توحد إسرائيلي خلف صفقة تصفية القضية الفلسطينية

توحد إسرائيلي خلف صفقة تصفية القضية الفلسطينية

22 فبراير 2020
اعترض اليمين المتطرف على بند دولة فلسطينية(غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -
تقاربت ردود الفعل الإسرائيلية على صفقة القرن عقب الإعلان عنها من البيت الأبيض، وهي التي منحت إسرائيل امتيازات بالجملة ولبت لها مطالب لم تستطع أي من الإدارات الأميركية السابقة تلبيتها، وكان من شبه المستحيل أن تتحقق تلك المطالب والرؤى لولا الدعم اللامتناهي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهة وتأييده المطلق للمصالح الإسرائيلية من جهة أخرى، فقد اعترفت الصفقة بيهودية دولة إسرائيل، وبالقدس عاصمة موحدة لها، وشرَّعت الاستيطان، ومهدت الطريق أمام ضم الأغوار وأجزاء كبيرة من الضفة والقدس المحتلتين.

الأحزاب الإسرائيلية كافة أيدت الصفقة ودعمتها، مع إبدائها بعض الملاحظات وتوجيهها عددا من الانتقادات لبعض ما جاء في الصفقة من بنود، وقد انطلقت تلك الملاحظات والانتقادات من الحرص على المصالح الإسرائيلية، وتطلعاتها المستقبلية، ولم ينطلق أي منها خشيةً من موقف فلسطيني أو عربي أو دولي، ولا حرصًا على إنصاف الفلسطينيين أو احترامًا لنصوص القرارات الدولية الناظمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

أشد تلك المواقف تطرفًا جاءت من تحالف يمينا المتشدد الذي يمثل تيار الصهيونية المتدينة الناشطة في المستوطنات، والذي أكد رئيسه نفتالي بنيت أن التحالف "لن يعترف أبدًا بإقامة دولة فلسطينية"، مع تأكيده "ضرورة عدم تأجيل ضم الأراضي إلى ما بعد الانتخابات، لأننا -حسب قوله- إذا ما أجلناه فلن يحدث"، مضيفًا أنه "يجب ألا نقوم بضم جزئي، يشمل منطقة محددة كغور الأردن فقط، وترك 150 ألف مستوطن، يجب القيام بضم شامل، لغور الأردن وكافة المستوطنات الإسرائيلية ومناطق ج، والآن وفورًا".

وعلى ذات المنوال وصف أتباع حزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتطرف برئاسة إيتمار بن غفير، الصفقة بأنها "سيئة وخطيرة تجلب إلينا دولة فلسطينية تشكل خطرًا على دولة إسرائيل وتسلم مناطق من أرض إسرائيل، واتضح صباح اليوم أن بعض السكاكر التي اقترحوها على شعب إسرائيل من أجل تحلية القرص كاذبة، مغشوشة وخادعة، ولذلك سنخرج إلى معركة ضد الصفقة ونعتقد أن إقامة دولة فلسطينية، على بعد بضعة كيلومترات من كفار سابا ورعنانا وبيتح تكفا وروش هعاين هي خطر على إسرائيل وتعيدنا إلى عهد أوسلو".

وكان تحالف أزرق أبيض وهو تحالف (وسطي) برئاسة بيني غانتس، والمنافس الأقوى لحزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، قد أثنى على خطاب ترامب واصفا إياه "بالخطاب المهم والتاريخي"، وبأنه "يتماشى تمامًا مع مبادئنا السياسية والأمنية"، مشيرًا إلى أن الخطة "ستكون أساسًا قويًا وملائمًا، لتعزيز التسوية السلمية مع الفلسطينيين، لكن شريطة الحفاظ على تسويات إسرائيل مع الأردن ومصر، بل وتوسيعها مع دول أخرى في المنطقة"، وقد هاجم التحالف نتنياهو ولم يهاجم الخطة، حيث ذكر في سياق متطلبات تنفيذ الخطة أنه "يجب أن تكون في إسرائيل حكومة قوية ومستقرة، يرأسها شخص يكرس كامل وقته وطاقته لتعزيز الأمن والمستقبل، وليس متهمًا بارتكاب جرائم فساد خطيرة، وبالتالي تكون هناك خشية للتضحية بمصالح الدولة لمصالحه الشخصية والقانونية".

في حين هنأ أفيغدور ليبرمان زعيم حزب يسرائيل بيتنو اليميني القومي، الرئيس الأميركي في تغريده له على تويتر جاء فيها "أهنئ الرئيس ترامب، الذي تبنت خطته للسلام، جزءًا من خطتي لتبادل الأراضي والسكان، التي نشرتها في العام 2004"، ولم يبدِ ليبرمان تحفظه على إقامة دولة فلسطينية، لكنه تحفظ على صلاحيات تلك الدولة، فتساءل "ماذا تعني دولة منزوعة السلاح؟ ما هي أنواع الأسلحة التي يمكنهم حملها؟ من سيتحكم في الغلاف الجوي والفضاء البحري؟، مؤكدًا أن حزبه "لن يدعم الخطة بأكملها"، وأنه سيدعم نتنياهو ويؤيده في حال "اتخذ قرارًا بشأن فرض السيادة الإسرائيلية في غور الأردن والمستوطنات".

وقال عمير بيرتس رئيس العمل اليساري العلماني، كلامًا يبدو مختلفًا في المضمون فقط، حين قال: "مصيرنا نحدده نحن، من خلال المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، عبر اتفاق من شأنه أن يضمن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، داخل حدود آمنة للأجيال المقبلة"، مضيفًا أن "الصفقة تعد فرصة مهمة لإجراء عملية إقليمية شاملة، ويجب فحصها، لكن فقط بعد الانتخابات"، مشيرًا إلى أهمية الأسس التي تحملها الخطة "لتعزيز أمن إسرائيل وإجراء المفاوضات، لكن الاختبار هو ما إذا كان يمكن ترجمتها لانفصال إسرائيل عن الفلسطينيين، وليس عملية ضم أحادية الجانب، كما نسمع اليوم".

فيما وصف نيتسان هروفيتس رئيس حزب ميرتس اليساري الديمقراطي الضم "بالخطوة المدمرة" لافتًا إلى أنه "ليس لدى نتنياهو كرئيس حكومة انتقالية يُحاكم على جرائم جنائية خطيرة تفويض للقيام بأي تحرك وهو غير مخول بشيء، وبالتأكيد ليس لديه وحكومته شرعية لضم حتى فدان واحد بشكل أحادي الجانب"، مضيفًا أنه "لا يوجد بديل للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، وهو مبدأ رئيسي في خطة ترامب" فيما وصف إيتسك شمولي من ذات الحزب صفقة القرن "بحيلة القرن"، مشيرًا إلى أنها "لن تؤدي إلى السلام، بل ستؤدي إلى الضم أحادي الجانب وإشعال المنطقة".

أما رئيس حزب "البيت اليهودي" رافي بيرتس، وهو حزب صهيوني ديني متطرف، فقد كتب على فيسبوك معلقًا على طرح صفقة القرن الأميركية قائلًا: "لقد كنا كالحالمين، فقد وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعلن أن أرض إسرائيل ملك لشعب إسرائيل، ووقف إلى جانب دولة إسرائيل بشكل مطلق، وهذا مساء عيد لنا وأدعو إلى تطبيق السيادة الفورية على غور الأردن والضفة الغربية، ولن نشارك في إقامة دولة فلسطينية"، فيما صرحت وزيرة القضاء السابقة في الحكومة الإسرائيلية وهي من قادة البيت اليهودي، أيليت شاكيد، بأن "خطة ترامب هي فرصة كبيرة حقاً، لكنها خطر كبير أيضًا في الوقت نفسه، وإذا لم تكن الخطوة الأولى فيها بسط السيادة الإسرائيلية على المناطق المذكورة، فعندئذ سيكون الخطر أكبر من الفرصة بكثير، كل شيء منوط بماهية الخطوة الأولى، إن كانت الخطوة الأولى هي الضم، فلن تكون هنالك دولة فلسطينية، أما إذا كانت الخطوة الأولى مفاوضات لإقامة دولة فلسطينية، فقد ينتهي الأمر بدولة إرهاب في قلب دولة إسرائيل".

ويتضح من خلال استعراض ردود الفعل الحزبية الإسرائيلية على صفقة القرن، أن غالبية الأحزاب الإسرائيلية لا تحمل معارضة جوهرية على الصفقة إنما هي تنادي باستثمار البنود التي تشكل مكاسب للإسرائيليين كتطبيق ضم الأغوار مثلًا، وعدم تطبيق ما يخص الفلسطينيين كإقامة دولة حتى لو كانت أجزاء منفصلة تتحكم بها المعابر والجسور الإسرائيلية، وهذه الإرادة تدلل على مدى انحراف المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف، وأن عملية التسوية السلمية مع الفلسطينيين لم تعد من أولويات اهتماماتهم، ومن الواضح أيضًا ارتياح جل الأحزاب السياسية الإسرائيلية للسياسة الأميركية الراهنة في ما يخص قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وتحمل المواقف الإسرائيلية رسائل للسلطة الفلسطينية ورموزها الذين لا يزالون يراهنون على المفاوضات و"يحاربون" بالتطبيع صفقة تصفية القضية الفلسطينية، بأنّ لا أمل إلا بالوحدة الفلسطينية والمقاطعة والمقاومة وتعزيز صمود الفلسطينيين، وأن استمرار التنسيق الأمني في صالح إسرائيل ومتنفذي السلطة فقط، واستضافة الإسرائيليين لمحاولة التأثير عليهم ما هي إلا وهم، ويبقى السؤال الملحّ اليوم: هل تلتقط السلطة الفلسطينية والرئيس عباس هذه الرسائل؟