تلميح إسرائيلي إلى تورّط "الموساد" في اغتيال التونسي الزواري

تلميح إسرائيلي إلى تورّط "الموساد" في اغتيال التونسي الزواري

18 ديسمبر 2016
ترجيح أن الاغتيال تم بقرار سياسي (غالي تيبو/فرانس برس)
+ الخط -

للصحف الإسرائيلية طريقة خاصة في تغطية العمليات والغارات التي تنفذها دولة الاحتلال في الأراضي العربية، فهي من باب عدم خرق أمر الرقابة العسكرية، وعدم الاعتراف الرسمي بالدور الإسرائيلي في هذه العمليات، تعمد إلى استعمال عبارات مثل "وفق تقارير أجنبية" أو "إذا كانت إسرائيل هي الفاعلة حقا"، ولم تشذّ الصحف الإسرائيلية، اليوم الأحد، عن هذه القاعدة في تغطيتها لعملية اغتيال العضو في "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس"، المهندس التونسي محمد الزواري.

وفي السياق، أطلق المراسل والصحافي الإسرائيلي المعروف بتخصصه في نشاط أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والغربية، رونين بيرغمان، تصريحات مثيرة فيما يتصل بعملية اغتيال الزواري على خلفية تخصصه في بناء طائرات بدون طيار وعلاقته بـ"حماس"، حيث أكد أنه "ليس كل ما ينشر في الصحف التونسية عن مسؤولية "الموساد" غير صحيح"، في اعتراف شبه صريح بدور إسرائيلي في العملية خلال حديثه للقناة الإسرائيلية الثانية، صباح اليوم الأحد.

ونشر بيرغمان، أيضا، تحليلا خاصا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" حول العملية، أرفق بصورة كبيرة لرئيس "الموساد"، يوسي كوهين، تحت عنوان: "العملية الأولى". 

وكشف التقرير، لأول مرة، عما وصفه بـ"عقيدة كوهين في إدارة الموساد"، استنادا إلى كلمته أمام عملاء الجهاز عند تسلّم منصبه، والتي أكد فيها أن "اسم اللعبة هو المعركة، ووظيفتنا هي حرمان العدو من قدراته الاستراتيجية، التي من شأنها أن تضربنا في المستقبل، وأن تضرب مواطني إسرائيل. عند الحاجة يجب تصفيتهم، ولكن فقط إذا كان هذا جزءا من عقيدة شاملة تتضمن وسائل كثيرة".

وانطلق بيرغمان، في تحليله، باستخدام عبارة "إذ كان الموساد فعلا هو من نفذ العملية في تونس"، ليؤكد "نحن أمام أول عملية اغتيال ينفذها الجهاز منذ تولي كوهين مهام منصبه رئيسا له، وقد تكون العملية الثانية"، في إشارة إلى اغتيال عمر النايف من "الجبهة الشعبية"، والذي لقي حتفه في ظروف غامضة في بلغاريا.

ويفضح ما صرّح به بيرغمان تورّط الموساد في عملية الاغتيال، لكن بدون تأكيد رسمي من الجهاز، والذي يستمر في انتهاج سياسة الضبابية، التي تغذي "أسطورة الموساد" وقوته. 

ولا يخفي بيرغمان ذلك، إذ يضيف قائلا بعبارة الشرط نفسها مرة أخرى: "إذا كانت إسرائيل حقا هي التي تقف وراء العملية، فإن هذا هو الوجه العلني والهادر لجهد استخباراتي شارك فيه، على ما يبدو، عشرات عملاء الاستخبارات والعمليات الميدانية للموساد والشاباك والاستخبارات العسكرية "أمان". ويمكن الافتراض أنهم رصدوه منذ سنوات كشريك في جهود "حماس" و"حزب الله" لتطوير أسلحة متطورة".

وإمعاناً في أسلوب تأكيد دور الموساد، مع الإبقاء على عامل التشكيك، يضيف بيرغمان أنه إذا كانت إسرائيل هي من نفذت العمل فإن رجال الموساد عرضوا على نتنياهو، الخائب الأمل من عمليات في مواقع بعيدة (تجرية اغتيال المبحوح، ومحاولة اغتيال خالد مشعل) خطة أقنعته، ليس فقط في تفاصيل العملية، وإنما أيضا بخطة هروب وخروج منفذي العملية من الأراضي التونسية، ويمكن الافتراض بالتالي أن المعتقلين في تونس حاليا ليس لهم علاقة بالعملية وسيتم إطلاق سراحهم قريبا. ​

ولفت الخبير ذاته إلى أن "تنفيذ عملية كهذه في تونس البعيدة، واستهداف شخص يفترض أنه يعلم أنه معرّض لنوع ما من الخطر، وفي عالم تملؤه الكاميرات والمنظومات البيومترية، هي عملية خطيرة للغاية، ويجب أن تتم فقط لاستهداف شخص ذي أهمية من النوع الذي يساهم إبعاده عن رقعة الشطرنج في إلحاق ضرر كبير بالخصم، ناهيك عن الفائدة المتحصلة للموساد في تكريس صورته كجهاز قوي".



وأضاف أن "الأهم من ذلك، وإن بدرجة لا تقل عن عملية التصفية، هو الرسالة التي تحملها العملية للخصوم، ومفادها أعداء إسرائيل أينما كانوا سيتم العثور عليهم وقتلهم".

ووفاء لروح عبارة "إذا كانت إسرائيل حقا هي التي تقف وراء العملية"، كتب مراسل "يسرائيل هيوم"، بوعز بيسموط، تحت عنوان: "ليعلم كل إرهابي في العالم: لا يوجد مكان آمن للإرهابيين"، أن "اغتيال التونسي الزواري يؤشر إلى انتعاش الموساد واسترداده عافيته بعد الحرج الذي لحق به بفعل عملية اغتيال محمود المبحوح، الذي كان ضالعا بشكل شخصي في تهريب الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة".

وبحسب بيسموط، الذي عمل في سنوات التسعينيات سفيرا لتل أبيب في موريتانيا، فإن "عملية التصفية الحالية تشير إلى أن حركة "حماس" تسعى لاعتلاء الأجواء، ولكن بطريقة محدودة للغاية، فالوسائل التي عمل الزواري على تطويرها لا تشكل خطرا وجوديا على بقاء إسرائيل. ويمكن الافتراض بفعل العملية أن "حماس" بدأت تفتش عن طرق إضافية لضرب الإسرائيليين"، زاعما أن "الإحباط في صفوف الحركة كبير، وهو سيزداد بعد هذه العملية".

وشدد مراسل "يسرائيل هيوم" على أن "إسرائيل، طبعا، لن تعترف أبدا بأنها هي التي تقف وراء العملية، وقد تعلمنا مع الزمن والتجربة أنه ليست هناك حاجة بالضرورة لتصديق رسمي كي نفهم من يقف وراء عملية التصفية".

في المقابل، حرص المراسل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، على ألا يتجاوز حدود تعبير من قبيل "وفق تقارير أجنبية"، لكنه مع ذلك خلص في تغطيته للعملية إلى التأكيد أن "على إسرائيل بفعل الظروف الحالية أن تستعد، أيضا، لإمكانية واحتمالات تنفيذ عمليات مفاجئة ثأرا للزواري"، قبل أن يستدرك بالتشديد على أن "هناك شكوك أن تتجه "حماس" للخوض في مواجهة جديدة، ثأرا لمقتل مواطن تونسي، يعيش بعيدا عن غزة، مهما كانت أهميته لبرنامج الطائرات بدون طيار".

أما المراسل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليسك فيشمان، فاختار أن يلقي الضوء على ما أسماه بـ"ترك بصمات واضحة بشكل مقصود"، حيث اعتبر أن "منفذي العملية تركوا بصمات خلفهم، مع أنه كان بالإمكان تنفيذ عملية اغتيال صامتة، بدون آثار، كما في محاولة اغتيال خالد مشعل في أوساط التسعينيات في العاصمة عمان، أو عملية اغتيال المبحوح في الإمارات العربية، حيث كان المفروض أن يلقى الاثنان مصرعهما "بشكل طبيعي"، لكن فشل العمليتين هو ما فضح دور الموساد"

في المقابل، فإن عملية اغتيال الزواري تعيد إلى الأذهان عمليات اغتيال مشابهة، مثل عمليات اغتيال علماء إيرانيين قتلوا في الطرقات، وفي تلك العمليات تم تناقل الأخبار بسرعة، وفيها أيضا وجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل.

وأضاف فيشمان: "في حال كون إسرائيل هي من نفذت العملية، فمن الواضح أن المستوى السياسي الأرفع في إسرائيل، الذي صادق عليها، أي رئيس الحكومة، قدر أن عملية تصفية الزواري ستوقف تسلّح المنظمات بقدرات تعتبرها إسرائيل تجاوزا للخطوط الحمراء، وبالتالي يمكن الافتراض أن الخطر الذي شكله نشاط الزواري كان مبررا للمجازفة بالتورط مع تونس، وهي الدولة التي تفضل إسرائيل تحسين علاقاتها معها"




المساهمون