تونس .. أداء حكومي مرتبك

تونس .. أداء حكومي مرتبك

12 مايو 2020

الحكومة التونسية مع الرئيس قيس سعيد (27/2/2020/الأناضول)

+ الخط -
منذ نيلها ثقة مجلس النواب نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، ظلت حكومة إلياس الفخفاخ في تونس تعاني من حالة من التردّد والمواقف المتضاربة والقرارات المتناقضة، نتيجة عدم وضوح الرؤية وغياب التجانس السياسي لمكوناتها الحزبية. وإذا كانت نتائج انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 قد أفرزت فسيفساء نيابية لا تسمح لحزب محدّد بتشكيل الحكومة منفرداً، ودفعت، في ظل التجاذبات والصراعات الحزبية، إلى خيار سُمي حكومة الرئيس، فإن التشكيلة الحكومية التي ضمت ممثلين عن أحزاب النهضة، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وحزب التكتل، وبعض المستقلين، سرعان ما كشفت أن خيارات هذه القوى المتآلفة حكومياً تكاد تكون متناقضة، بين قوى ذات توجهات تحرّرية (التيار والتكتل) وقوى محافظة مثل النهضة، بين قوى تعلن تأييدها خليفة حفتر في ليبيا وتدعو علناً إلى دعمه (حركة الشعب)، وقوى أخرى داعمة حكومة الوفاق (النهضة)، وقوى ثالثة (أساساً حزبي التيار والتكتل) لا ترى نفسها معنيةً باتخاذ موقف حاسم.
حالة التناقض بين أحزاب الحكومة التونسية تمنعها من الأداء المتناسق، بل أثارت ضدها انتقادات متنوعة، خصوصاً في ظل استمرار تعيينات المستشارين برتبة وزير، وهو ما زاد في تضخم الجهاز الحكومي، حيث كان رئيس الحكومة قد أعلن سعيه إلى تشكيل حكومة ضيقة، والرغبة في تخفيض الإنفاق الحكومي، وهو أمر لم يتحقق في ظل حالة من التنافس بين المكونات الحزبية إلى تعيين عناصر موالية، بما يطرح السؤال عن الأولويات الحكومية بخصوص التعيينات، وهل تتعلق بالكفاءة أو تتأسس على منطق الولاء.
واقعياً، واجهت الحكومة الحالية، منذ الأيام الأولى لنيلها الثقة، تحدياً صعباً تمثّل بانتشار جائحة كورونا (نالت الحكومة الثقة يوم 28 فبراير/ شباط، وأُعلن رسمياً اكتشاف الإصابة الأولى بمرض كورونا يوم 2 مارس/ آذار)، فقد كانت الخيارات تتعلق بتوفير أسباب الوقاية من انتشار المرض، واتخاذ قرارات الحجْر الصحي العام، وما اقترن به من توقف قطاعات أساسية عن العمل، وفي الوقت نفسه، إيجاد السبل لدعم الشرائح الاجتماعية الضعيفة التي توقفت عن 
الكسب، من خلال منح مالية ومساعدات عينية، وهو أمر كان له أثره على الميزانية المرصودة للتنمية. وعلى الرغم من ميل الحكومة إلى اتخاذ خطوات من قبيل الاقتطاع من أجور موظفي القطاع العام لتغطية عجزها المالي، إلا أن هذه الحلول الترقيعية قد تساعد جزئياً على تجاوز الأزمة التي خلّفها التصدّي للجائحة الوبائية، إلا أنها لا تكفي لتسريع النمو الاقتصادي المتباطئ الذي تعرفه تونس (ككل البلدان)، خصوصاً في ظل توقف القطاع السياحي وضعف إيرادات مواد التصدير، وهو ما يطرح على الحكومة مهمات عاجلة تتعلق باستعادة النسق الاعتيادي للحياة الاقتصادية، مع بداية الرفع التدريجي للحجْر العام الذي يقتضي مراعاة ثنائية الوقاية الصحية، وفي الوقت نفسه، الدفع نحو مزيد من الحركية الاقتصادية.
تنبع مشكلة الحكومة الحالية من حالة التردّد التي تطبع قراراتها وغياب وحدة التصوّر التي تجعل من أداء وزرائها متجانساً، ويصب في اتجاه واحد، فحالة الصراع السياسي بين الأحزاب المشكّلة للحكومة تنعكس على أداء الوزراء وعلاقاتهم فيما بينهم. فقد تحوّلت الحكومة إلى جزء من الصراع بين المربعات السلطوية المختلفة، في ظل التجاذب بين الرئاسة، الراغبة في إثبات دور أساسي لرئيس الجمهورية، على الرغم من صلاحياته المحدودة، وهو ما دفعه إلى مواقف إعلامية دعائية فيها تجاوز على حساب رئيس الحكومة، والرغبة في الظهور الفردي لدى الوزراء، خصوصاً المنتمين إلى أحزاب مختلفة، حيث غاب الانسجام الحكومي، وبرز التنافس بين الوزراء، ولا سيما في ظل المتابعة الإعلامية لنشاط وزير الصحة الذي غطى أداؤه على نشاط باقي زملائه.
ما يثير الاستغراب أكثر، أن الحكومة التي حصلت على تفويض من مجلس نواب الشعب لتمرير إجراءاتها عبر مراسيم، ظهرت غير قادرة على الحسم، وهو ما تجلى في تراجعها عن قراراتٍ متعلقة بالحجر الصحّي الموجّه، نشرت في الجريدة الرسمية. ووصل بها الحال إلى طلب تأجيل جلسة عامة لمجلس النواب كانت مخصصة للتصديق على اتفاقية التعاون مع الصندوق القطري للاستثمار، تحت ضغط جهات إعلامية وسياسية موالية للإمارات، وهو ما كشف عن عجز الائتلاف الحكومي عن الدفاع على خياراته. وأحياناً تتحوّل القرارات إلى عشوائية تثير الريبة، مثل إعفاء القنوات الإذاعية والتلفزيونية الخاصة من دفع 50% من قيمة معاليم (رسوم) البث لسنة 2020، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة، خصوصاً أن الحكومة كانت حريصة على الاقتطاع من جرايات الموظفين، وأطلقت حملة واسعة لجمع التبرّعات من المواطنين لدعم مجهودها في مكافحة كورونا. في المقابل، تسير نحو توجيه الدعم المالي لمؤسسات القطاع الخاص، وبعضها لا يحظى برضى الجمهور.
تتعثر الحكومة الحالية في خطواتها الأولى، ويغلب على أدائها الارتباك وغياب الانسجام والتجانس، ويسود قراراتها التردّد والعجز عن ملامسة القضايا الكبرى، وفي مقدمتها محاربة الفساد، وهذا سبب تآكل شعبيتها المتزايد يوماً بعد يوم.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.