تمثال الحرية وصراع الأنا

تمثال الحرية وصراع الأنا

19 مارس 2017
+ الخط -
أن يخرج عشرات الآلاف من الغاضبين الرافضين لرئاسته في ليلة تنصيبه على كرسي الإدارة الإميركية، فهذا ما لم نقرأ عنه في تاريخ الولايات المتحدة منذ جورج واشنطن 1732 إلى السيد أوباما 2016. لا أحد يختلف على أن كل رؤساء الولايات المتحدة اتفقوا على البدايات واختلفوا في النهايات. اتفقوا في يوم تنصيبهم، واختلفوا في يوم وداعهم. ففي يوم تنصيبهم، نالوا تصفيق الغالبية العظمى، ومن لم يصفق فقد اكتفى بالمشاهدة. بعضهم كانوا أبطالاً، أنقذوا الولايات المتحدة من كوارث شاملة. بينما كان آخرون هم أنفسهم الكارثة، فجُلهم كانت بداياتهم تحفل بشعبية كبيرة، أثناء مسيرتهم وبأدائهم وإنجزاتهم. بعضهم استطاع أن يزيد من رصيده، وبعضهم بدأ عالياً، ثم ما لبث أن طويت صفحته بما حفلت من إخفاقات.

الولايات المتحدة التي تتّخذ من تمثال الحرية إلهاً تقدّسه بأفكارها، هي من انتخبت السيد أوباما. وقتها، أيقن العالم أنّها طلقت التمييز والعنصرية طلاقاً بشكلٍ لا رجعة فيه. ولكن، حين اعتلى السيد، دونالد ترامب، إدارتها، عادت العنصرية بوجهها القبيح، تطلُّ من نوافذ قراراته في انتكاسةٍ خطيرةٍ.

وبين طلاق العنصرية بإطلالة السيد أوباما، والانتكاسة بعودة السيد دونالد ترامب، يتبيّن لنا أن المجتمع والحضارة الأميركيين في خطر.

فلأول مرة في التاريخ الأميركي، يأتي رئيس جديدٌ والضمير الأميركي مُنقسِمٌ حول سياساته. بل هناك ولايات تُهدّد بالانفصال. وبدلاً من لملمة ثقة الشعب الأميركي على سياسته، نجده كل يوم يصر على زيادة الانقسام، بانتهاحه سياسة ملؤها العنصرية التي تفوح منها رائحة الكراهية، مُخالفاً الدستور الأميريكي، والقيم الإنسانية، بل لا نذهب بعيداً، إذا ما قلنا بأنّه يخالف الفكرة القيّمة التي قامت عليها الولايات المتحدة ذاتها، ومن ثمّ يهدم جوهر وعقل ما تبقى من ضمير الأمة الأميركة الذي بدأ يتآكل بفعل تسونامي التمحور حول القومية "فكرة الأنا" الذي بدأ يغزو العقل الغربي. وبدا ذلك جلياً حين ابتعدت بريطانيا عن شركائها الأوروبيين، وقد تلحق بها شعوبٌ أخرى.

السيد ترامب يستحق "أوسكار" أكثر الرؤساء الولايات المتحدة إثارة للجدل بين مؤيديه قبل معارضيه، نتيجة سياسته المشبعة بمنطق الغطرسة والربح من دون خسارة، كتاجر سلاح لا يصاحب ولا يصادق إلا من سيجني من ورائه مزيداً من الدولارات.