدي إلى العزوف ويؤثر على الإقبال.

من جهته، أكد النائب عن "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، أن التونسيين كانوا ينتظرون انتخابات تشريعية ورئاسية في 2019، وتم الانتهاء من تقديم الترشحات للتشريعية، أما الإشكال فيكمن في تقديم موعد الرئاسية بشهر، إذ إنه سيربك الأحزاب غير الجاهزة، ولكن الأحزاب المنظّمة والجاهزة والتي حددت برامجها مسبقاً لن تواجه أي إشكال. وأضاف الشواشي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن بعض الأحزاب لن تجد الوقت للتوافق حول شخصية توافقية، وبالتالي فإما أن تختار مرشحاً أو تعدل عن تقديم مرشح، وهناك تغييرات في بعض تكتيكات الأحزاب، خصوصاً في ما يتعلق بجمع التزكيات، لا سيما أن الوقت ضيق. في المقابل، رأى الأمين العام لحركة "مشروع تونس"، محسن مرزوق، أن من جهّز نفسه للانتخابات الرئاسية جيداً لن يواجه أي إشكالات، ومن سيدخل الانتخابات صدفة فطبيعي ألا يكون جاهزاً، مشدداً على ضرورة احترام الآجال الدستورية في الرئاسية، خصوصاً أن فرضية تجاوز المدة المحددة قانوناً واردة جداً نظراً للإشكالات المطروحة. ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه لا يجب الدفع نحو تداخل المواعيد بل تنظيم انتخابات بروية.


هذا التعديل الزمني الذي فرضته الأحداث دفع الجميع إلى تسريع وتيرة استعداداته، إذ أكد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، أنه لم يبقَ هناك وقت لأخذ القرار في ما يتعلق بروزنامة الانتخابات الرئاسية، مؤكداً في تصريح صحافي أن الحركة ستعلن عن موقفها من هذه المسألة خلال يومين أو ثلاثة. وأودع الغنوشي ملف ترشحه للانتخابات التشريعية المقبلة، على رأس قائمة الحركة في دائرة تونس 1، مؤكداً أنه "من الواضح وجود تداخل في المواعيد الانتخابية، والحركة لم تحدد بعد موقفها النهائي من هذا الأمر". وأعلن الغنوشي أن مشاركته في الانتخابات التشريعية على رأس قائمة تونس 1، تبرهن على إيمانه بأهمية الدور الموكل للبرلمان، باعتبار أن نظام تونس برلماني، قائلاً "من المهم جداً مشاركة قادة الأحزاب بأنفسهم في الاستحقاق التشريعي، وقيادة التنافس الانتخابي والمعركة الديمقراطية السلمية بأنفسهم، في ظل تواصل السعي إلى تكريس العقلية الرئاسوية، التي تركز على السلطات الممنوحة للرئيس وتريد إعادة دستور 1959". وأبرز في هذا السياق، ضرورة إعادة الاعتبار للأحزاب وللعمل السياسي وكذلك للبرلمان "الذي أغرق في الترذيل"، على حد قوله، داعياً رؤساء الأحزاب إلى قيادة العمل السياسي بأنفسهم وليس بممثليهم فقط، من أجل إعادة الاعتبار لأطراف العملية السياسية من أحزاب وبرلمان.

من جهته، قال القيادي في "نداء تونس"، منجي الحرباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المعطيات الجديدة في تونس طرحت تحديات على مواعيد الانتخابات التي ستجرى في ظرف استثنائي فجائي، مشيراً إلى أن "الوضع الحالي وتقديم المواعيد أربك كل الأحزاب، ولكن لا بد من التعاون وتضافر الجهود لتجاوز العقبات". غير أن ما لا تعلنه الأحزاب هو خشيتها من تأثير الدور الأول للانتخابات الرئاسية على نتائجها في التشريعية، إذ إن المرشحين للرئاسية عن قائمات حزبية أو ائتلافية والذين قد لا يحققون نتائج كبيرة في الدور الأول يخشون من نفور الناخبين الباحثين عن منح أغلبية رئاسية وتشريعية للون الحزبي نفسه، حرصاً على التجانس وسعياً لعدم وجود تضارب قد يعيد الصراع نفسه الذي عاشته تونس في الدورة البرلمانية والرئاسية المنتهية، أو قد يفرض من جديد تعايشاً اضطرارياً مثلما حصل بين "نداء تونس" و"النهضة"، وانتهى إلى صراع جلي على الرغم مما حققه في السنوات الأولى من استقرار.

ولكن هذا التجانس يبقى بحكم التجربة نظرياً ولا يؤدي بالضرورة إلى استقرار، فقد ضرب الخلاف بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، ومن قبله الحبيب الصيد أيضاً، نشاط الدولة في العمق، على الرغم من أنهم من نفس العائلة السياسية، وقاد ذلك إلى تغيير في ميزان القوى ونشوب خلافات حادة عرقلت سير العمل الحكومي ونجاعته. ولكن هذا التداخل في المواعيد ستكون له أيضاً تأثيرات مهمة على الاستراتيجية الانتخابية، ونوعية الخطاب السياسي للأحزاب المرشحة للتشريعية والرئاسية، وسيكون عليها البحث عن صيغ بإمكانها إقناع الناخب بسرعة ونجاعة، وهي مهمة ليست باليسيرة، خصوصاً بالنظر إلى ما حصل إلى حد الآن من نتائج على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. في المقابل، ستكون الأحزاب التي لن تترشح للرئاسية في موقع المتحكم بمصير الرئاسية وستشكل قبلة الجميع خصوصاً إذا كان لديها رصيد انتخابي مهم.

المساهمون