تهريب الأدوية المخدرة...عقاقير خطيرة تعبر الحدود من تونس للجزائر

تهريب الأدوية المخدرة... عقاقير خطيرة تعبر الحدود من تونس إلى الجزائر

05 مايو 2020
المهرّبون يستغلون سهولة التنقل على الحدود(العربي الجديد)
+ الخط -
 
يرصد نائب رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص في الجزائر، مراد شابونية، تزايد تعاطي الأدوية ذات الخصائص المؤثرة على الحالة العقلية، والمهربة من تونس، وعلى رأسها بريغابالين "PREGABLINE"، المصنف ضمن الأدوية الشبيهة بالمؤثرات العقلية منذ يناير/ كانون الثاني 2019، وبالتالي فإنه يعد من بين المواد المخدرة التي يتناولها من ليسوا في حاجة طبية إليها، وهو ما أيّده نائب رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة، والذي لاحظت نقابته أن اقتناء بريغابالين من قبل الجزائريين منتشر في مناطق وجود الجالية بالعاصمة، وبعض المدن الساحلية والتي أصبحت تعرف طلباً أكثر من غيرها على هذا الدواء، كما يقول لـ"العربي الجديد".

وتعد تونس الوجهة الأقرب للجزائريين، الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة عند دخولها، إذ استقبلت 2.7 مليون سائح في عام 2018، وفق أرقام الديوان الوطني التونسي للسياحة، وهو ما يشكل ضغطاً على الجهات الأمنية العاملة في المعابر الحدودية، بحسب شابونية، مشيراً إلى أن سهولة التنقل بين البلدين جعلت المهربين يُدخلون المؤثرات العقلية من تونس.
 
تفاقم التهريب

صادرت الأجهزة الأمنية الجزائرية 1.970.766 قرصاً مخدراً، و309 قوارير من سوائل الأدوية الشبيهة بالمؤثرات العقلية بمختلف ولايات الجزائر من قبل مصالح المكافحة الثلاث؛ وهي الدرك الوطني والأمن الوطني والجمارك، خلال الأحد عشر شهراً الأولى من عام 2019، وهو ما يعني ارتفاع عدد المحجوزات من المؤثرات العقلية في شكل أقراص بنسبة 33.38% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2018، إذ كانت 1.477.597 قرصاً.

وجرى في نفس الفترة حجز 1.189.914 قرصاً و253 قارورة على الحدود الجزائرية، بزيادة قدرت بنسبة 423.12% للأقراص المصادرة مقارنة مع عام 2018، وفق تقرير صادر عن الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها بعنوان "الحصيلة الإحصائية لـ الأحد عشر شهراً الأولى من عام 2019". وعالجت مصلحة المكافحة 4922 قضية خاصة بالاتجار والتهريب في المؤثرات العقلية، و225 قضية متعلقة بالتهريب الدولي للمؤثرات العقلية، فضلاً عن معالجة 5587 قضية تتعلّق بحيازة واستهلاك المؤثرات العقلية، تورط فيها 7842 مهرباً، ومن بين المتورطين 180 يحملون جنسيات أجنبية و6553 مستهلكاً، و259 شخصاً حجزت بحوزتهم المؤثرات العقلية على الحدود الجزائرية خلال الفترة نفسها، وفق التقرير ذاته، والذي لفت إلى حجز 1.054.755 قرصاً بالولايات الشرقية للجزائر، وهو ما يمثل 53.54 % من إجمالي المحجوزات.




وتعد أدوية "NEUROMED" و"EDGAR PREGABLINE 150 Mg" و"LYDOL PREGABALINE 150M" الأكثر تهريباً، وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" مراد مرموم، المكلف بالإعلام في المديرية الولائية للجمارك بولاية تبسة الحدودية مع تونس.





طرق التهريب

يجرى تهريب المؤثرات العقلية عبر المعابر الحدودية الرسمية بشكل فردي، مثل بوشبكة ورأس العيون والمريج في تبسة، لكن الكمية الكبيرة التي تستهدفها شبكات الاتجار في المواد المخدرة والمهربة تنقل عبر المسالك الجبلية على مستوى الحدود والطرق غير المحروسة التي يتسلل منها المهربون لترويجها في باقي ولايات الجزائر، بحسب مرموم، وهو ما يؤكده عميرة، قائلاً إن "المهربين يعبرون مناطق جبلية وطرقاً غير معبدة عبر الكاف والقصرين وسط غرب تونس مروراً بمسالك غير رسمية في الجبال والغابات على امتداد الحدود المشتركة البالغ طولها 1034 كيلومتراً، وصولاً إلى الجزائر، ما سهل تهريب المؤثرات العقلية من تونس إلى الجزائر".





ويستخدم المهربون طرقاً أخرى، مثل إخفاء تلك الأدوية لدى أشخاص معوَّقين، أو لدى زوجاتهم، كون هذه الفئة قد لا تلفت أنظار الجهات الأمنية والتي قد لا تعمل على تفتيشهم عند المرور بالمناطق الحدودية، بحسب مرموم. ويعمد المهربون إلى إخفاء بضائعهم عند نقلها في أجزاء من مركباتهم، أو في أجسامهم حتى لا يمكن ملاحظتها من قبل الجهات الأمنية، بحسب ما يؤكد ممثل مصالح الجمارك بولاية تبسة الواقعة شرق الجزائر.





ثغرات تسهّل التهريب

يعود سبب تزايد عمليات تهريب الأدوية من تونس إلى الجزائر، ومنها المؤثرات العقلية، إلى وجود العديد من الثغرات في مسالك التوزيع في تونس والتي تتميز بتساهل في بيع الأدوية، وفق عميرة، إلى جانب غياب الشفافية في بيع وترويج بعض الأدوية مثل "بريغابالين" المتوفر بكثرة في السوق، فأصبح المعروض أكثر من حجم الطلب الداخلي، وبالتالي هناك سهولة في شراء تلك الأدوية وترويجها، ما يسمح بوصول المدمنين الجزائريين، الذين يحلون بتونس أو من يتاجرون بالمؤثرات العقلية، إلى هذه الأنواع بسهولة، بحسب يقول.

ويمكن لأي شخص مريض أو غير مريض في تونس، بمجرد زيارة الطبيب والحصول على وصفة، اقتناء الدواء وبالكميات التي يحتاج إليها من صيدليات عدة يزورها في اليوم نفسه، وفق عميرة، وهو ما يحصل في الجزائر أيضاً، إذ يستهجن مراد شابونية تواطؤ بعض الأطباء في إعطاء وصفات تحتوي على أدوية تستعمل كمؤثرات عقلية لأشخاص ليسوا بحاجة إليها.
 
ويتعاطى المدمنون الجزائريون المؤثرات العقلية، التي تكون على شكل أقراص أو سوائل أو حقن، غير أن "بريغابالين" يأتي في صدارة المؤثرات العقلية المهربة من تونس والأكثر طلباً من قبل متعاطي هذه السموم، وفق ما يوضحه مراد شابونية، مؤكداً أن هذا الدواء يتم تداوله في الجزائر تحت اسم "Lyrica" أو"Ricabaline" ويحتوي على 3 جرعات متداولة، هي 50 ميليغراماً، و150 ميليغراماً و300 ميليغرام والتي تعد الأخطر على المدمنين.

ويرتفع سعر ليريكا في السوق السوداء مقارنة بالسعر الأصلي في الصيدليات، إذ يباع بـ3 آلاف دينار جزائري (25 دولاراً أميركياً) للعلبة الواحدة في الصيدليات. كما أنه من بين الأدوية التي يمكن تعويض ثمنها من قبل صندوق الضمان الاجتماعي، لكن في السوق السوداء يبلغ سعر القرص الواحد 700 دينار (حوالي 5.85 دولارات) والعلبة الواحدة بـ 56 ألف دينار (468 دولاراً). ولم يكن هذا الدواء مطلوباً بكثرة في الجزائر قبل 5 سنوات كما يقول شابونية وعميرة الذي حذّر من أن المهربين يقتنون علبة الأدوية المقلدة بكثرة، لأن هامش الربح أوفر فيها، لكنها أخطر صحياً وقد تقتل من يتعاطونها.

وتنص المادة 185 من قانون الصحة الجزائري 11-18 على أنه "يمارس بصفة غير شرعية مهنة الصحة كل من لا يستوفي شروط الممارسة في التشريع والتنظيم المعمول بهما"، و"تعتبر شبيهة بممارسة غير شرعية للمهنة كل عملية بيع الأدوية أو تخزينها أو إيداعها أو عرضها أو توفيرها على الطريق العمومي أو في أماكن غير مرخص بها من قبل الوزير المكلف بالصحة، يقوم بها أي شخص، ولو كان حائزاً شهادة صيدلي"، وفق نص المادة 187 من القانون ذاته.

ويقع مروّجو هذه المواد تحت طائلة العقوبة المنصوص عليها في المادة 416 والتي تنص على أنه "يعاقب كل شخص على الممارسة غير الشرعية لمهن الصحة طبقاً لأحكام المادة 243 من قانون العقوبات"، والتي تنص على أن "كل من استعمل لقباً متصلاً بمهنة منظمة قانوناً أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العمومية شروط منحها أو ادعى لنفسه شيئاً من ذلك بغير أن يستوفي الشروط المفروضة لحملها يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين، وبغرامة من 500 دينار إلى 5 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين".
 
الوضع في تونس

لا يختلف الوضع كثيراً في تونس، إذ أكد الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني التونسي العقيد حسام الجبابلي لـ"العربي الجديد" أنّ عدد الأقراص المخدرة التي تم ضبطها من قبل مصالحه والتي تشمل الأدوية والمؤثرات العقلية منذ بداية شهر يناير/ كانون الثاني إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قد بلغ 34334 قرصاً مخدراً، في حين سجل خلال الفترة نفسها من 2018 نحو 31210 أقراص، وهو ما يعني زيادة في عدد المتاجرة بهذه المهلوسات، مثل ما هو حاصل في الجزائر.

ويمكن وصف ما يجرى في تونس بمواجهة هذه المهلوسات بـ"التراخي"، بحسب ما يرى نقيب الصيادلة نوفل عميرة الذي قال لـ"العربي الجديد" إنه يسهل "الحصول على بريغابالين من داخل الصيدليات بمجرد زيارة الطبيب والحصول على وصفة وبالكميات التي يريدها من يرغب في الشراء من عدة صيدليات يزورها في اليوم نفسه، خاصة أن الدواء متوفر في الصيدليات التونسية لأن رُخَص ترويجه متعددة، إذ يوجد 8 منتجين تونسيين يصنعونه". ويلفت إلى أنه يوجد صنفان من الدواء في تونس، أحدهما مستورد من أميركا ويصل سعره إلى 156 ديناراً (52 دولاراً) للعلبة الواحدة والتي تضم 56 حبة والآخر تباع العلبة منه بـ90 ديناراً (32 دولاراً)"، وهو سعر يسهّل تهريبه إلى الجزائر نظراً للمكاسب الكبيرة المنتظرة، كما يؤكد عميرة، قائلاً إنه "في ظل غياب منظومة معلوماتية موحدة بين الصيدليات، لا يمكن التفطن لمثل هذه الثغرات الموجودة، ومن الضروري الحد من رخص تصنيع هذا الدواء والتوقف عن منح المزيد من الرخص للمصنعين".

ولفت عميرة إلى أنّ إدارة التفقد الصيدلي التابعة لوزارة الصحة التونسية فتحت منذ نحو 6 أشهر تحقيقاً حول بعض الكميات التي وزعت من الدواء، وهناك تحقيقات شملت عدداً من الصيادلة، وأحيلت الملفات على القضاء للتحقيق فيها في محاولة لوقف تسريب تلك الأدوية الخطرة إلى المدمنين.