تقنين الكهرباء يشغل السوريين مجدداً

تقنين الكهرباء يشغل السوريين مجدداً

09 ديسمبر 2018
انقطاع التيار لن يمنعه من العمل (عامر المحباني/فرانس برس)
+ الخط -

يعود تقنين الكهرباء إلى المناطق السوريّة الخاضعة لسلطة النظام، بعدما كان المواطنون قد أملوا بتغذية مستمرّة بالتيار الكهربائي على مدار الساعة. لكنّ آمال السوريين تتلاشى واحداً تلو الآخر

يبدو أن وزارة الكهرباء في النظام السوري قد فوجئت بحلول فصل الشتاء، بحسب ما نُقل عن وزير الكهرباء محمد زهير خربطلي، الأمر الذي تسبب في عودة تقنين التيار الكهربائي لساعات طويلة، وبالتالي عودة المواطن السوري إلى العتمة. والسوريون كانوا قد ظنّوا، في خلال فصل الصيف الفائت، أنّ العتمة لن تعود، بحسب ما وعد به المسؤولون، لكنّ تلك الوعود سقطت مع أيام الشتاء الأولى.

في إحدى ضواحي دمشق، يسكن حسن الغوطاني الذي يخبر "العربي الجديد" أنّ "الكهرباء بدأت قبل أسابيع عدّة تُقطع في اليوم ساعة واحدة عند الظهيرة، وبعدها عند الظهيرة وفي الصباح، ثمّ في المساء كذلك. وأسبوعاً بعد آخر، راحت تزداد تلك الساعات. واليوم، في مقابل كلّ ثلاث ساعات من التغذية ثمّة ثلاث ساعات من التقنين، وذلك على مدار الساعة". ويشير إلى أنّه "في خلال ساعات التغذية يكون التيار الكهربائي ضعيفاً في الغالب، ما يجعلنا نشعر بأنّ التيار الكهربائي لم يعد بالفعل". يضيف أنّ "كل ذلك يؤثّر على الأجهزة الكهربائية في المنزل، ما يؤدّي إلى احتراق بعضها. وعلى سبيل المثال، تكلّفت في خلال الأسبوع الفائت نحو 50 ألف ليرة سورية (نحو 100 دولار أميركي) لإصلاح أعطال تسبّب فيها التيار الكهربائي".




من جهته، يخبر علي قسام وهو من سكان دمشق، "العربي الجديد"، أنّه يبحث في سوق المستلزمات الكهربائية عن بطارية ومصابيح "ليد" يستخدمها في إنارة منزله، لكنّه يعبّر عن "صدمته بالأسعار". ويقول إنّ بطاريات قوّة 50 أمبير تتراوح أسعارها ما بين 22 ألف ليرة و35 ألفاً (نحو 43 - 68 دولاراً)، أمّا البطاريات الصغيرة قوّة تسعة أمبير فثمنها نحو 10 آلاف ليرة (نحو 20 دولاراً) مع شاحنها، ويسأل: "هل يعقل أن يساوي ثمن بطارية راتب موظف؟". يضيف قسام: "منذ أسبوع وأنا أتردد على الأسواق، وفي كل مرّة أعود إلى المنزل من دون بطارية. لكن امتحانات أبنائي المدرسية حانت وهم في حاجة إلى إنارة، لذا لا بدّ لي من شراء واحدة". يتابع: "سوف أشتري واحدة صغيرة، أظنّ أنّها تفي بالغرض".

في السياق، يقول أبو عماد، وهو بائع أجهزة إنارة وبطاريات في دمشق، لـ"العربي الجديد"، إنّه "في الأيام الأخيرة لاحظنا ازدياداً في الطلب على أجهزة الإنارة البديلة مع عودة تقنين الكهرباء، مثلما كانت الحال في خلال الأعوام السابقة". ويشير إلى أنّهم أوقفوا استيراد تلك الأجهزة خلال أشهر الصيف الفائت، "خصوصاً أنّ المسؤولين تحدّثوا كثيراً عن أنّ وضع الكهرباء إلى تحسّن، وعن عدم عودة التقنين الذي كان موجوداً حتى ما قبل الأزمة الأخيرة. أمّا اليوم، فقد بدأنا كباعة بطلب كميات من تلك البضائع من التجار".

لا يقتصر التقنين على دمشق فحسب، وتفيد مصادر أهلية من منطقة مصياف في ريف حماة (وسط)، "العربي الجديد"، بأنّ "واقع الكهرباء سيئ جداً. فقد وصلت ساعات التقنين بالحدّ الأدنى إلى 10 ساعات، بينما تزيد على ذلك في بعض الأيام". ويقول أبو عبدو الأحمد، الذي يعمل في مجال مختبرات الأسنان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وضع الكهرباء لا يطاق. صرنا نتمنّى أنّ يعود الوضع إلى ما كان عليه في العام الماضي. حينها كنّا على الأقلّ نعرف أنّ الكهرباء سوف تُقطع أربع ساعات أو ثلاثا، على أن تعود لساعتَين مثلاً. أمّا اليوم، فلا برنامج للتقنين، ومسؤولو مؤسسة الكهرباء لا يقرّون بالتقنين، بل يعيدون سبب انقطاع الكهرباء دائماً إلى الأعطال وعمليات الصيانة التي لا تنتهي".

أمّا في السويداء (جنوب) فلا يختلف الوضع عمّا هو عليه في حماة وريفها، ويقول المواطن باسم العبد الله لـ"العربي الجديد" إنّه "في الأيام الأخيرة، ساء وضع الكهرباء كثيراً، ووصلت فترات انقطاعها في خلال النهار إلى ثماني ساعات، الأمر الذي أدّى إلى تضرّر أعمال كثيرين مثلي وأكثر". ويوضح أنّه يملك محلاً لبيع البنّ، مضيفاً "أصل إلى المحلّ في الصباح فتكون الكهرباء مقطوعة وتبقى كذلك حتى الظهيرة. فلا أتمكّن من طحن القهوة، وبالتالي أخسر فترة الذروة للبيع". وسام خيّاط وهو جار العبد الله، يقول "العربي الجديد": "لا أستطيع استخدام مولّد الكهرباء لتشغيل ماكينات الخياطة، حتى تزيد التكلفة على زبائني. وصرت أسأل الزبون إذا كان مستعجلاً وإذا كان يريد أن أنجز العمل على المولّد، فيتحمّل هو زيادة التكلفة". ويلفت إلى أنّه يمضي وقته "في انتظار الكهرباء. وفي أوقات كثيرة، لا تكاد تعود وأبدأ بالعمل حتى تنقطع من جديد. وأفقد صبري أحياناً، فأغلق المحل وأتوجّه إلى المنزل".




الوضع غامض، وهو ما يؤكّده ماهر، مهندس كهرباء، لـ"العربي الجديد"، الذي يستهجن تصريحات الجهات المسؤولة حول قطاع الكهرباء". يقول: "لا أعلم من هو المسؤول عن وضع الكهرباء في سورية الذي يتأكد في كلّ عام مدى تخلّفه، في حين يستخفّ المسؤولون بعقول المواطنين. هل يُعقل أن يعيد وزير مثلاً أحد أسباب انقطاع الكهرباء إلى حلول فصل الشتاء المفاجئ وانخفاض درجات الحرارة، الأمر الذي أدّى إلى زيادة الطلب على التيار؟ هل فصل الشتاء حدث غير طبيعي؟ وهل ذاكرة وزارة الكهرباء ضعيفة جداً لدرجة أنّها لا تتذكر معاناة السوريين العام الفائت؟". يضيف ماهر: "بأيّ منطق يمكن أن تبدأ الإصلاحات التي يدّعونها في كل المحافظات في فترة واحدة؟ ولماذا لا يوجد برنامج لهذه العملية على مدار العام؟". بالنسبة إليه، فإنّ "سبب تقنين الكهرباء الذي يعاني منه السوريون، هو تخلّف شبكة الكهرباء في سورية. هي دون مستوى الطلب الطبيعي، وبالتالي لا بدّ للجهات المعنية أن تعمل على بناء شبكة تؤمّن هذه الخدمة للمواطنين، لا أن تطالب المواطنين بترشيد استخدام الكهرباء". ويتابع ماهر أنّه "مثلما كانت قادرة على تأمين الكهرباء في فصل الصيف، يتوجّب عليها تأمينها في فصل الشتاء. لكنّنا لا نستطيع أن نغفل مصالح كبار مستوردي وتجار البطاريات ومصابيح الليد الذين جنوا ثروات من وراء التقنين، وأنّ عودة الكهرباء بمثابة قطع رزقهم".