توتر كوسوفو-صربيا: عملية أمنية تُنذر بحربٍ في البلقان

توتر كوسوفو - صربيا: عملية أمنية تُنذر بحربٍ في البلقان

30 مايو 2019
واجهت شرطة كوسوفو مقاومة في المناطق الصربية (فرانس برس)
+ الخط -
ليس غريباً أن تكون منطقة البلقان في جنوب شرقي أوروبا، أكثر مناطق القارة العجوز سخونة، لتنوّعها الإثني والديني، معطوفاً على التبدّلات التاريخية، من مرحلة توحيد يوغوسلافيا السابقة (1918 ـ 1991)، مروراً بالحرب الأهلية اليوغوسلافية وتفكك دويلاتها (1991 ـ 2001)، وصولاً إلى التشنّج في العلاقات بين بعض تلك الدول.

آخر إفرازات الصراع التاريخي، هو الخلاف بين صربيا، الوريثة الفعلية ليوغوسلافيا، وكوسوفو، الدولة التي استقلت في العام 2008، من دون أن تعترف صربيا بها كدولة مستقلة، بل فقط كـ"سلطة إدارية في الإقليم". لكن مع تدخل الاتحاد الأوروبي لتطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو، تمّ التوصل في العام 2013 إلى اتفاق حول إنشاء كيان صربي يتمتع بحكم ذاتي واسع تحت مسمى "اتحاد المحافظات ذات الغالبية الصربية" في كوسوفو. لكن الخلافات حول تفسير صلاحيات هذا الكيان الجديد عطّلت إنشاء الكيان. ومع ذلك لم يمنع هذا الأمر قيام علاقات بالحدّ الأدنى، بين الدولتين، إلا أن ترسبّات حروب الماضي ما زالت حاضرة، وآخرها ما حصل في الأيام القليلة الماضية.

في شمال كوسوفو، تقع 4 بلدات ومدن غالبية سكانها من الصرب، وهي شمال ميتروفيتسا، وليبوسافيتش، وزفيتشان، وزوبين بوتوك. ومع أن الصرب لا يشكّلون سوى 5 في المائة تقريباً من سكان كوسوفو (أي نحو 150 ألفاً من أصل أكثر من مليوني مواطن)، إلا أنهم يتمركزون في منطقة غنية بالثروات المعدنية والغابات، على مساحة 13 في المائة من مساحة كوسوفو (10908 كيلومترات مربّعة). كما أنهم يرفضون الخضوع لسلطات بريشتينا، بل يرفعون أعلاماً وصوراً صربية في مناطقهم، وكأنهم دولة في قلب كوسوفو التي تُشكّل الإثنية الألبانية نحو 92 في المائة من سكانها.

ودائماً ما شعر صرب كوسوفو بالدعم من بلغراد، وهو دعم ظهر في الفترة الأخيرة، مع بدء سلطات بريشتينا عملية أمنية في الشمال، بغية "محاربة تهريب البضائع والجريمة المنظمة". وعلى الرغم من إعلان شرطة كوسوفو أنها ألقت القبض على عشرات الأشخاص من إثنيات عدة، بينهم كوسوفيون وبوسنيون، فضلاً عن صرب، إلا أنها واجهت مقاومة مسلّحة في المناطق الصربية، سقط فيها العديد من الجرحى من الجانبين. ورفضت شرطة بريشتينا الكشف عن عدد الأشخاص الذين تمّ اعتقالهم خلال العمليات، لكنها قالت إنها تجري في مختلف أنحاء البلاد وليس الشمال فقط، في محاولة منها لخفض منسوب التوتر. بل أكد رئيس وزراء كوسوفو راموش هاراديناي أن "العملية تتعلق بتطبيق القانون ولا شيء غير ذلك. أدعو الصرب في الشمال إلى التزام الهدوء واحترام القانون".



لم تقنع التطمينات الأمنية والسياسية من كوسوفو سلطات صربيا، التي وضعت قواتها الأمنية في حالة تأهب قصوى، يوم الثلاثاء الماضي، لا بل أظهرت لقطات مصوّرة وصول تعزيزات من الجيش الصربي إلى الحدود مع كوسوفو، وسط اعتبار بلغراد أن "العملية الأمنية في شمال كوسوفو هي محاولة من السلطات في بريشتينا للسيطرة على الأجزاء المتاخمة للحدود الصربية". كما ألقى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، كلمة عاجلة أمام البرلمان، مساء الإثنين الماضي، قال فيها إن "بلغراد ستسعى إلى الحفاظ على السلم والاستقرار، لكنها في الوقت نفسه جاهزة للرد". وأضاف "باعتباري القائد الأعلى وضعت وحدات الجيش في حالة استعداد قتالي كامل لحماية شعبنا إذا وقع أي تهديد حقيقي للنظام أو الشعب في شمال كوسوفو"، قبل أن يكرر الدعوة لإنهاء الصراع مع بريشتينا، معترفاً بأن "بلغراد فقدت السيطرة على كوسوفو".

ودفعت هذه التطورات قوة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو "كفور" للإعلان عن أنها "مستعدة للتدخل إذا دعت الحاجة". وحثت القوة المكوّنة من 3500 شخص، بين عسكري ومدني، كل الأطراف على "التحلي بالهدوء". مع العلم أن المتحدث باسم "كفور" الجنرال فيتشنزا غراتزو أكد أن "السلطات الصربية كانت على علم بالعملية الأمنية في شمال كوسوفو"، حسبما نقلت عنه قناة "برفا" الصربية يوم الثلاثاء. ومع أن فوتشيتش نفى علمه بذلك، أمس الأربعاء، إلا أن معارضيه في بلغراد طرحوا فرضية تتمحور حول محاولته إزالة الضغط السياسي عن نفسه، عبر الإيحاء بوجود خطر على الأقلية الصربية في كوسوفو، وذلك بعد التظاهرات في البلاد في الفترة الماضية احتجاجاً على سياسته الاقتصادية والتضييق على حرية الإعلام ومنع الديمقراطية. وشهد يوم 17 مارس/ آذار الماضي، اقتحام الآلاف من أنصار المعارضة الصربية مبنى قناة "أر تي أس" في بلغراد، احتجاجاً على طريقة أدائها الإعلامية، واتهموها بـ"الترويج للحزب الحاكم". وطالبوا بحرية الصحافة والتغطية وعدم التحيز لحزب أو لتيار سياسي معين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

في المقابل، اتهمت روسيا كوسوفو بالقيام بأعمال استفزازية تهدد السلم الهش في المنطقة. ولا يأتي الاتهام عن عبث، فعدا عن عدم اعتراف روسيا بكوسوفو دولة مستقلة، إلا أن علاقة موسكو ببريشتينا متوترة أساساً، إلى درجة أن السلطات الكوسوفية اعتقلت موظفين في الأمم المتحدة خلال الحملة الأمنية، بينهما روسي، وذلك بعد إصابتهما في المواجهات. وأعلنت موسكو أن "أحد رعاياها يعمل لحساب الأمم المتحدة ويتمتع بحصانة دبلوماسية أوقف". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن الروسي "اعتقل مع أنه يتمتع بحصانة دبلوماسية"، مضيفة "نعتبر أن هذا العمل المعيب دليل آخر على النهج الاستفزازي لقادة كوسوفو". وردّ رئيس كوسوفو هاشم تاجي بالقول إن "المواطن الروسي كان يمنع شرطة كوسوفو من القيام بواجباتها مستفيداً من وضعه كدبلوماسي".

عدا عن ذلك، فإن الروس والصرب أسسوا منذ نحو عامين، محطات نفطية في ميتروفيتسا الكوسوفية، بمعزل عن قرار السلطة في البلاد، عبر شركة النفط الصربية - الروسية "نيس" (تملك الشركة الروسية غازبروم 51 في المائة من أسهمها). وميتروفيتسا لا تبعد عن عاصمة كوسوفو بريشتينا سوى 30 كيلومتراً. كما افتتحت بلغراد خط قطار مباشر، ربط للمرة الأولى بلغراد بميتروفيتسا. والقاطرة الأولى من القطار "هدية روسية". ومع أن منسوب التوتر مرتفع للغاية، إلا أن لا أحد من الطرفين يتحدث عن حرب، لأنها لن تتوقف في كوسوفو وشمالها وجنوب صربيا، بل وبحكم التاريخ ستشمل كامل دول البلقان.

دلالات