تلميذ يلعب بعقل مدير المدرسة والمعلمين

تلميذ يلعب بعقل مدير المدرسة والمعلمين

12 يونيو 2020
+ الخط -
الحكاية التي رواها الأستاذ كمال عن شخصية الممرض سلمون حازت على إعجاب الحاضرين والحاضرات في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" السابقة. يبدو أن لشخصية سلمون جاذبية خاصة، فهو، يكذب بطريقة ملتبسة.. منظره لا يوحي بالذكاء أو الخبث، ومع ذلك تدل تصرفاته على تمتعه بخيال واسع.

أم الجود: أنا بدي إسأل الأستاذ كمال. أيش صار مع أبو سلمون؟ تزوج أم حمودة ولا ما تزوجها؟

كمال: سلمون كذب على والده مرتين، وكل كذبة كانت تخلي الأب يتورط ويروح على بيت أم حمودة ويدق الباب، ويسألها إذا هيي موافقة تتزوجه، وفي المرتين كانت تصرخ بوجهه، وتقله: حل عني أحسن لك. أصلاً أبو سلمون ما كان مفكر يتزوج لولا القصة المفبركة اللي روى له إياها سلمون لما قال له إنه سمع أم حمودة عم تحكي عن حبها إلُه واستعدادها للزواج منه. لكن الفصل اللي صار مع سلمون تاني يوم في المدرسة أحلى من هادا الفصل بكتير.

أبو محمد: عن جد صار معه فصل ظريف؟ طيب أيش مستني؟ تفضل إحكي لنا.

كمال: تاني يوم راح سلمون ع المدرسة في تمام الساعة تمانية حسب الأصول. ولما وصل عند باب المدرسة التقى برفيقه المتشرد "جودلي".. لما جودلي شاف سلمون شايل الشنطة ومتجه ع المدرسة صار يضحك، وقال له:

- مو عيب عليك ولاك سلمون؟ مو عيب عليك تضيّع وقتك ومستقبلك بالمدارس والحكي الفاضي؟ تعال معي حتى ناكل شعيبيات. 

سلمون: أنا ما معي مصاري إشتري شعيبيات. أبوي ما عطاني خرجية لأنه مبارحة كان عرسه على جارتنا أم حمودة، ومانُه فاضي. وحتى لو كان فاضي هوي ما بقي معه ولا فرنك. هاي أم حمودة اللي تزوجها كتير طماعة، الله وكيلك أخدت منه كل المصاري، وخلته يقعد ع الحديدة.

جودلي: وأنا كمان ما معي مصاري. بس مو مشكلة، هلق منوقف جنب العربانة تبع أبو عزو، وإنته بتحكي معه بشي سالفة، وأنا بسرق قرصين شعيبيات، واحد إلي وواحد إلك. اتفقنا؟

سلمون: اتفقنا.

ضحك أبو الجود وقال لكمال: سلمون مساير، حتى إذا بتقله تعال نسرق خزينة البنك المركزي ما بيقول لأ.

كمال: المهم، اتفقوا سلمون وجودلي، وراحوا، ونفذوا الخطة، لكن أبو عزو كشف اللعبة، ولما جودلي شال القرصين وهرب ولحقه سلمون ركض وراهم وصار يضربهم بالقشاط وهوي عم يصيح (حرامية حرامية)، وهني استمروا بالركض لحتى صاروا بعاد عنه، وقعدوا وأكلوا شعيبيات، وانصرفوا. هون السيد سلمون وقع بمشكلة عويصة، اللي هيي إنه كيف بده يدخل عَ المدرسة؟ لأنه الآذن أبو نمر بالعادة بيسكر الباب بعد الساعة تمانية الصبح. فكر شوي، وما لقى قدامه غير إنه يتعربش على سور المدرسة ويقفز لتحت. وهادا اللي صار، ولما وقع لتحت كان المدير أبو فاروق موجود، فارتعب وقال له:

- له يا إبني له. ليش ما دخلت من الباب؟ هيك بتئذي حالك.

وإجا الآذن أبو نمر، وأخد سلمون ع الإدارة، وسأله إذا كان في جرح أو رض بيحتاج لتضميد، بوقتها ضحك سلوم وقال للآذن:

- لا تخاف حجي، أنا ضد الكسر.

وبلش أبو فاروق يحقق مع سلمون، ويسأله عن سبب تأخره عن الدوام، ووعده إنه إذا حكى له أيش صار معه بدون كذب راح يعفي عنه. فقال سلمون:

- يا أستاذ أنا بطبيعة الحال ما بحكي إلا الصدق. لكن الشي اللي صار أكبر مني بكتير.

أبو فاروق (متلهفاً): أشو اللي صار؟

سلمون: يا أستاذ هادا أبوي من يوم توفت والدتي وهوي عم يدور على عروس، وكلما دلوه على وحدة أرملة بيروح بيخطبها، فإذا ما رضيت فيه بيرجع ع البيت معصب، وبيضربني بالقشاط. يا أستاذ أنا أشو ذنبي إذا هيي ما رضيت فيه؟ يعني أنا اللي رحت لعندها وقلت لها (لا تتزوجي أبوي)؟

تأثر أبو فاروق وقال: أستغفر الله العظيم. أكيد إنته ما إلك ذنب. الله يسامحه على هالعقلية.

سلمون: ومن كم يوم، توفق أبوي بمَرَا كتير مناسبة إله، هيي ميت جوزها، وهوي ميتة زوجته، يعني طنجرة ولقيت غطاها. وأنا هالمرة ما أكلت قتلة بالقشاط، بتعرف ليش؟

أبو فاروق: لأنها وافقت تتزوجه. صح؟

سلمون: صح مية بالمية. والله يا أستاذ إنته ما في أذكى منك، منشان هيك حطوك مدير للمدرسة. المهم وافقت الأرملة ع الزواج، وأبوي كتب كتابه عليها، والبارحة قرابين العروس ركبوها بالسيارة وطلعوا، عملوا لها (دورة العروس)، ولما وصلوا السيارات عالبيت طلع أبوي لحتى يستقبل عروسته قام زحط ووقع ع الأرض، شالوه وأخدوه عالمستشفى، فحصه الدكتور عبد السلام قال لهم حالته خطرة دخلوه ع العملية. بلا طول سيرة يا أستاذ أبو فاروق جَبّروا إيده وعلقوها برقبته وجابوه عالبيت. قامت العروس حردت. قالت لأهلها أنا لما خطبني هادا الزلمة أبو سلمون كان صاغ سليم، هلق صار مكسور، أنا ما باخده! ورجعت على بيتها. قام أبوي شال القشاط بإيده الصاغ وصار يضربني. بالله عليك يا أستاذ أنا أيش ذنبي حتى يضربني؟ هوي زحط ووقع، لو كان إنسان عاقل كان مشي ع الأرض بهدوء، صح ولا لأ؟

الحاضرون في سهرة الإمتاع والمؤانسة ذهلوا، وقال أبو جهاد:

- وعن جد أبو سلمون انكسرت إيده؟

كمال: المدير أبو فاروق متل أبو جهاد، صَدَّق الحكاية اللي رواها سلمون، وتعاطف مع أبو سلمون، وعمل اجتماع للمعلمين.. وبعد الانصراف من المدرسة اشتروا هدية وراحوا على بيت أبو سلمون، دقوا الباب ما حدا رد. وبعد شوي أجا أبو سلمون وحاطط على كتفه المعول، وصار يقول:

- أهلين بالشباب. تفضلوا.

المدير والمعلمين لما شافوا إنه إيد أبو سلمون مو مكسورة عرفوا إنه سلمون كذب عليهم. وصاروا يضحكوا، وهمس المعلم عبد الجبار لزميله المعلم خالد:

- في مَثَل شعبي بيقول (جدي لعب بعقل تيس)، هادا المتل لازم يعدلوه ويصير: الجدي سلمون لعب بعقل تيوس الطاقم التعليمي كله!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...