حذّرت تقديرات إسرائيلية متطابقة من خطورة الرهان على بناء تحالف استراتيجي مع السعودية، في ظلّ تعاظم نفوذ ولي العهد محمد بن سلمان، مشيرة إلى أن تهاوي أسس الحكم في الرياض يحصرُ التحالف بين الطرفين "في الإطار التكتيكي" فقط.
واعتبرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن تصريحات بن سلمان تدلل على أنه يتوجّب الاستفادة تكتيكياً من المظلة السعودية في إحداث تحولات كبيرة في المنطقة لصالح تل أبيب.
وفي افتتاحية عددها الصادر اليوم الأحد، اعتبرت الصحيفة أن التصريحات التي أدلى بها بن سلمان مؤخراً، تمثل "صفحة جديدة في العلاقات السعودية الإسرائيلية تقوم على التعاطي البراغماتي"، معيدة إلى الأذهان حقيقة أن مسؤولين سعوديين وإسرائيليين عقدوا، في مارس/آذار الماضي، سلسلة لقاءات سرية في القاهرة، ضمن الاستعدادات لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطته لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي (أو ما يعرف بـ"صفقة القرن")، في ظل قيام الرياض بممارسة ضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لقبول الأفكار الأميركية للتسوية.
وأشارت الصحيفة إلى أن مستويات إسرائيلية رسمية أفصحت عن طابع التعاون مع السعوديين، لافتةً إلى إقرار رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوط بأن إسرائيل مستعدة لتبادل المعلومات الاستخبارية مع الرياض، في إطار مواجهة الجانبين التهديد الإيراني. وأشارت إلى أن وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي الليكودي يسرائيل كاتس ذهب أبعد من ذلك، حين قال في مقابلة أجراها معه موقع "إيلاف" السعودي، إن إسرائيل تتطلع لتدشين خطّ سكّة حديد يربطها بالسعودية، ويمرُّ في الأردن.
لكن الصحيفة رأت أنه يتوجب التعاون مع السعودية تحت حكم بن سلمان "تكتيكياً فقط"، على اعتبار أن فرص نجاح الأخير في البقاء في السلطة "ليست كبيرة، في ظلّ نجاحه في تحشيد الكثير من الأعداء ضده، إلى جانب أن مجرد بروزه كمُتعاونٍ مع إسرائيل سيضعف مكانته الداخلية".
وبحسب الصحيفة، فإن التعاون التكتيكي بين إسرائيل والسعودية يهدف إلى مواجهة الأعداء المشتركين، خصوصاً في ظلّ حرص الطرفين على الوفاء بمتطلبات احتواء إيران ومحاولة إحباط سعيها لمواصلة التوسع في المنطقة، ومنعها من الحصول على قدرات نووية. ونوهت إلى أن كلا من إسرائيل والسعودية تريان في "حماس" و"الإخوان المسلمين" قوتين ذات تأثير تدميري على استقرار المنطقة.
من جهتها، حذّرت المستشارة الإعلامية السابقة لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كارولين كليغ، من إقدام إسرائيل على تقديم أي تنازل سياسي من أجل تمكين بن سلمان من تبرير تحالفه معها.
وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف" أمس، شددت كليغ، التي تعمل حالياً باحثة في مؤسسات بحثية في واشنطن، على أن خصوم بن سلمان يمكن أن يروا في إسرائيل هدفاً يتوجب المسّ به في حال تغلبوا عليه لاحقاً، وذلك في حال تحالفت تل أبيب معه بشكل صريح وواضح.
ولم تستبعد كليغ أن يفضي تعاون بن سلمان مع إسرائيل إلى دفع خصومه في الداخل للمسّ به، مشيرة إلى أن وقوف إسرائيل إلى جانب بن سلمان سيحولها إلى هدفٍ أيضاً لأولئك الذين تعرّضوا للأذى بسبب سياساته. ودعت إلى تقليص مستوى الرهان على عوائد العلاقة مع بن سلمان، على اعتبار أن سياساته أفضت إلى تهاوي أسس الحكم السعودي، مشيرة إلى أن الصراعات الداخلية التي فجّرها ولي العهد السعودي، ولّدت "صراعاً دموياً" بينه وبين عدد كبير من أعضاء العائلة المالكة.
وبالرغم من أن كليغ تؤيد مواصلة التعاون "التكتيكي" مع السعودية تحت قيادة بن سلمان، إلا أنها تحذّر من تداعيات انعدام استقرار النظام لكونه "ديكتاتورياً".
وأوضحت أن تعمّد بن سلمان المسّ بممثلي أفرع العائلة المالكة في دوائر الحكم المختلفة، سيدفع هؤلاء الأمراء إلى الانتقام منه، رداً على ما تسبب لهم فيه من إهانة.
وتستدرك كليغ بأنه يمكن لإسرائيل أن تواصل التعاون التكتيكي مع السعودية، مشيرة إلى أن بن سلمان حرص، في مقابلاته الأخيرة، على التأكيد على رغبته في التعاون مع إسرائيل في مواجهة ما أسماه "مثلث الشرّ"، الذي يضم، إيران و"الإخوان" وبقية الجماعات الإسلامية الأخرى.
ونوهت إلى أنه يمكن تفهّم حرص بن سلمان على التعاون مع إسرائيل في مواجهة جماعة "الإخوان المسلمين"، على اعتبار أن هذا هو الاستنتاج الرئيس الذي توصلت إليه القيادة السعودية من ثورات الربيع العربي. وأضافت أن السعوديين يعون تماماً أن جماعة "الإخوان" هي الطرف الوحيد القادر على الحلول مكان نظم الحكم القائمة.
وأشارت إلى أن الموقف من "الإخوان" هو الذي جعل بن سلمان يتبنى موقفاً متشدداً من تركيا، مشيرة إلى أنه وصفها في إحدى المقابلات بأنها "تقود الإخوان المسلمين"، ومعتبرةً أن كل ما يعني بن سلمان هو الحصول على مساعدة إسرائيل في الحرب على إيران وتركيا و"الإخوان" والجماعات الإسلامية الأخرى.