الاتفاق الصعب بين لندن وبروكسل حول الانسحاب دفع بالعديد من الخبراء في الشؤون السياسية والاقتصادية الأوروبية للحديث عن سيناريوهات ما بعد الطلاق إذا ما نجحت خطة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في 10 ديسمبر/كانون الأول، وهو الأمر الذي طالب به رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، مجلس العموم البريطاني، محذرًا من الرفض، لأنه "العقد الوحيد والممكن للطرفين"، إذ سيبقي البريطانيين على ارتباط وثيق بالاتحاد الأوروبي لسنوات قادمة، رغم أن بريطانيا قد تكون خفضت إلى مرتبة تابع، فيما الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر فقرًا سياسيًا واقتصاديًا.
ويتوقف هؤلاء عند الخشية من فترة ما بعد الانتقال، حيث تكمن الصعوبة في أن تصبح الأمور والمبادئ السياسية التوجيهية للعلاقات المستقبلية، وخدمات المواطنين والأسواق المالية، أكثر تعقيدًا مع إنشاء منطقة تجارة حرة من دون تعريفات، إلى جانب المنافسة العادلة والتنسيق الوثيق للقواعد والمعايير، التي تتطلب ألا تبدأ بريطانيا المنافسة الضريبية مع الاتحاد الأوروبي لتكون قادرة على جذب استثمارات الشركات الأجنبية. واذا لم يوافق مجلس العموم؛ فالبطالة الاجتماعية والفوضى القانونية ستعم بشكل كبير، وسيتعين عليها العمل على وضع ضوابط على الفور لاعتماد آليات تحدد حرية الحركة والتنقل للمواطنين.
ويشدد المراقبون على أهمية أن تعمل دول التكتل مجتمعة على الحد من التوجهات لدى بعض الأحزاب المعارضة لأوروبا الموحدة التي تريد لدولها بالفعل اتباع النموذج البريطاني، لأن هذا سيضعف الاتحاد وسيمهد المسرح على الساحة الأوروبية للشعبويين. ولا يمكن بعد الآن لأحد أن يقلل من شأن الدعوات التي تحاكي هذا التوجه، بدءًا من فرنسا عبر مارين لوبان، وهولندا بواسطة غيرت فيلدرز، وغيرهما.
كذلك يلفت باحثون الى أنه لم يعد يكفي لأوروبا أن تتباهى بإنجازات الماضي والسلام والازدهار الذي تحقق للمواطن الأوروبي؛ لأن التكامل الآن يحتاج إلى تبرير جديد ومجدٍ، ومغادرة بريطانيا ستكون لها مخاطر اقتصادية واجتماعية حقيقية، وبدون التضامن الأوروبي سيزداد الأمر سوءًا مع الخوف من عدم خلق التعايش الدائم بين باقي أعضاء التكتل، بعدما زادت التساؤلات عما إذا ما زال المجتمع في أوروبا يتقاسم القيم المنصوص عنها في المادة 2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي في ظل تنامي التوقعات التي تشير إلى أن اليمينيين سيحصلون على العديد من المقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة مايو/أيار المقبل، وهذا ما سيزيد من الضغط الداخلي والخارجي الداعي لتأمين الاستقرار في أوروبا، مع الجهد لتحقيق ميزانية لمنطقة اليورو من دون بريطانيا تساهم في زيادة نسبة النمو.