إلى غاية اليوم، لا يعرف التلاميذ التونسيون أعدادهم الدراسية، فقد قررت النقابة حجبها إلى أن تتم تسوية مطالبها مع الوزارة، وهذا ليس تفصيلاً أو جزئية عابرة، وإنما هي أمّ الأزمات بالنسبة للعائلات التونسية، ليدخل الطرفان في مواجهة مباشرة لا يُعرف كيف ستنتهي، وسط مخاوف من "سنة بيضاء" أي لا امتحانات فيها.
في الطرف الآخر خرج محافظ البنك المركزي الجديد ليكشف عن حال تونس، وعن نسبة تضخم قياسية تصل إلى أكثر من 7 في المائة تعكس أزمة البلاد بحسب رأيه. في الأثناء، يتعطل إنتاج الفوسفات ويهدد المعتصمون بإغلاق منافذ البترول من جديد، وفي الشوارع يتظاهر الأطباء والمهندسون وأساتذة الجامعات منذ أسابيع، في حين يغادر الآلاف منهم تونس إلى أوروبا في نزيف للأدمغة يهدد مستقبل البلاد. وأول من أمس السبت، سارت تظاهرة حاشدة إلى البرلمان تطالب بالمساواة في الميراث، في حين أكد الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الأحد، أن البلاد تشهد أزمة سياسية حقيقية، وهو يطالب منذ أسابيع بتغيير حكومي، بينما تقبض الشرطة على مجموعة من المهاجرين السريين إلى إيطاليا، من بينهم طفل صغير لم يتجاوز العاشرة. ومع كل هذا تتهيأ البلاد لانتخابات محلية، وسط مخاوف حقيقية من تدخلات خارجية وانحرافات داخلية.
هذا هو المشهد العام بسرعة شديدة من دون التوقف عند التفاصيل الأخرى، معركة الأمن والقضاة والمحامين والبيانات المخيفة والتهديدات الإرهابية المتواصلة والبطالة وارتفاع الأسعار وغيرها. وهي صورة تعبّر عن قلق عام في كل مفاصل الحياة، وعن فشل جماعي في إدارة هذه الأزمات وإيجاد مخرج يضع تونس على سكة النجاة، بينما يصوّرها المتشائمون على شفا الهاوية. ولكن هذه ليست كل الحقيقة، فهي على الرغم من ذلك، حمّالة لآمال ولا تزال واقفة على قدميها وتحرز تقدّماً في كثير من المجالات، وتصر على استكمال بناء البيت الجديد الذي سيغيّر حياة أبنائها ومستقبلهم. ولكن تبقى لحظات عسيرة وطويلة وشاقة، يتفرج عليها كثير من الأصدقاء ويشمت فيها كثير من الأعداء... ويتساءل الجميع، تونس إلى أين؟ ولكن الذين يعرفونها يدركون أنها لن تسقط.