رفعت واشنطن من وتيرة اتصالاتها بشأن الملف الليبي ومستجداته، في الوقت الذي بدت فيه ملامح جديدة لتطور عسكري روسي في مناطق استراتيجية على علاقة بالنفط والغاز وسط ليبيا، إثر استقدام موسكو المزيد من المرتزقة والمعدات العسكرية.
وفي الوقت الذي كشف فيه المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة التابعة لحكومة الوفاق، عبد الهادي دراه، أن فرق الاستطلاع التابعة لقوات الحكومة رصدت وصول ست رحلات قادمة من مطار اللاذقية في سورية إلى مطاري الأبرق وبنينا خلال اليومين الماضيين، رصد موقع "إيتاميل رادار" الإيطالي تحليق طائرتين أميركيتين دون طيار من طراز "أم كيو – 9 ريبر" القاذفة للصواريخ، في سماء ليبيا، السبت الماضي، بعد أن أقلعتا من قاعدة سيغونيلا القبرصية.
ووفق تصريحات صحافية لدراه فإن الطائرات الروسية الست تحمل أسلحة ومرتزقة سوريين لدعم صفوف مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مشيرا إلى أن من بين تلك الأسلحة منظومة صواريخ "أس 300". وأكد أن تلك الأسلحة متطورة ولا يملكها مرتزقة شركة "فاغنر" للخدمات الأمنية التي تقاتل بجانب مليشيات حفتر، وأن الجيش الروسي هو من أشرف على نقلها إلى ليبيا.
وتتزامن التحركات العسكرية من الجانبين الروسي والأميركي مع تواصل الاتصالات الدبلوماسية لواشنطن، آخرها لقاء جمع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو بحثا خلاله "التطورات في ليبيا وشرقي المتوسط وسورية علاوة على تداعيات الخلافات في شرق المتوسط مع اليونان وحلفائها بشأن تنقيب أنقرة عن النفط، بحسب وكالة "الأناضول".
Timely conversation with Turkish Foreign Minister @MevlutCavusoglu in Santo Domingo today on the urgent need to reduce tensions in the Eastern Mediterranean. pic.twitter.com/pAl0BHPOtz
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) August 16, 2020
كما أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا عن نتائج اتصال هاتفي أجراه السفير ريتشارد نورلاند، مع نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أحمد امعيتيق، اتفقا خلاله على "التأكيد على وقف التصعيد العسكري في مدينة سرت، واستعادة الحقول النفطية وتأمينها تمهيداً لاستئناف العمل فيها"، بحسب الموقع الرسمي للسفارة.
التصعيد العسكري بهدف تغيير معطيات الميدان ليس على الطاولة بالنسبة للطرف الروسي
تعليقاً على هذه التطورات، لا يستبعد الكاتب السياسي الليبي مروان ذويب استغلال حفتر للأوضاع الميدانية الحالية المحتقنة، وشن هجمات على مواقع قوات حكومة الوفاق المرابطة على تخوم سرت منذ أزيد من شهرين، لكسر الجمود الميداني والعودة للمشهد العسكري ثم السياسي.
وفي تصريح لـ "العربي الجديد" يرى ذويب في الوقت ذاته أن "التصعيد العسكري بهدف تغيير معطيات الميدان ليس على الطاولة بالنسبة للطرف الروسي لعدة أسباب".
واضح ذويب أن من بين تلك الأسباب أن الأوضاع الميدانية الحالية تختلف عن ميدان جنوب طرابلس وترهونة بسبب قرب ساحة الحرب من مواقع النفط والموانئ النفطية، لافتا إلى أن العديد من الأطراف الدولية لن تسمح بدخول المنطقة في حرب واسعة، وبأن ذلك ليس من صالح روسيا أيضا.
وأضاف أنه "من الأسباب أيضا أن روسيا لا تعمل في ليبيا لصالح حفتر بل لاستخدام الملف الليبي كورقة مساومة حول مصالحها في مناطق أخرى".
وأوضح ذويب أن موسكو"لا تعادي حكومة الوفاق، وهو ما تدركه تركيا جيداً التي تنخرط منذ مدة في مشاورات معها بهدف التوصل لمقاربة معينة بشأن سرت والجفرة"، معتبرا أن السياسة الأميركية والتركية في تناغم حاليا بسبب موقفهما الواحد من التواجد الروسي.
لكن الصحافية الليبية نجاح الترهوني، ترى في تصريحات دراه حول تطور نوعية الأسلحة الروسية بليبيا ووقوف الجيش الروسي وراء جلبها مؤشراً خطيراً، وهو ما دفع إلى زج الطائرات الأميركية للتحليق في سماء ليبيا لرصد التطور العسكري الروسي.
بحث وزير الخارجية الأميركي الملف الليبي مع نظيره التركي جاء في سلة واحدة مع ملفات شرق المتوسط
وتوافق الترهوني في حديثها لـ"العربي الجديد" على كون هدف موسكو يتمثل باستثمار الملف الليبي لمساومة أطراف دولية في ملفات أخرى كسورية مثلا، لكنها ترى أن تحرك روسيا باتجاه ليبيا بشكل أكثر كثافة يعني أن الملف الليبي تحول إلى ملف أكثر تعقيدا بارتباطه بملف شرق المتوسط الذي تشترك فيه عدة دول أوروبية وروسيا وتركيا علاوة على الولايات المتحدة، ما يعني برأيها "خروج مفاتيح حله من أيدي الليبيين".
وتدفع واشنطن بحل منزوع السلاح في منطقتي الجفرة وسرت تمهيدا لبناء عملية سياسية جديدة برعاية أممية، بهدف إضعاف الوجود العسكري الروسي في المنطقتين ولضمان رجوع تدفق النفط الليبي المتوقف منذ يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكان السفير الأميركي قد التقى برئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، في العاصمة المصرية القاهرة بهدف إقناع الأطراف الليبية بالمقترح الأميركي، لكنه مقترح، بحسب ذويب، لا يهدف إلى حل الأزمة الليبية بل يهدف إلى مواجهة خطر التوغل الروسي من الجانب الأميركي.
ولفت ذويب إلى أنه رغم اللقاءات التي يجريها السفير الأميركي مع قادة طرفي الصراع في ليبيا إلا أن التصريحات بشأن مستجدات الأوضاع تصدر من مسؤولي عواصم الدول المتواجدة في الملف الليبي وبعيدا عن آراء الأطراف الليبية كما حدث في لقاء بومبيو بأوغلو، أمس الأحد، ونتائج المشاورات الجارية بين موسكو وأنقرة.
ويدلل ذويب على تحول الملف الليبي إلى ملف مساومة في ملفات أخرى بتراجع تصريحات المسؤولين المصريين ومسؤولي عواصم دول أخرى بشأن ليبيا وتركيزها على مستجدات المشكلة في شرق المتوسط.
ويشير ذويب الى أن بحث وزير الخارجية الأميركي الملف الليبي مع نظيره التركي جاء في سلة واحدة مع ملفات شرق المتوسط ومستجدات الخلاف التركي اليوناني، معتبر أن الملف الليبي لا يزال بعيدا عن أولويات واشنطن، التي تعمل على تسوية الخلافات بين أصدقائها في شرق المتوسط المتصلة بالملف الليبي ضمن محاولات تحجيم التأثير الروسي في الملف الليبي باعتبار الملفين على علاقة بالطاقة.