تقدّم "داعش" شمال حلب وجنوبها... لقطع الطريق إلى الرقة

تقدّم "داعش" شمال حلب وجنوبها... لقطع الطريق إلى الرقة

19 ابريل 2016
المدنيون ضحية المعارك القائمة في حلب(إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
يتقدّم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مواقع عدة جنوب مدينة حلب وشمالها (شمال غرب سورية)، مسيطراً على قرى جديدة، ومغتنماً أسلحة ثقيلة تتضمن منصات إطلاق صواريخ. كما نقل التنظيم الصراع الذي يدور في محيط ثاني أهم المدن السورية بعد العاصمة دمشق إلى مستويات أخطر تنذر باتساع دائرته. وذكرت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم، أن عناصر "داعش" تابعوا، يوم الجمعة الماضي، تقدّمهم شرق بلدة خناصر في ريف حلب الجنوبي وسط معارك عنيفة ضد قوات النظام والمليشيات التي تساندها، ليسيطروا على 18 قرية وعدد من المواقع والجبال. وقالت الوكالة إنّ عناصر التنظيم سيطروا في ريف حلب على جبل شبيث، ومنطقة القليعة وجبالها، وبرج العطشانة، وقرى خربة زبد، وعطشانة، والطوبة، وشمال وجنوب دريهم، وعكيل، وكويز، وجب العلي، بعد معارك مع قوات النظام والمليشيات. وأشارت الوكالة إلى أن "هذه العملية العسكرية بدأت، يوم الخميس، إذ سيطر التنظيم على حقل دريهم العسكري، والجبال المحيطة به إضافة إلى قرى عدة"، مضيفة أن "التنظيم اغتنم، منذ بدء العملية، مدافع، ودبابات، و250 صاروخاً من طراز غراد، و29 مدفع هاون من عيارات مختلفة، ومدفع من عيار 106، ومنصتَي إطلاق صواريخ كونكورس مع صواريخ، وراجمة صواريخ كاتيوشا، وكميات من الذخائر".

كما أحرز التنظيم، منذ أيام، تقدماً جديداً على حساب فصائل المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، إذ سيطر، وفق وكالة "أعماق"، على قرى براغيدة، وكفرشوش، وكفرغان، ويني يابان قرب الحدود التركية، إثر استعادته بلدة الراعي من يد المعارضة. وبذلك، بدأ "داعش" يقترب من منطقتَين مهمتَين في شمال حلب وجنوبها. ففي الشمال، لم تعد تفصله سوى بضع كيلومترات عن أهم معقل للمعارضة السورية، وهو مدينة أعزاز التي لا تبعد سوى 8 كيلومترات عن الحدود السورية ـ التركية، وتضم أكبر عدد من النازحين، خصوصاً في مناطق ريف حلب الشمالي.

وفي جنوب حلب، يحاول التنظيم العودة، مرة أخرى، إلى بلدة خناصر التي سيطر عليها، مؤقتاً، أواخر فبراير/شباط الماضي قبل أن تستعيدها قوات النظام نظراً لأهميتها الاستراتيجية. وتقع بلدة خناصر على الطريق الوحيد الذي يزوّد النظام من خلاله قواته داخل مدينة حلب بالمؤن والوقود، كما أنه الطريق البري الوحيد الذي يربط مناطق النظام في وسط وجنوب سورية بشمالها. ويرى محللون عسكريون أن تنظيم "داعش" يسعى لخلط الأوراق في محيط مدينة حلب التي تعد "الجائزة الكبرى" لكل أطراف النزاع في سورية. ويعتبر هؤلاء المحللون أنّ أمام مساعي التنظيم عوائق كثيرة، فهو يقترب من خطوط حمراء لن تسمح له أطراف سورية وإقليمية الاقتراب، خصوصاً في الشمال، إذ أنّ الجيش التركي يترقّب، وأصابع جنوده على الزناد.

ويلفت المحلل العسكري فايز الأسمر لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "التنظيم لا يريد التخلي نهائياً عن مواقعه على الشريط الحدودي مع تركيا"، مضيفاً أنّ "ما بقي من هذا الشريط بيد التنظيم، وهو بحدود 30 كيلومتراً، مهم له ولا يمكن أن يتخلى عنه بسهولة". ويستبعد الأسمر لجوء التنظيم للتصعيد أكثر باتجاه مدينة أعزاز في الوقت الراهن، مشيراً إلى أنّ تحركه شمال حلب وجنوبها، محاولة منه لقطع الطريق أمام ما تعدّه قوى إقليمية ودولية لبدء معركة استعادة الرقة، وهي أهم معاقله في سورية، بالتزامن مع معركة استعادة الموصل أهم معاقله في العراق، وفقاً لهذا المحلّل.

ويرى الأسمر أن تحركات التنظيم الأخيرة تأتي في سياق إعلامي، إذ يسعى لإثبات أنه لا يزال موجوداً وقادراً على خلط الأوراق، وأنّ خسارته مواقع مثل مدينة تدمر لا تعني بدء تراجعه في سورية، كما تروّج وسائل إعلام. ويوضح المحلل العسكري ذاته أنّ قادة التنظيم الذين تمرّسوا بالقتال طيلة سنوات "يقرأون جيداً مسرح العمليات العسكرية في سورية"، مشيراً إلى أنهم يتبعون أسلوب الاختفاء من مكان ليظهروا في مكان آخر بشكل مفاجئ، بحسب الظروف العسكرية. 

ويبيّن الأسمر أنّه ليس لدى النظام قوات ومليشيات قادرة على الانتشار والتمسك بمناطق واسعة، لذا يلجأ الى أسلوب "الترقيع"، إذ ينقل عناصر من منطقة إلى أخرى. وهذا الأمر يستفيد منه التنظيم للعودة إلى مناطق خسرها، كما يحصل الآن في منطقة خناصر جنوب حلب. ويشير المحلل العسكري ذاته إلى أنّ التحالف الدولي ليس لديه نيّة "صادقة" للقضاء على التنظيم شمال حلب، في الوقت الراهن، لافتاً إلى أنّ مدينة أعزاز ليست ضمن اهتمام النظام مرحلياً، إذ يعتمد على الوحدات الكردية في هذا الأمر ليصرف جهده مع المليشيات لمعركة حلب الكبرى، انطلاقاً من قواعده في بلدة الحاضر جنوب المدينة، ومن بلدتي نبّل والزهراء شمالها.

من جهته، يرى العقيد عامر بكران أن تحركات التنظيم الأخيرة شمال وجنوب حلب جاءت متناسقة مع استراتيجية النظام وقوى دولية في استنزاف وإضعاف المعارضة المسلحة. ويضيف أنّ تحرك التنظيم جاء مباشرة بعد الانتصارات التي حققها "الجيش السوري الحر" على المليشيات في قرية العيس وتلتّها منذ أيام عدة، ما يؤكد أنّ النظام هو المستفيد الأكبر من معارك التنظيم مع المعارضة، خصوصاً في شمال حلب، إذ يقوم التنظيم بتشتيت قوات المعارضة، على حدّ تعبيره.

ويرجّح بكران في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يكون النظام قد سلّم التنظيم أسلحة ثقيلة بتركها في المواقع التي انسحب منها، يوم الجمعة الماضي، في منطقة خناصر جنوب حلب، لافتاً إلى أن "الجيش السوري الحرّ لو كان يملك مثل هذه الأسلحة لاستطاع تغيير موازين القوى في عموم سورية"، وفقاً لبكران. ويشير العقيد ذاته إلى أن تركيا لن تسمح للتنظيم أو للوحدات الكردية بالاقتراب أكثر من أعزاز، لكون هذه المدينة باتت المعقل الأبرز للمعارضة السورية على الحدود التركية. كما أنّ وقوعها بيد أي طرف آخر، سيقلب المعادلات في شمال سورية، ويضر بمصالح أنقرة بشكل مباشر، على حدّ تعبيره.

المساهمون