تونس: الإعلام في قلب معركة الانتخابات

تونس: الإعلام في قلب معركة الانتخابات

26 أكتوبر 2014
انقسام الإعلام انعكاس لانقسام الشارع (الأناضول)
+ الخط -
كيف واكب الإعلام التونسي الحملة الانتخابية التي عاشتها تونس استعداداً للانتخابات التشريعية؟ هل تعامل بإنصاف وحيادية مع كل الأطراف السياسية أم أنه دخل لعبة المغانم الانتخابية؟ هل ستكون لتغطية الحملة الانتخابية تبعات على مستقبل الإعلام التونسي؟ 
أسئلة كثيرة تدور في ذهن كل متابع للمشهد الإعلامي التونسي قبيل الانتخابات، فهذا الإعلام تحوّل في أحيان كثيرة إلى مدار جدل السياسيين، متناسين اللحظة التاريخية التي تعيشها تونس، مكتفين بالتلميح حيناً وبالتصريح أحياناً إلى الأدوار التي يلعبها الإعلام التونسي انتصاراً لهذا الطرف وتقزيماً للطرف الآخر. ربّما شكّلت الصحافة المكتوبة الاستثناء، لكن تأثيرها ليس بمستوى تأثير المواقع الإلكترونية والصفحات الاجتماعية والقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية.

حرب التلفزيونات والإذاعات
"الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" أصدرت، بمعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، قراراً مشتركاً يضبط القواعد الخاصة للحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء في الإعلام السمعي والبصري، وإجراءاتها منذ شهر يوليو/تموز الماضي أي أشهر قبل بدء الحملة الانتخابية. وقد حددت فيه ضوابط ومعايير التغطية الإعلامية للانتخابات معتمدة في ذلك مقاييس دقيقة. إلا أن التغطية التلفزيونية والإذاعية، وإن تميزت في الإعلام الرسمي بالالتزام النسبي بهذه المعايير، فإن بقية الإذاعات والتلفزيونات الخاصة عرفت تجاوزات عدة، لعل أشهرها الصراع المفتوح الدائر بين قناتي "الحوار التونسي" و"نسمة".
هذا الصراع أرجعه بعض المتابعين للشأنين السياسي والإعلامي في تونس إلى صراع خفي بين حزب "نداء تونس"، الذي يلقى دعماً من قناة "نسمة"، وبين "حزب الاتحاد الوطني الحرّ"، الذي تروّج بعض المصادر أن رئيسه هو المالك الفعلي لقناة "الحوار التونسي". كما قامت بعض القنوات التلفزيونية مثل قناة "المتوسط" و"الزيتونة" وتلفزيون "شبكة تونس الإخبارية" بالاصطفاف خلف "حركة النهضة" وحلفائها. وهو أمر اعتبره بعض المحللين طبيعياً على اعتبار أن هذه القنوات ملتزمة بتوجهاتها، منذ أن بدأت البث، وهي قناة يعتقد هؤلاء بأنها تعبّر عن خطّ سياسي إسلامي.
أما المحطات الإذاعية الخاصة فقد شهدت خلافاً حاداً بين "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" وإذاعة "موزاييك إف إم"، حيث اعتبر "حزب المؤتمر" أن بعض إعلاميي هذه المحطة يستهدفونه؛ ولذلك قام بتقديم شكوى للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري ثمّ قام بعد ذلك بسحبها. حالة عدم الرضا عن التغطية الإذاعية شملت إذاعات أخرى رأت بعض الأحزاب أنها أساءت إليها فى هذه الحملة الانتخابية.
هذه الإخلالات، التي ذكرت تعدّ غيضاً من فيض من ضمن قائمة تجاوزات كثيرة، جعلت يوسف الوسلاتي، عضو مكتب نقابة الصحافيين التونسيين، إلى وصف حالة الإعلام المرئي والمسموع في فترة الحملة الانتخابية بالمنفلت. واعتبر، في لقاء مع "العربي الجديد"، هذا الانفلات ممنهجاً من طرف أحزاب ورؤوس أموال عملت على الزواج القصري بين الثالوث الرهيب "السياسة والإعلام ورجال الأعمال". فمن غير المفهوم، حسب رأي يوسف الوسلاتي، أن تقوم بعض المحطات التلفزيونية بنقل مباشر لاجتماعات بعض الأحزاب من دون غيرها، ما يؤشر إلى وجود إشهار سياسي غير معلن.

المواقع الإلكترونية للبيع والشراء
رغم هذه الحروب المعلنة والخفية في القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، إلا أن الشبكات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية هي التي شهدت أكبر تجاوزات في تغطية وقائع الحملة الانتخابية التونسية. فبعض المواقع الإلكترونية تخصصت في الهجوم على "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" و"حركة النهضة" مثل موقع "بزنس نيوز". ومواقع أخرى، عملت على الهجوم على ما يسمّى الأحزاب العلمانية والتقدمية، ومن أشهر هذه المواقع موقع "باب نات" وموقع "الصدى نت". هذه المواقع عملت، كل من جانبها، على التشهير بخصومه المفترضين وتصيّد أخطائهم ونشرها للجمهور وتحفيز قرائه على التصويت لأحزاب معينة بطريقة مباشرة أو عن طريق التشهير بأحزاب دون سواها.
أما الشبكات الاجتماعية، وخاصة صفحات "فيسبوك"، فقد انقسمت هي الأخرى إلى مناصر لهذا الطرف أو ذاك. فصفحة "وزير أمراض القلب والشرايين"، وصفحة "مايد إن تونسيا"، وصفحة "وراك وراك يا نهضة" عملت على دعم حزب "نداء تونس" والهجوم على خصومه، وخصوصاً "حركة النهضة". أما صفحات مثل "سيوف النهضة "، و"منظمة الدفاع عن المضطهدين من قبل الإدارة"، و"انهض"، وصفحة "قائمة العار لأعداء ثورة تونس من إعلاميين وفنانين وسياسيين" فقد اختصت بالدفاع عن "حركة النهضة" والأحزاب القريبة منها. هذه الصفحات تمّ فيها توظيف كل الوسائل الممكنة للإساءة للخصم، والحط من قيمته لتصل في بعض الأحيان إلى نوع من التحريض والشتم.
وتملك هذه الصفحات الفيسبوكية مئات الآلاف من المعجبين، لذلك تحولت في فترة الانتخابات إلى غنيمة للسياسيين. إذ قامت بعض الأحزاب باستئجار وشراء بعض الصفحات؛ بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من التونسيين واستمالتهم للتصويت لهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية .
لتحليل هذه الظاهرة الجديدة في تونس، اتصلت "العربي الجديد" بالدكتور الصادق الحمامي، أستاذ علوم الإعلام والاتصال والمختص في الميديا الجديدة، الذي أفادنا بأن هذه الإخلالات في التغطية مردها بالأساس إلى غياب إطار قانوني ينظم قطاع النشر الإلكتروني في تونس. كما أن المشرع التونسي عندما وضع المجلة الانتخابية منع الإشهار السياسي في الصحف والقنوات الأجنبية، لكنه لم ينتبه إلى أن الشبكات الاجتماعية هي ميديا جديدة وهي أيضاً ميديا أجنبية. هذا الفراغ القانوني جعل الساحة الإعلامية تعيش حالة من الفوضى غير المسبوقة.

الصحافة المكتوبة استثناء
تعتبر الصحافة المكتوبة في تونس الاستثناء في فترة الحملة الانتخابية. فرغم وجود صحف مثل صحيفة "الضمير" اليومية القريبة من حركة "النهضة" وصحيفة "المغرب" اليومية القريبة من حركة "نداء تونس" ووجود صحف حزبية، فإن بقية الصحف اليومية والأسبوعية حاولت أن تكون مستقلة ومهنية في تغطيتها، مبتعدة إلى حدّ بعيد عن الإثارة والتحريض على الخصوم. وفتحت صفحاتها لمختلف التيارات الحزبية للتعبير عن رؤيتها لتونس ومستقبلها. كما قامت صحيفة "الشروق" اليومية بتخصيص ملحق يومي لتغطية الانتخابات في المحافظات التونسية.
هذا الاستثناء في التغطية الإعلامية التي تنشد التوازن والإنصاف الذي تميزت به الصحف الورقية، أكدّه لـ"العربي الجديد" يوسف الوسلاتي، عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، الذي يرى أن الصحافة المكتوبة هي الأقل ارتكاباً للتجاوزات في وسائل الإعلام التونسية. واعتبر أن المحصلة النهائية للتغطية الإعلامية لفترة الحملة الانتخابية من قبل وسائل الإعلام التونسية تعتبر سيئة، خصوصاً أنه قد تم تطويع وسائل الإعلام لخدمة أجندات سياسية بعيداً عن كل مهنية.
----------- 
اضغط هنا للمشاركة بالتصويت في الخارطة التفاعلية للانتخابات التشريعية التونسية 

المساهمون