تقنية "غسل الكربوهيدرات"... أفضل الوسائل لدعم تركيز اللاعبين

13 اغسطس 2018
كريستيانو رونالدو خلال مونديال 2018 (Getty)
+ الخط -

اعتبر كثيرون أن مونديال روسيا كان من أجمل بطولات كأس العالم التي أقيمت منذ النسخة الأولى في أوروغواي عام 1930؛ فتقارب المستوى وغياب الفوارق أضافا كثيراً من المتعة إلى بطولة الأراضي الباردة، إضافة إلى بزوغ نجم العديد من اللاعبين الشبان وتألّقهم في المحفل العالمي.

وكان الأداء المميز حاضراً في كثير من المناسبات، مع قلة قليلة من المباريات المملة. وبطبيعة الحال، وفي بطولة لا تشبه أي تجمع آخر، شهدت أيضاً تقنيات جديدة اعتمدها المنظمون، وكذلك اللاعبون. وهنا سنرصد واحدة منها، وهي ما تسمى بتقنية "غسل الكربوهيدرات".


لماذا المضمضة بالسائل من دون ابتلاعه؟

ظهر هاري كين، هداف المونديال وقائد الفريق الإنكليزي في عدسات الكاميرا في أكثر من مناسبة وهو يستخدم سائلاً موجوداً في عبوة، ثم يقوم بالمضمضة ومن ثم طرح الماء خارج الفم، وتكرر المشهد نفسه مع كثير من لاعبي منتخب إنكلترا، خصوصاً بعد الوقت الإضافي وقبل ركلات الترجيح في مواجهة كولومبيا.

لاعبون آخرون قاموا بنفس العملية خلال المونديال وفي مباريات مختلفة. وبشكل عام، لا يبتلع بعض اللاعبين الماء خلال المباريات؛ بل يعمدون إلى ترطيب أفواههم للشعور بالانتعاش، وكذلك تجنباً للشعور بالانتفاخ، في ظل مطالبتهم بالركض لمسافات طويلة خلال تسعين دقيقة وربما أكثر من ذلك.

"غسل الكربوهيدرات" هذا هو المسمّى العلمي لما يقوم به اللاعبون خلال عملية المضمضة وطرح الماء من الفم، فالخبراء أكدوا أن عدم ابتلاع السائل ليس فقط من أجل الحرص على عدم الشعور بالانتفاخ، فبطبيعة الحال لا مجال لمعرفة مكونات هذا السائل الذي تحتويه قارورة كل لاعب من اللاعبين، فالسرية هنا كانت حاضرة من خلال الأساليب المتبعة للمحافظة على لياقة اللاعبين، خصوصاً خلال مباريات كأس العالم.


كيف تؤثر هذه التقنية على العقل؟

تقنية "غسل الكربوهيدرات" أصبحت إحدى أساسيات عالم اللياقة البدنية، وهي بسيطة جداً، فربما تكون مكونات هذا السائل غير معروفة، ولكنه غني بالكربوهيدرات، وبالتالي سيوفر الترطيب للفم، وفي الوقت ذاته يعمل على خداع العقل من أجل تحسين الأداء.

الآلية الأساسية للعمل هنا تكون عبر مستقبلات التذوق في الفم التي ترسل إشارات إلى الدماغ، وبالتالي تبين له أن هناك مزيداً من مصادر الطاقة في طريقها إليه، ثم يأتي دور العضلات لتعمل بشكل أكبر وأكثر جهداً، فالعقل هنا يعمل على إيصال إشارات شبيهة بأن يقول شخص ما "لا داعي للتعب"، لأن هناك المزيد من مصادر الطاقة قادمة. الأمر قائم على خداع العقل لبعض الوقت، لجعل العضلات تعمل بفعالية أكبر، مع الابتعاد عن الآثار السلبية لابتلاع الماء أو المشروبات الغنية بالكربوهيدرات التي قد تؤدي إلى ثقل في المعدة وانتفاخات وحتى بعض التقلّصات.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها أن منتخب إنكلترا لم يطرح تفاصيل نظامه الغذائي في كأس العالم، لكن مصادر مقربة على دراية بنظام الفريق الداخلي، أكدت أن عملية "غسل الكربوهيدرات" كان ممارسة معتادة للاعبيه.



دراسات ونتائج علمية

ووجدت دراسة نشرت عام 2017 في المجلة الأوروبية لعلوم الرياضة أن عملية "غسل الكربوهيدرات" عززت الأداء في مجموعة من الأنشطة المختلفة، إذ قام فريق البحث من جامعة "كوفنتري" باختبار على 12 رجلاً يتمتعون بصحة جيدة وهم في العشرينيات من عمرهم، ووجدوا أنهم بعد "غسل الكربوهيدرات" تمكنوا من القفز لمستوى أعلى، والعدو بصورة أسرع، وكانوا أكثر تركيزاً.

كذلك أكدت دراسة أخرى جرت في عام 2015، ونشرت في المجلة الدولية للتغذية الرياضية والتمثيل الغذائي، وجدت أن 12 من الرياضيين الذكور يعانون من تعب أقل بعد عملية "غسل الكربوهيدرات". والسؤال الذي قد يطرحه أي شخص كان، إن كانت المقاربة هذه فعالة وناجحة؛ فلماذا لا يتم اعتمادها من قبل كل الرياضيين حول العالم، خصوصاً كل اللاعبين في كأس العالم؟

هذه العملية لم تحظَ بنجاح دائم، ففي دراسة جرت في عام 2017، نشرت في مجلة العلوم الرياضية، تسابقت 15 عداءة لمدة 60 دقيقة، مرة واحدة مع عملية "غسل الكربوهيدرات" وأخرى من دونها، لكن يبدو أن المحلول لم يكن له أي تأثير على معدل أوقاتهم، وقد يكون ذلك بسبب أن عملية "غسل الكربوهيدرات" لها تأثير أكبر على الأنشطة المتعلقة بالسرعة مثل الركض لمسافات قصيرة، على عكس الجري لمسافات طويلة.

واعتبر بعض الخبراء أن الدراسة هذه لا تؤكد فشل التقنية، بل تشير إلى نقطة مهمة، وهي أن التأثير فوري ومباشر، وبالتالي يساعد على تحسين الأداء بشكل فوري، ولكن ليس على المدى البعيد مثل الركض لستين دقيقة. ولهذا السبب كان هاري كين مثلاً يغسل فمه مرة تلو الأخرى قبل التوجه لأداء ركلات الجزاء.

وقال ديفيد فيرغسون، وهو أستاذ مساعد في علم وظائف الأعضاء في ولاية "ميشيغان"، لصحيفة نيويورك تايمز، إن "المضمضة" تساعد اللاعبين على الشعور بتعب أقل، وتعزز من تركيزهم، وهو أمر مهم يزداد بعد أكثر من 90 دقيقة من ممارسة الرياضة.

وأضاف: "إن المضمضة ببساطة تزيد التركيز، وتجنب الاستسلام للتعب، وتمكن اللاعبين من تقديم أفضل أداء لهم خلال المباراة، وهي تسرع من عملية استعادة الجاهزية".

وفقًا لما ذكره أسكر يوكيندروب، وهو طبيب فسيولوجي ممارس في مجال التغذية واختصاصي التغذية الرياضية في جامعة "برمنغهام"، فقد قال: "إن هذه التقنية لم تكن واسعة الانتشار حتى الآن، لكنها بالتأكيد في ازدياد ملحوظ".

وتساعد عملية المضمضة وطرح السائل من الفم، التي لفتت الأنظار بشكل كبير في المونديال الأخير، اللاعبين على الشعور بأنهم أقل إنهاكاً مما هم عليه، لكن الغاية لا تتعلق بالركض بشكل أسرع أو ركل الكرة بقوة أكبر، ولكن التركيز بشكل أفضل، ورغم أنه لا توجد دراسات حاسمة تؤكد التأثير الإيجابي، لكن الخبراء يعتبرون أنه لا ضرر في اعتمادها.