مع تمديد الموعد النهائي لبدء إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، لتجنب شبح مغادرتها من دون اتفاق، يبدو أن القضية لا تزال تكتنفها بعض المخاطر، إذ رغم المرونة في التعاطي معها من قبل دول أوروبا الشرقية، فهناك اختلاف في وجهات النظر مع دول أخرى مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا، التي تطالب بشروط أكثر تفصيلًا من بريطانيا، ويمكن هنا الحديث عن "خارطة طريق لما ستبدو عليه الخطوات التالية لبريكست مع الضمانات".
وتطرح في ألمانيا تساؤلات عما سيكون عليه الوضع إذا بقيت بريطانيا لفترة أطول في الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيحتّم على لندن أن يكون لديها مفوض في المفوضية الأوروبية المقبلة وفي البرلمان الأوروبي، وأن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات في قرارات الاتحاد الأوروبي المهمة، مثل العلاقة مع الصين، كما أنه من الممكن أن تعوق لندن الإطار المالي للاتحاد الأوروبي الذي يبلغ حجمه مليارات من اليوروهات.
إلى ذلك، يشكل عدم مشاركة البريطانيين في انتخابات البرلمان الأوروبي واحدا من حالات عدم اليقين بالنسبة لألمانيا، لأن المشاركة هي التزام لكل عضو في التكتل وفق ما تنص عليه معاهدات الاتحاد الأوروبي. لذلك إذا لم ينتخب البريطانيون، فمن المرجح أن يتم الطعن في شرعية البرلمان الأوروبي المقبل، وهو الأمر الذي حذرت منه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في بروكسل بالقول إن التأخير في مغادرة بريطانيا "يجب أن لا يعرض الانتخابات الأوروبية للخطر". وعليه، فإن الاتحاد الأوروبي ينتظر مقترحات جديدة من لندن بحلول 12 إبريل/نيسان المقبل.
من جهة ثانية، لا يقتصر الأمر على الإشكاليات الإدارية، فثمة مخاوف من استفادة اليمين الشعبوي والمتطرف من هذا الاضطراب والتململ من مصير "بريكست" وخطورته على الانتخابات البرلمانية الأوروبية. زد على ذلك أن الخسائر المالية التي ستتكبدها دول الاتحاد ستكون باهظة، وهو ما يظهر في دراسة أجرتها مؤسسة "برتلسمان" ونشرت هذا الأسبوع، إذ بينت أن ألمانيا ستخسر دخلا بقيمة 9.5 مليارات يورو، إذا تركت بريطانيا التكتل الأوروبي من دون اتفاق، ناهيك عن الخسائر التي ستضرب البريطانيين أنفسهم، إذ سيتقلص الدخل بنسبة 2.4%، وهذا يعني توقع خسائر بنحو 57 مليار يورو سنويا. أما فرنسا، فسينخفض المرود السنوي فيها بنحو 8 مليارات ويورو، فيما إيطاليا ستعاني من خسائر بقيمة 4 مليارات، وكل ذلك نتيجة تأثيرات كل منها على مستوى تنمية الدخل، مع الأخذ بالاعتبار التدفقات التجارية والإنتاجية الحالية، فضلًا عن عوامل أخرى مثل حجم السوق وبعد الشركاء التجاريين.
في هذا السياق، يرى خبراء في علم السياسة والاقتصاد أن المطلوب تقييم الآثار المعقدة لخروج بريطانيا من الاتحاد، لأن بلدان التكتل لديها مستويات مختلفة من الأداء الاقتصادي، مبرزين أنه في ألمانيا مثلا ستتأثر ولايات بعينها من طبيعة الانفصال، مثل ولاية شمال الراين فستفاليا، التي تعد التجارة فيها مع بريطانيا نشطة للغاية، فمدن مثل ديسلدورف قد تخسر 650 مليون يورو، أما مدينة كولن فسينخفض مردودها بحوالي 560 مليون يورو، وهذا يتوافق مع خسائر الدخل بحوالي 0.3% لكل منهما. كذلك، ستتكبد مدن مثل هامبورغ وشتوتغارت اللتين توجد فيهما الكثير من الشركات المتوسطة والصغيرة التي لها شركاء ومصالح في بريطانيا، انخفاضًا في مداخيلها بشكل كبير.
وفي كلا السيناريوهين، الصعب والمرن، لا يوجد سوى خاسرين في دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة أن ذلك قد ينعكس نموًا على بلدان أخرى، بينها الولايات المتحدة، حيث يتوقع أن تصل النسبة إلى 13 نقطة، وفق ما ذكرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ". أما الصين، فقد تشهد نموًا قدره 5 مليارات يورو في حال خروج بريطانيا دون اتفاق.
وعليه يمكن القول إن اليأس يختلط بالغضب، لأن زعماء الاتحاد تورطوا في مشكلة كبيرة مع بريطانيا في ظل التأكيد أن البريطانيين أنفسهم لا يعلمون ماذا يريدون. وتطرح التساؤلات عن الآلية التي يمكن أن تخرج من خلالها بريطانيا من دون اتفاق مع الاتحاد، وهذا ما يتعارض مع تطلعات الاتحاد الأوروبي بأكمله، في ظل الخوف مما سيتهدد دوله من الفوضى المرورية والتجارة البينية ونقص الإمدادات وتداخل قوائم التعرفات الجمركية.