تونس: المشيشي يطلق مشاورات تشكيل الحكومة

المشيشي يطلق مشاورات تشكيل الحكومة: سباق ضد الساعة والخلافات

03 اغسطس 2020
مشاكل المشيشي ليست سياسية فقط (أنيس ميلي/فرانس برس)
+ الخط -

أعلن رئيس الحكومة التونسية المكلف هشام المشيشي، الأحد، على هامش الزيارة التي أداها مع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى ولاية صفاقس، أنه سيتم الشروع بداية من اليوم الإثنين وطيلة الأسبوع في عقد سلسلة مشاورات مع الكتل البرلمانية والقوى السياسية، بعدما قضى الأسبوع الأول من تكليفه المحدود بشهر واحد في الالتقاء بممثلي المنظمات الوطنية والشخصيات الاقتصادية والمالية، مؤكداً أن الحكومة القادمة ستكون حكومة كل التونسيين، بحسب توصيفه.

وكان المشيشي أكد منذ أيام انفتاحه على كل المقترحات التي من شأنها المساهمة في تسريع تشكيل الحكومة المقبلة.

إيقاع اللقاءات الأولى لرئيس الحكومة المكلف كان بطيئا جدا، خصوصا أنه يسارع الوقت لتشكيل حكومة وعرضها على مصادقة البرلمان في حدود شهر واحد، ولكنه كان مضطرا لذلك إذ بقي يترقب مآلات لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي وما سيترتب عليه من نتائج وانعكاسات على التوازنات السياسية في البلاد.

ولم يكن المشيشي مخطئا في انتظاره وإنفاق أسبوع من أربعة في حصيلته، لأن سقوط اللائحة أفرز جبهة برلمانية جديدة تتكون من أحزاب "النهضة" و"قلب تونس" و"المستقبل" ومستقلين وتتكون مبدئيا من 120 نائبا يمكن أن تضاف إليهم أصوات أخرى، مع التذكير بأن عدد الذين صوتوا لحكومة إلياس الفخفاخ كان 129 فقط، وتمكنت رغم ذلك من النجاح نسبيا في بعض الملفات، أبرزها أزمة كورونا التي كانت امتحانا صعبا لكل الحكومات في العالم، ولولا تعرضها لحادث طريق (شبهة تضارب مصالح الفخفاخ) لاستمرت في عملها رغم هشاشة ائتلافها.

لم يكن المشيشي مخطئاً في انتظاره وإنفاق أسبوع من أربعة في حصيلته

ولكن المشيشي يتحدث عن حكومة لكل التونسيين، وهو ما يعني أنه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما حكومة كفاءات مستقلة وغير متحزبة تدعمها الأحزاب، وإما حكومة ائتلاف واسع، يصعب تجميعها بحكم التنافر الحالي، ولكن هناك من يعتقد أنها لا تزال ممكنة وأن الجبهة الأغلبية الجديدة ستيسّر على المشيشي مهمته بالانفتاح على كل الكتل الأخرى، إلا من أقصى نفسه.

وكان الغنوشي أكد بعد سقوط لائحة سحب الثقة أن المشيشي لن يجد من البرلمان سوى الدعم والتأييد، وصرح: "نريده أن ينجح كما نريد لرئيس الدولة أن ينجح".

وأضاف الغنوشي أن تونس "دولة واحدة وينبغي أن تكون لها سياسة واحدة وخطة واحدة، والبرلمان على استعداد كامل للتعاون مع رئاسة الجمهورية رمز السيادة".

ويحمل هذا التصريح تغييرا واضحا في خطاب الغنوشي و"النهضة"، ورسالة واضحة للحد من الخلافات بين الرئاسات الثلاث وبداية صفحة جديدة في العلاقات التي ظلت متوترة على مدى أشهر.

لكن مشاكل المشيشي ليست سياسية فقط، وربما يكون هذا الأمر ثانويا أمام التوترات الاجتماعية الكبيرة التي تشهدها البلاد، والتحديات الاقتصادية الصعبة.

ومنذ أيام، دقت وزارة الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي، ناقوس الخطر، داعية إلى وقف الاحتجاجات والاعتصامات في أقرب وقت ممكن واستعادة نسق إنتاج بمستويات معقولة نظرا للوضع الدقيق والصعب الذي باتت تعيشه البلاد اقتصاديا في الداخل والخارج ولتمكين الحكومة المقبلة من النظر في مختلف الملفات في ظروف معقولة.

وأصدرت الوزارة لأول مرة بيانا من هذا النوع وصفته "بالهام جدا"، "أهابت فيه، بالحسّ الوطني لدى الأهالي في مختلف الجهات، لتعليق الاحتجاجات الحاليّة في أقرب وقت ممكن".

وأكد البيان أن تونس "تعاني من أزمة اقتصادية خانقة ضاعفت من حدّتها الأزمة العالميّة المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد، من جهة، وتصاعد نسق الإضرابات والاعتصامات التي ضربت مرافق حيويّة للدّولة وعطّلت إنتاج قطاعات أكثر من حسّاسة، من جهة أخرى".

وبيّنت الوزارة أن موارد الدّولة من العملة الصّعبة "تبقى للأسف شحيحة، وبتعطّل السّياحة، وتوقّف آلة الإنتاج في الفسفاط والمجمع الكيميائي، جاء إيقاف الإنتاج من النفط والغاز ليضع عبئاً إضافيّاً على موازين الدّولة، والتي دخلت مرحلة على غاية من الحساسيّة".

وأمس الأحد، ذكر وزير الصحة السابق، عبد اللطيف المكي، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على فيسبوك، أن الوضع في تونس "صعب جدا جدا وأن بين الدولة التونسية والإفلاس مسافة قليلة"، حسب قوله.

وقال المكي: "نحن في وضع مهددون باضطراب الخدمات العادية وتعطل قدرة الدولة على الدفع والإيفاء بالتزاماتها".

وتابع: "لا نستطيع التوجه إلى التداين الخارجي فليس هناك من يقرضنا إلا بشروط تمس من السيادة وتتسبب في اضطرابات اجتماعية أو إقراض بنسب عالية تزيد في أزمتنا أزمة، هذا إن وجدنا من يقرضنا..لا نستطيع أن نقترض من الداخل فالسوق قد شح و إن تم فلا يمثل حلا لمشكلتنا من العملة الصعبة لتغطية الاستيراد الضروري…كذلك لا نستطيع الاستفادة من ثرواتنا، فهذان الفسفاط و البترول معطلان والجميع لا يبالي وأصبح إيقاف الإنتاج في القطاعات الاستراتيجية مسألة عادية".

وختم المكي بالإشارة إلى أن "المنقذ الوحيد من هذا المصير هو وحدة سياسية وطنية بين المكونات السياسية والاجتماعية وبين مؤسسات الدولة، تستند إليها حكومة سياسية لا تقصي إلا من أقصى نفسه وتجمع الكلمة وتفرض الالتزام على الجميع لتكون الرافعة من هذا الواقع الصعب الذي لن يفلح أي أحد لوحده في معالجته".