تواطؤ الضحيّة والجلاد في خنق المجتمعات

تواطؤ الضحيّة والجلاد في خنق المجتمعات

30 ابريل 2015
+ الخط -

متلازمة ستوكهولم مصطلحٌ يطلق على الحالة النفسيّة التي تصيب الفرد عندما يتعاون أو يتعاطف مع عدوه أو مع من أساء إليّه بشكل من الأشكال أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المختطِف، أو مثل أن يتعاطف المجلود مع الجلاد وأستطيع أن أزيد في بعض الحالات أنّ المجلود يتعاون مع جلاده ليصل الأخير إلى غايته.

ففي دولة مثل إحدى دولنا القمعية لا يكون النظام مالكاً لشرعيته من أغلبيّة الشعب بل يكون ضاغطاً على المجتمع لمدة طويلة، سورية الأسد وعراق صدام حسين مثلاً، هذا الضغط يساعد أفراد هذه المجتمعات على تطوير علاقات الخوف مع النظام، فبعد أن يكون مجموع أفراد الشعب ضحيّة جماعيّة وفرديّة لرعب النظام وسجونه ومعتقلاته وقسوته، وحين يصل النظام إلى هذه القناعة يبدأ بابتزاز المجتمع، مما يؤدي إلى اعتياد فئات واسعة من الشعب على القمع والذلّ إلى درجة تجعله يخشى من التغيير وإن كان للأفضل فيبقى يدافع عن النظام القمعي ويذكر محاسنه النادرة دون النظر إلى مظاهر القتل والقمع والفساد والظلم الكثيرة جداً وهذه هي حال مؤيدي النظام السوري الحالي أو المترحمين على نظام البعث الصدامي في العراق سابقاً، حيث يكون الدفاع عن النظام القمعي هنا قوياً وشديداً وقد يكون دافعاً لقتل الراغبين بالتغيير كما رأينا في السنوات القليلة الماضية.

قد يتطور الأمر فيصبح تعاوناً عسكرياً على هدف ما، مثلما حدث مع حجي بكر، اسمه الحقيقي سمير محمد عبد الخليفاوي، العقيد في مخابرات سلاح الجو العراقي خلال عهد صدام حسين وعضو المجلس العسكري وأهم استراتيجي لدى تنظيم داعش الإرهابي قبل مقتله في يناير/كانون الثاني عام 2014.

حجي بكر كان عقيداً في مخابرات سلاح الجو، ذلك الجهاز الذي أشرف على تعذيب الكثير من العراقيين بمختلف مشاربهم من الكرد إلى اليساريين وصولاً إلى الإسلاميين خلال حقبة البعث العراقي، ذلك العقيد يتعاون مع أفراد من داعش وكما هو معلوم فإن عدداً غير قليل من عناصر داعش كانوا معتقلين في سجون سورية والعراق قبل الغزو الأميركي وبعده. فكيف يتعاون أولئك الذي تعذبوا في سجون المخابرات العراقية مع عقيد في هذا الجهاز بشكل مباشر وواضح؟

غوطة دمشق هي مثال آخر على التعاون بين الجلاد والضحيّة. بشار الأسد يحاصر غوطة دمشق الشرقيّة بشكل كامل منذ سنتين على الأقل ويقصفها يومياً بشكل جنوني، وعلى الجانب الآخر يحاصر زهران علوش قائد جيش الإسلام الغوطة الشرقيّة عسكرياً وأمنياً وغذائياً، حسب قول الكثير من الناشطين ممن ما زالوا داخل الغوطة الشرقية، وما كانت عملية خطف الناشطين السوريين البارزين الأربعة رزان زيتونة ووائل الحمادة وسميرة الخليل وناظم الحمادي إلا شكلاً آخر من أشكال هذا الحصار.

زهران علوش كان قد أطلق سراحه حين شمله العفو الرئاسي الذي أطلقه بشار الأسد بعد بدء الثورة السورية، في مارس/آذار 2011 فأفرج خلاله عن الكثير من المعتقلين السياسيين تحول البعض منهم إلى قادة المجموعات الإسلامية المتطرفة التي تحارب النظام السوري والحريّة السوريّة على السواء.

علوش كان قد قضى في سجن صيدنايا سنة على الأقل وفي أقبيّة أفرع المخابرات سنة أخرى. يتعاون الآن بشكل غير مباشر، ربما مباشر فنحن لا نعرف مثل هذه التفاصيل، مع النظام السوري على خنق غوطة دمشق وهو ضحيّة نظام الأسد سابقاً.

هذا التعاون بين الجلاد والضحية نراه في أمثلة فردية وجماعية كثيرة مما يدفعنا إلى التساؤل عن سر هذا التعاون وعن الأسباب الكامنة وراءه وعن النتائج المرجوة منه. وهنا نحيل هذا التساؤل إلى المحللين والخبراء النفسيين، فعسى أن نلقى إجابة تساعدنا في دفع الموت عنّ بلادنا.


(سورية)

المساهمون