تهديدات بالقتل لإسكات صحافيي السويد

تهديدات بالقتل لإسكات صحافيي السويد

26 ابريل 2017
الخوف يلاحق الصحافيين (فرانس برس)
+ الخط -
عادةً ما يردد البعض مقولة "وهل تظنَّنا في اسكندنافيا؟"، وأحياناً، تُذكر السويد باعتبارها بلد الحريات. لكن، شيئاً فشيئاً، باتت السويد، وإلى حدٍّ ما جارتها الدنمارك، تعيش وضعاً غير صحيٍّ للصحافيين وكتاب الأعمدة. 
فالصحافيون باتوا يعيشون تحت واقع "التهديد المنظّم لإسكاتهم". تلك نتيجةٌ خلصت إليها تقارير بحثيّة على مدى عام كامل. ووفقاً لبحث أعِدّ لمصلحة "الأخبار الثقافية" (كولتورنيهيتيرنا) في التلفزيون السويدي، فإنّ "التهديدات والمضايقات وبثّ الكراهية ضد الصحافيين على شبكة الإنترنت، في تزايد". وذلك ما تذكره أيضًا خمس من كبريات وسائل الإعلام في البحث الذي أعدّ، فتقول إنّ "تلك مسألة يبدو أنها مدبرة وموجهة في وسائل الإعلام الاجتماعية لإسكات أيّة محاولة لتنقيح كراهيّة الأجانب".


منذ سنوات، تقوم السويد بتنقيح لغتها وخطابها الإعلامي والأدبي من المفردات الدالة على أية تلميحات عنصريّة، أو أية إشاراتٍ تحطّ من قيمة الأعراق والثقافات الأخرى حول العالم.
واتُّهمت السويد مرارًا، خصوصاً من المتطرفين، بأنها "باتت تعمل على تقييد الحريات بمراجعتها الثقافية والسياسيّة، حتى في المفردات الأدبية في المطبوعات القديمة، والإنتاج الأدبي المرئي والمكتوب".

ويرى المختصون بالمشهد الصحافي السويدي أنّ التهديدات والمضايقات "باتت تفرض لغةً أخرى على البعض". فلم يعد يجرؤ جميع الباحثين والصحافيين كتابة أسمائهم الصريحة. ويلجأ هؤلاء الذين يتحدثون عن قضايا تثير الرأي العام إلى إخفاء هويتهم الأصلية.

تلك النتيجة، خرج بها تقرير التلفزيون السويدي، الأسبوع الماضي. أما الصحافيون الذين يعملون في خمس من الوسائل السويدية المشاركة، هي: القناة السويدية "اس تي في" وصحف "اكسبرسن" و"داغنيهتر" و"غوتيبورغ بوستن" و"أفتونبلاديت"، فلا يزالون يتعرضون لمضايقات وتهديدات، بينما وصلت 6 في المائة فقط من القضايا، على مدى عام، إلى الملاحقة القانونية.


انتشار التردد
في مؤشرٍ خطيرٍ على نتائج التهديدات على شبكات التواصل بحق الصحافيين والباحثين وكتاب الأعمدة، ذهب مركز البحوث الدفاعية السويدي (إف أي أو) لنشر تقريره عن انتشار "رسائل الكراهية والتطرف العنيف في البيئات الرقمية"، من دون الإشارة حتى إلى معدّيه، كما يفعل عادةً، خوفاً من الانتقام.

وبرر المدير العام لمركز البحوث، أولُف ليند، ذلك بالقول للقناة السويدية إن ذلك "يستند على انتشار حالة قلق بين المحللين بسبب تعرّضهم لتهديدات وحملات كراهية على وسائل التواصل، ما يؤثر على بيئة عملهم. ومهمتنا حماية موظفينا".


في المقابل، ينتقد الباحث والبروفسور في جامعة استوكهولم، ستافان كارلشامري، ذهاب البعض، بمن فيهم مراكز بحثية، إلى عدم ذكر الأسماء، باعتبار الأمر "رضوخاً، وهؤلاء
سيقولون: حسناً لقد حصلنا على ما نريد".

ويشير تقرير البحث الذي أجرته "أخبار الثقافة" في القناة التلفزيونية الأولى إلى أنّ آثار التهديدات "يمكن تلمّسها في تجنب البعض التطرق لمواضيع حساسة بالنقد. فنسبة 70 في المائة من كتاب الأعمدة النساء يفكرن في الاستقالة من الصحافة بعد التعرض للمضايقات التي وصلت إلى منازلهن بسبب استعراضهن للبيئات المعادية للأجانب والديانات".

خلال أسبوع من الجدل الذي صدم الرأي العام في السويد، دخل اتحاد الصحافيين السويديين (SJF) على الخط، من خلال رئيسه يوناس نوردلينغ، الذي اعتبر أن هذه المضايقات والتهديدات "يمكن أن تؤدي بالصحافيين والكتاب إلى ممارسة رقابة ذاتية". وأضاف "التقنيات الرقمية زادت من التهديدات. في السابق كان المرء يتلقى تهديدًا مكتوباً بخط اليد، بينما اليوم تصل مئات الرسائل الإلكترونية، ما يجعل الأمر تحدياً كبيراً، فهذا هو الوجه الآخر لعالم الرقميات".

وأكد رئيس اتحاد الصحافيين السويديين أن "الاتحاد يأخذ على عاتقه حماية الصحافيين وحريتهم في العمل رغم التحديات الكبيرة. فقبل 15 سنة لم نكن نتحدث عن هذا الأمر بهذا الانفتاح، واتحادنا يعمل لمواجهة تلك المشاكل".
ورأى نوردلينغ أنّ ما يجري "أمر منظم وموجه لضرب الديمقراطية"، واعتبر أن ذلك هجوم على حرية الكلمة.

فيما تذهب تقارير أخرى للإشارة المباشرة إلى "بيئة اليمين المتشدد في خوض هذا النوع من التهديد والإهانات اليومية بحق الكتاب والصحافيين".

وكان تقرير صادر عن الاتحاد قبل نحو عام، قد أشار إلى أنه خلال 12 شهرًا "بقيت التهديدات ضد الصحافيين عالية المستوى. فحوالي 30 بالمائة تعرضوا لتهديد مباشر، وثلثا الصحافيين في الصحف المطبوعة وردتهم تعليقات مهينة".

ووفقاً لاستطلاع قام به الاتحاد بين الصحافيين، تبيّن أن "أكثر من النصف (54 بالمائة) في الصحف المطبوعة تلقوا تهديدًا ما، وثمانية من كل عشرة (78 بالمائة) وردتهم تعليقات مهينة". ويبرز أيضًا أن "كُتاب الأعمدة والصحافيين الذين يبرزون بتقاريرهم وكتاباتهم هم
الأكثر عرضة لتلميح بالتهديد وتعليقات مهينة بنسبة 85 بالمائة".

وفي مقارنة للعام 2016 بالعام 2013، يتضح بحسب اتحاد الصحافيين، أن زيادة واضحة في مستويات التهديدات والتعليقات المهينة جدا "ربما بسبب زيادة الجرأة في كتابة المواضيع المثيرة في المجتمع". تلك التهديدات نجم عنها، وفقًا للاتحاد أيضاً، عزوف بعض الصحافيين عن التطرق ورصد بعض الأمور. بينما فكر 16 بالمائة في ترك المهنة. وبنتيجة التحولات في بيئة العمل "فإن البعض بات يعمل بنظام الرقابة الذاتية، وأجرى البعض تغييرا على أسلوب حياتهم".


تهديد بالقتل
التهديدات التي باتت تطاول الصحافيين في السويد تشير إلى أنه في الشهر الأخير فقط (مارس/آذار 2017) "تلقى البعض تهديدات بالقتل، والبعض الآخر جرى وضع عنوانه على الشبكة، ما أدى إلى تعرضهم لمضايقات في منازلهم، خصوصًا هؤلاء الذين كانوا يحققون في تفشي
الكراهية على الشبكة".

وبحسب ما ذهب إليه رئيس تحرير صحيفة "إكسبرسن"، توماس ماتسون، فإن "التهديدات بلا شك تتزايد، ليس فقط ضد الصحافيين بل أصبح يطاول أسرهم".

ويبدو أن دخول الأجهزة الأمنية ووزارة الثقافة ووسائل الإعلام على الخط لم يكبح التهديدات المتزايدة. فمعظم القضايا لا تنتهي بملاحقة قانونية، حيث يرد العجز إلى أن "التقنيات الحديثة باتت تمكن من التخفي أكثر. وتعجز الشرطة عن الوصول إلى كل هؤلاء".

بيد أن الصحافية ليزا روستلوند، من صحيفة "أفتونبلاديت"، تعيش اليوم مهددةً بالموت. وبالرغم من أنها تلاحق في المحاكم واحدًا من الذين هددوها (سيصدر الحكم في بداية شهر مايو/أيار) إلا أن حالات أخرى لم تلاحق.

وكانت صحيفة "إكسبرسن"، في بداية مارس/آذار، اختارت المواجهة بنشر اسم شخص يقف خلف عدد من التهديدات، وهو من البيئة المتشددة النازية المسماة "المقاومة بالشمال". وبعد نشر الاسم حضر شخصان من ذات البيئة المتطرفة إلى سكن صحافي في الجريدة وسكن رئيس
التحرير ماتسون.

أساليب التهديد والترهيب المتبعة مع الصحافيين والكتاب، الذين يتعرضون لبيئة التطرف والتشدد، خصوصًا النازية الجديدة، تصل إلى حد إشعار الصحافيين، خصوصاً النساء، بأنهم مراقبون. وفي حالات أخرى يقوم أشخاص بالاتصال على هواتف أبناء الصحافيين، كما حدث للصحافية اليسارية من "غوتيبورغ بوستن"، مالين ليرنفليت، حيث أجرى أحدهم اتصالا على هاتف ابنتها البالغة 8 أعوام، بعد أن اتخذت والدتها الاحتياطات لحماية أسرتها. وفي النهاية، كانت مضطرة لتبديل سكنها إلى عنوان سري.

في العموم، فإن أغلب أصابع الاتهام توجه إلى بيئة اليمين المتطرف في استهداف الصحافيين السويديين. فهؤلاء، خصوصًا الحركات النازية الجديدة، يرون أن "الصحافة تحاول منع وصول الحقيقة إلى الشعب". وهم يكنّون العداء للصحافيين الذين يتابعون ما يصدر عن تلك الجماعات ويقدمون تفنيدا لما يجيء فيها. ووفقًا للصحافيين أنفسهم، فإنّ ذلك يثير حنق وغضب تلك البيئة التي باتت أكثر جرأة في التعرض لحياتهم وحياة أسرهم.


المساهمون