تكتيكات العسكر لخلق ثورات وهمية

03 يوليو 2014
+ الخط -

من أخطر المشكلات التي تعترض سلطة الانقلاب في مصر أن الانقلاب حرق الغالبية العظمى من أرصدته التكتيكية ورجالاته الأمنية في فرنه، فانكشفت حيله، وانكشف رجاله، واستوعبت غالبية الشعب تلك التكتيكات.

لكن، ومع ذلك كله، لم تنطل حيل الانقلاب على الشعب المصري، كما خططت له دوائر استخبارات غربية وعربية. لذلك، صار الطريق الوحيد أمام الانقلاب طريق المدفع والرشاش، واصطناع التفجيرات لتخويف البسطاء، وتصوير نفسه مخلصاً لهم.

كذلك يسعى الانقلاب إلى تمزيق الجبهة المناوئة له، وتحويلها إلى ديكور ديموقراطي. ولديه عدة نظريات تكتيكية تخدمه في تحقيق ذلك.

وكان ساسة "كامب ديفيد" الأوائل في مصر قد ارتأوا صناعة مناخ سياسي واسع التنوع، لكنه تنوع مسموم خانع ومهادن، يساعد في استدامة السلطة الحاكمة، ولا يفكر في منافستها، ولا أن يصل إلى الحكم، بدلاً منها أصلا، تنوع يكتفي شخوصه بما يلقي عليهم من فتات السلطة.

هذا التكتيك يحتاج لنثر المخبرين والمرشدين الأمنيين، وتأسيس أحزاب يسارية بلا يساريين، وقومية بلا قوميين، وناصرية بلا ناصريين، وليبرالية بلا ليبراليين، وإسلامية بلا إسلاميين، وقامت هذه الأحزاب بادعاء تمثيل هذه الألوان الفكرية في المناخ السياسي، من دون وجود حقيقي للمتلونين بتلك الأفكار.

يأتي إنشاء حزب النور السلفي واحداً من أشهر التطبيقات لأسلوب آخر، يعتمد التمويه وإيجاد أجسام جديدة، فالحزب غرسته أجهزة الأمن المصرية والإقليمية بين فصائل الإسلام السياسي، ولقد تجمع هواة العمل السياسي من الإسلاميين حوله، لما اتخذه من مواقف سياسية متشددة في مسألة تطبيق الشريعة، في محاولة لإيهام قطاعاتٍ من الإسلاميين بأنه الحزب الأكثر حرصاً وصدقاً في الدفاع عن العمل السياسي الإسلامي، ما مهد لوثوق غلاة الإسلاميين به. ويعتبر الحزب من أكثر التيارات السياسية التي أساءت للإخوان المسلمين، وللإسلام، ما يتضح إذا ما راجعنا فتاويه في إرضاع الكبير، والأذان في البرلمان، والتحرش في السيارة.. إلخ.

وهناك مؤشرات على أن الحزب يهيئ نفسه للحل، بعدما أدى دوره في الإساءة للإسلام والإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وتيار الإسلام السياسي بشكل عام، كما نجح في حصر الإسلاميين الراغبين بالعمل السياسي، وبالتالي، مكّن السلطات من حصرهم والتعرف عليهم، لتمكينها من ملاحقتهم والقضاء عليهم، وهو ما حدث بعد الانقلاب.

لاحظ الفلول والساسة الانقلابيون أن الراعي الأميركي الواحد كان يسوق، بمفرده، بضع مئات من الأبقار في السهول، من خلال تدريب بقرة أو عدة أبقار على إشارات يصدرها، ويتم التجاوب معها بالتوجه يمنة أو يسرة، أو التوقف وغيرها من الإرشادات، وحالما تتوقف تلك الأبقار المدربة، وهي التي تتصدر القطيع، فإن القطيع كله يحذو حذوها.

بناءً على هذه الطريقة، راح نظام حسني مبارك، الذي هو نفسه نظام عبد الفتاح السيسي، يصنع معارضيه، ويعطيهم أدواراً سياسية واجتماعية، ويقدم لهم تنازلات تجعلهم يبدون كما لو كانوا قيادات رأي شعبية، تضحي من أجل تحقيق مبادئ فكريةٍ تتعلق بالقيم الوطنية، وتناصب النظام السياسي العداء، انتصاراً منها لقيم العدل والحرية.

كما يحرص النظام على أن يظهر خشيةً مصطنعةً من تلك النخب، ويسمح لها بالتفلسف في بعض المواضع، وعلى شخصياتٍ في النظام. لكن، في حال تعرض النظام السياسي لأزمة حقيقية تمسه في مقتل، نجد هذه النخب تنحاز تلقائياً إليه، وبالطبع، تنحاز معها قطاعات واسعة من الشعب، تعاني أمية سياسية، وتعتبر أن هذه النخب معيار الوطنية والوعي السياسي.

أما أسلوب شق الصف، فهو تكتيك معني بتفريق الحشود الضخمة، بالزجِّ بعناصر كثيرة من رجالات الأمن ومنتسبيه بينهم، والذوبان بين تلك الحشود، وما أن يحدث أي تنازل من  السلطة مهما كانت ضآلته، ينسحبون في محاولة لإحداثِ انطباعٍ عند عدد أكبر من المتظاهرين، بانتفاء الحاجة للاحتشاد والتظاهر.

رأينا هذا النوع من الطرق في عدة تظاهراتٍ، في ميدان التحرير، وغيره من الميادين المصرية، وحتى يمكن القول العربية، كما بدا ذلك ظاهراً جلياً في عمليات تفجير الأحزاب من الداخل، وهو ما حدث مع أحزاب مصر الفتاة والعمل والقومي والأحرار وغيرها.

كذلك هناك استفادة يحققها الانقلاب من الموروث الشعبي المصري، فيستحضر شخصية السماوي، وهو الرجل الذي يصطاد الكلاب الضالة، بتقديمه وجبة شهية لها، يكون السم مدسوساً فيها. ارتأت السلطة الفلولية الانقلابية تطبيق هذا الأسلوب في العمل السياسي، بالزج بأحد عناصرها المعروفين بالحكمة والبلاغة، والمفوهين بخطاب معسول، في الكتل أو الأحزاب السياسية الكبرى، ويمكّنوه من أخذ دورٍ قياديٍّ عبر مساعدة وعون أنواع أخرى من العملاء في هذه الكتل أو الأحزاب، فيصدر هذا الشخص قراراتٍ من شأنها انفضاض الناس عن الحزب، أو الإساءة إليه.

إلى أين يريد هذا الانقلاب الفلولي أن يصل بمصر والمصريين، وهو لم يوفر أسلوباً، ولا تكتيكاً، في خداعهم، ولحسن الحظ هناك من لا تنطلي الحيل عليه، ويبقى يؤشر على درب استكمال الثورة والوفاء للجماهير.

سيد أمين
سيد أمين
سيد أمين
كاتب ومحلل سياسي عربي مصري، يؤمن بأنّ العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة. هو أيضا باحث صدرت له دراسات "أمريكا الميكيافيلية" و"رؤى في الوطن والوطنية".. وشاعر صدرت له "أشعار مارقة" و"أشعار جديدة"، وروائي صدرت له "السحت" والمراهن" و"زمن السقوط".
سيد أمين