تهجير قسري من "مثلث ماسبيرو"

تهجير قسري من "مثلث ماسبيرو"

01 يوليو 2017
مصيرهم ليس معروفاً بعد (كريس ماكراث/ Getty)
+ الخط -
يواجه سكّان "مثلّث ماسبيرو" في منطقة بولاق أبو العلا في وسط القاهرة، ضغوطاً شديدة بعد انتهاء إجازة عيد الفطر بسبب إجبارهم على إخلاء بيوتهم. وتعزو وزارة الإسكان الأمر إلى رغبة في تطوير تلك المنطقة، الواقعة ما بين ماسبيرو (مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون)، وكورنيش النيل وميدان عبد المنعم رياض. وتعمل الوزارة على مساومة الأهالي على مغادرة منازلهم في مقابل الحصول على مبالغ زهيدة، أو تسكينهم في عشوائيات غير مجهزة، لتبيع تلك المنطقة لمستثمرين كونها مطمعاً لرجال الأعمال الذين يرغبون في بناء فنادق عليها أو وحدات سكنية باهظة الثمن.

وفي وقت سابق، أعرب السكّان عن غضبهم من البدائل المطروحة للموافقة على مشروع الحكومة وترك مساكنهم، مؤكّدين أنّ ضغوط الحكومة تُعد "تهجيراً قسريّاً"، إذ يُجبرون على ترك منازلهم التي عاشوا فيها مئات السنين، في مقابل تعويض مادي قيمته 60 ألف جنيه (نحو ثلاثة آلاف و300 دولار) في مقابل كل غرفة، علماً أنّ قيمة تلك الأراضي تُقدر بالمليارات، ويصل سعر المتر إلى أكثر من 100 ألف جنيه (نحو 5500 دولار)، إذ إنها من المناطق الاستراتيجية الواقعة في قلب العاصمة، ويطلق عليها البعض "المنطقة الذهبية" بسبب موقعها الجغرافي، ويحيط بها مبنى وزارة الخارجية والقنصلية الإيطالية ومبنى الإذاعة والتلفزيون وعدد من الفنادق والمصارف وغيرها. حالياً، تمارس الحكومة المصريّة ضغوطاً على السكان لتركها، وتسعى إلى قطع كل الخدمات عن سكان تلك المنطقة من كهرباء وغاز لإجبارهم على ترك مساكنهم طواعية، والرضوخ لكلّ مطالب الحكومة، كما حدث من قبل في منطقة "تل العقارب" في حي السيدة زينب في القاهرة.

وتصل مساحة مثلّث ماسبيرو إلى 72 فداناً، ومساحة المنطقة العشوائية إلى 49 فداناً، وتقطنها آلاف الأسر. والخطّة الرئيسية هي إقامة مساكن مميزة على الأرض بسبب موقعها الجغرافي، وأنشطة سياحية وترفيهية من خلال إنشاء عدد من الفنادق والأندية الترفيهية، فضلاً عن إقامة مبانٍ إدارية، وصالات عرض ومتاحف، ومناطق خضراء، ومواقف للسيّارات وغيرها.
ويعرب أهالي المنطقة عن رغبتهم في البقاء في مثلّث ماسبيرو بعد تطويرها، على أن ينتقلوا إلى سكن مؤقت لمدة ثلاث سنوات إلى حين الانتهاء من المشروع. ويطالب هؤلاء بنقلهم مؤقّتاً إلى مساكن مطار إمبابة في محافظة الجيزة، باعتبار أن تلك المنطقة جاهزة حالياً، وهي الأقرب إلى أعمالهم ومصالحهم الخاصة. إلّا أن الحكومة ترفض الأمر بحجّة أنّها خارج نطاق محافظة القاهرة، وتصر على نقلهم إلى مدينة النهضة أو حي الأسمرات كونهما داخل نطاق حيّز القاهرة. إلا أن الأهالي رفضوا الأمر بسبب بُعدها عن مقار عملهم، وهو ما جعلهم يشعرون بالقلق من عدم التزام الحكومة بعودتهم مرة أخرى.



في هذا الإطار، رفضت آلاف العائلات التوقيع على أية أوراق بسبب عدم قبول الخيارات التي تطرحها الحكومة، سواء التعويض المادي أو السكن البديل أو العودة مرة أخرى إلى المنطقة بعد تطويرها، كما تزعم الحكومة. ويؤكد عضو رابطة أهالي منطقة مثلث ماسبيرو، أحمد عبد السلام أنّ "الأهالي يشعرون بالقلق بسبب وعود الحكومة الزائفة ورغبتها في الاستيلاء على تلك المنطقة فقط"، موضحاً أنّ السكان أبدوا رغبة في العودة إلى المنطقة بعد تطويرها والانتقال إلى سكن مؤقت. وعرضت الحكومة الانتقال إلى مساكن مؤقتة في بدر أو السلام أو حي الأسمرات، وهي أماكن بعيدة عن مقار أعمالهم، مشيراً إلى أن الأهالي طلبوا الحصول على سكن مؤقت في مساكن مطار إمبابة في الجيزة، والالتزام بإخلاء هذه الوحدات بعد انتهاء تطوير مثلث ماسبيرو وتسليمها بحالتها الأولى، وهو ما ترفضه الحكومة بدعوى أن المساكن تابعة لمحافظة الجيزة، ومخصصة لأهالي مطار إمبابة فقط.

ويلفت عبد السلام إلى وجود "خطط خبيثة" من قبل الحكومة ضد سكان مثلّث ماسبيرو، كونهم غلابة ويعيشون تحت خط الفقر. يضيف أن الحكومة ترغب، في حال تسليم شقق للأهالي مساحتها 60 متراً، في عدم توريث الوحدة السكنية بعد وفاة الأب أو الأم، فضلاً عن عدم القدرة على بيعها في وقت لاحق.

ويقول أحد سكّان المنطقة، ويدعى علاء محمد، إنّ الحكومة ترفض إجراء أي "تنكيس" للوحدات العقارية في تلك المنطقة، بهدف إجبار المواطنين على استلام الوحدات التي تحددها المحافظة في مناطق نائية. أمّا أحمد عبد الله، وهو صاحب ورشة، فيوضح أن الحكومة تريد إجبارنا على الخروج من بيوتنا "عنوة"، لاستثمار تلك المنطقة في مشاريع ضخمة من دون دراسة أوضاعنا الاقتصادية الصعبة. يضيف أنّنا "تربّينا في تلك المنطقة، حيث مدارس أولادنا وأعمالنا". ويسأل: "أين نذهب؟". يضيف أن "ظروفنا الصعبة لن تدفعنا إلى ترك بيوتنا". فيما يرى محمد عبده أن الدولة التي تحترم المواطن يجب أن تسأله عن رأيه، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بمصير حياته، "الأمر الذي لم يتحقق مع حكومتنا الموقرة".

دلالات