توباك: من أطلق النار؟

توباك: من أطلق النار؟

23 يونيو 2020
بدأت أولى مصادمات توباك مع الشرطة عام 1991 (Getty)
+ الخط -
خرج الشرطي كريس كارول في مقابلة عام 2014، ليتحدث عن لقائه الوحيد مع مغني الراب الأميركي توباك شاكور (1971 - 1996)، في أثناء استجابته لإطلاق النار الذي أودى بحياة مغني الراب الأميركي في لاس فيغاس عام 1996، بعد حضوره نزالاً لمايك تايسون. وإذا ما سلّمنا برواية كارول، التي رفض أن يفصح عنها للعامة طويلاً ليمنع إسباغ البطولة على حياة شاكور، فإن توباك بقي معادياً لجهاز الشرطة حتى لحظة رحيله، حين رفض مد كارول بأي معلومات عن الحادثة، أو من أطلق النار عليه شاتماً الشرطي، أو الشرطة، بكل هدوء وسلامٍ داخلي وفقاً للرواية ذاتها.
وليحافظ أحدهم على موقفٍ كهذا في اللحظة التي يحتمل فيها أن ينسى كل مواقفه، يجب أن يكون قد كرّس وقتاً طويلاً لخدمته. وفي الواقع، فإن حياة توباك القصيرة زخرت بذلك في حياته الشخصية وإرثه الموسيقي الكبير، لتجعل منه واحداً من مغني الراب الأكثر صداماً مع السلطة، ابتداءً بجهازها الضارب المتمثل بالشرطة، وانتهاءً بنائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية حينها، ما جعله رمزاً للثقافة المضادة حتى يومنا هذا، كما يظهر في نتاجه الفني عموماً وأول ألبومين أصدرهما خصيصاً 2Pacalypse Now وStrictly 4 My N.I.G.G.A.Z، قبل عمله مع تسجيلات Deathrow، بسبب طبيعتهما المميزة ولتقاطعهما مع أحداث شخصية مرّ بها توباك.

بدأت أولى مصادمات توباك مع الشرطة عام 1991 في أوكلاند، قبيل إطلاق ألبومه الأول 2Pacalypse Now وبعد أشهر فقط من حادثة الاعتداء على رودني كينغ. تعرّض المغني الأميركي حينها للمساءلة من قبل الشرطة بتهمة عبور الشارع بشكلٍ خطر، وحين حاول الدفاع عن نفسه، انتهى به المطاف بين يدي الشرطة في وضعية خانقة، ومن ثم توجيه تهمٍ بمقاومة الاعتقال. أفاد توباك حينها في مقابلة بأن ملابسات توقيفه واعتقاله جزء من إجراء ممنهج لضبط الشباب السود وترويضهم، وكان رده عبر دعوى قضائية استطاع الفوز بها ضد الشرطة، وهو أمر إن كان صعباً اليوم، فعلينا تخيله في ذلك الوقت الذي برّأت فيه المحكمة رجال الشرطة المتورطين في قضية رودني كينغ، الأمر الذي كان المحرك الرئيسي لاحتجاجات 1992 في لوس أنجلوس.



وجد توباك نفسه بعدها في مواجهة مع دان كويل، نائب الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، الذي انتقد ألبوم توباك الأول ودعا إلى منعه على إثر ادعاء محامٍ يمثل شاباً متهماً بقتل شرطي أميركي، بأنه فعل فعلته متأثراً بالألبوم الذي كان يستمع إليه أثناء الحادثة وأغنية Soulja's Story تحديداً.
دفعت معركة "التأويل" هذه توباك إلى أن يخرج إلى العلن ويصف نفسه بكبش فداءٍ عن كل الشباب السود الذين ينطق الألبوم باسمهم، نافياً تهم كويل، لتقف معه شركة إنترسكوب وترفض منع التسجيل، الأمر الذي عرّف شرائح أكبر من الجمهور بتوباك وألبومه الأول، الذي يُعَدّ حتى اليوم واحداً من أشهر الألبومات ذات الصبغة الاحتجاجية.

لكن علامَ احتجّ توباك بالضبط؟ رغم صغر سنه آنذاك، أثبت توباك في ألبومه المنفرد الأول وعيه حيال قضية مجتمعات الأميركيين من أصل أفريقي، وإذا ما كان ادعاؤه في مقابلةٍ عن الألبوم عن كونه معنياً بالفقر والعنصرية ووحشية الشرطة ومشاكل التعليم وإدمان مخدر الكراك، يبدو جريئاً بعض الشيء، فإن الألبوم يثبت ذلك، عبر أغانٍ كـ Trapped التي وصف فيها الحياة داخل المدينة بالنسبة إلى الشاب الأسود، كحياة السجن الذي حالما يخرج منه الشاب يجابه ذاك الأكبر، حيث الجري خلف أوهام السعادة لا ينقطع إلا حين توقفك الشرطة، وBrenda's Got A Baby حيث يروي توباك قصة حقيقية عن طفلة تعرضت للإساءة الجنسية وحملت بطفلٍ من أحد أقربائها، مارّاً خلال الأغنية على الخيارات القليلة التي يجد أحدهم نفسه أمامها في ظرفٍ مشابه، ومؤنسناً قصتها ومقاطعاً إياها مع الطريقة التي جُرِّدت بها في خطاب وسائل الإعلام أو السياسيين.

وفي الحقيقة، إن الحديث عن ألبوم توباك الأول مستحيل من دون المرور على Soulja's Story لما أثارته من جدلٍ دون باقي أغاني الألبوم، لتمجيدها العنف ضد الشرطة. إلا أن تفحص الأغنية من كثب يؤكد أن ما أثير حولها لا يتعدى حرب تأويلٍ بالفعل، ففي الأغنية يعرض توباك قصةً متخيلة عن شابٍ أسود متفحصاً الآثار السايكولوجية للاغتراب والتهميش الذي يتعرض لهما مقاطعاً العرق والعنصرية مع السياسات الاقتصادية والتقشف الذي ميّز حقبة ريغان، وصولاً إلى لحظة انفجاره حين يذكّر الشرطي الذي يضايقه برودني كينغ قبل أن يطلق عليه النار.



لم يكن توباك بطبيعة الحال أول من يجسد حالة رفضٍ كهذه مختزلاً إياها في شخصٍ واحد منفجر، إذ تحضر ملامح شبيهة في أعمالٍ أدبية لم تنل الانتقاد ذاته، رغم أن الأغنية تقدم إطلاق النار كرد فعلٍ وتنشغل بتقديم أسباب ذلك، وتمرّ على كثير من المفاتيح التي تشير إلى همٍّ جمعي، لا مجرد مأساة منفردة، حين تنقل المنظور إلى جوناثان جاكسون، شقيق الناشط الأميركي جورج جاكسون، الذي قُتِل عام 1970 في أثناء احتجازه لرهائن، مطالباً بالإفراج عن أخيه ومن معه من "أخوة سجن سوليداد".

لم يكن ذلك كافياً بالطبع. لذا، وجد توباك نفسه على جبهة قتالٍ مع مستوىً أعلى في المجتمع، وفي ألبومه الثاني Strictly 4 My N.I.G.G.A.Z قدّم توباك قطعة Pac's Theme، التي أدخل فيها تصريح كويل الشهير: "لا مكان لألبومٍ كهذا في مجتمعنا" كـ "سامبل"، وقاطعه مع لحنٍ بسيط وتصريحٍ لتوباك نفسه، وضمّ الألبوم soulja's Revenge التي هاجم فيها الشرطة ومنتقديه على حدٍّ سواء، مستعيداً بعض كلمات الأغنية السابقة كسطر إطلاق النار ورودني كينغ، وصاهراً الخصمين المختلفين عبر الإنتاج في مزيجٍ واحد.
أما Keep Ya Head Up، فلم تتميّز حينها بالتوجه إلى مجتمع توباك نفسه، بل بالالتفات إلى المكون النسوي ضمن هذا المجتمع، وفي نوعٍ فني يُحسب كحيزٍ ذكوري عادةً، فكانت الأغنية تحيةً لوالدته أفيني، التي سُجِنت بسبب انتمائها للفهود السود، وأُطلِق سراحها قبيل ولادة توباك، وكان لها أثر في تشكيل وعيه السياسي، ولاتاشا هارلينس، الفتاة الأميركية السوداء التي قتلت عندما كان عمرها 15 عاماً وكان فشل القضاء في عقاب قاتلتها سبباً في اندلاع احتجاجات لوس أنجلوس، التي كان رودني كينغ وجهها الرسمي.


وفي 1993، العام ذاته الذي أطلق فيه توباك ألبومه الثاني، تصادم توباك مع شخصين يرتديان الزي المدني وتبادل معهما إطلاق النار. وبينما تختلف الروايات حول طبيعة الصدام وسببه وموقع توباك فيه كمراقبٍ، قرّر التدخل بعد مضايقة الرجلين لشابٍ أسود، كما يصف الحادثة الأخ غير الشقيق لتوباك، أو طرفٍ في القصة، فإن الشخصين اللذين اتضح أنهما شرطيان اتُّهما لاحقاً بالاعتداء على توباك الذي وجدته المحكمة في حالة دفاع عن النفس وبُرِّئ من التهم الموجهة إليه.
كانت تلك الحادثة مؤشراً على التصعيد الذي أحسّ به توباك تجاه مقاومة للتمييز والاضطهاد والدفاع عن النفس، مؤكداً هذه التسمية لأنها كانت غالباً ما تختلط مع أخريات متعلقة بقاموس "رجل العصابات".
ورغم أن مسيرة توباك اللاحقة، بعد هذين الألبومين، ستشهد تغيرات وتنويعات في أسلوبه الموسيقي والمواضيع التي يطرحها وحياته الشخصية، إلا أن هذين الألبومين يبقيان حتى اليوم بنقاوتهما ومباشرتهما وقدرتهما على إحداث الصدمة مرجعاً أساسياً في موسيقى الاحتجاج والمناهضة، أينما استلزم الأمر ذلك.

المساهمون