تفاؤل روسي باستمرار الشراكة الاقتصادية مع بيلاروسيا رغم الاحتجاجات

تفاؤل روسي باستمرار الشراكة الاقتصادية مع بيلاروسيا رغم الاحتجاجات

20 اغسطس 2020
جانب من الاحتجاجات في بيلاروسيا (Getty)
+ الخط -

على الرغم من استمرار الاحتجاجات والإضرابات في بيلاروسيا للأسبوع الثاني على التوالي وتزايد مخاوف موسكو من سقوط حليفها، الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، إلا أن ثمة إجماعاً بين الخبراء والصحافة الروسية على استمرار الشراكة الاقتصادية مع مينسك بصرف النظر عن نتائج الأزمة الراهنة.

ومن المؤشرات التي تعزز هذه التوقعات الترابط التام بين الاقتصاد البيلاروسي ومثيله الروسي في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والزراعة والمواد الغذائية والمصارف والاستثمار، كما أن المعارضة البيلاروسية لا ترفع شعارات مناهضة لموسكو، بل تؤكد عزمها الحفاظ على علاقات طيبة مع جارتها الكبرى والاتحاد الأوروبي على حد سواء. 

وفي هذا الإطار، يعتبر مدير عام مركز تنمية السياسات الإقليمية في موسكو، إيليا غراشينكوف، أنه لا مجال للحديث عن خطر قطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مستبعدا احتمال تكرار السيناريو الأوكراني من جهة توجه كييف نحو التكامل مع الغرب مقابل تراجع مستوى العلاقات مع روسيا في شتى المجالات.

ويقول غراشينكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "روسيا هي السوق الرئيسية للصادرات البيلاروسية، ولا يمكن التخلي عنها ولا سيما في المجالات مثل الزراعة والمنتجات الغذائية، والوقود وزيوت التشحيم، والمعدات. لذلك لا مجال للحديث عن خطر قطع العلاقات الاقتصادية، خصوصا وأن بيلاروسيا لا تتبنى أي مواقف معادية لروسيا، ولا تهدف الاحتجاجات البيلاروسية سوى إلى إجراء انتخابات نزيهة بلا لوكاشينكو".

وفي الوقت الذي قطعت فيه أوكرانيا منذ عام 2014 شوطا كبيرا لتطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على حساب التعاون مع روسيا، يستبعد غراشينكوف تكرار مثل هذا السيناريو في بيلاروسيا، مضيفا: "من يستشهد بالسيناريو الأوكراني ينسى أن بيلاروسيا خالية من أي انقسام إلى الشرق والغرب، ولا يوجد قوميون وكارهون لروسيا في بيلاروسيا".

ومع ذلك، يشير الخبير الروسي إلى أنه "من المهم بالنسبة إلى روسيا ألا تقف في صف طرف على حساب آخر، بل ينبغي عليها أن تدعم الشعب البيلاروسي"، مما سيتيح لها ضمان مصالحها الاقتصادية حتى في حالة استقالة لوكاشينكو.

بدورها، توقعت صحيفة "إر بي كا" الروسية هي الأخرى أن تظل روسيا هي المانح الرئيسي لبيلاروسيا بصرف النظر عن نتيجة الأزمة الراهنة، مستشهدة في ذلك بمجموعة من المؤشرات الاقتصادية التي تكشف مدى اعتماد الاقتصاد البيلاروسي على موسكو. 

بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن لجنة الإحصاء الوطنية ووزارة المالية البيلاروسيتين، فإن حصة روسيا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت نحو 40 في المائة في عام 2019 بما يعادل 2.87 مليار دولار شاملة جميع الاستثمارات روسية الأصل، بما فيها تلك التي تم ضخها عبر الملاذات الضريبية مثل قبرص. كما أن المصارف ذات رؤوس الأموال الروسية تستحوذ على 25 في المائة من أصول القطاع المصرفي البيلاروسي، وفق تقديرات وكالة "إكسبرت را" الروسية للتصنيف الائتماني.

ولفتت "إر بي كا" إلى أن روسيا هي المصدر الرئيسي للاقتراض الخارجي للحكومة البيلاروسية، وتستحوذ على نحو 48 في المائة من الديون الخارجية البيلاروسية بقيمة تقارب 8 مليارات دولار.
كما تبلغ حصة روسيا في التجارة الخارجية البيلاروسية 48 في المائة أيضا، متفوقة بفارق هائل على الاتحاد الأوروبي البالغة حصته في إجمالي التبادل التجاري البيلاروسي 18 في المائة فقط.

وإلى جانب الاستثمارات والقروض، تدعم روسيا الاقتصاد البيلاروسي بتوريد النفط والغاز بأسعار مخفضة مقارنة بالأسعار العالمية، مما شكل دعما إضافيا قدرت قيمته بنحو 100 مليار دولار في أعوام 2000 - 2015، وساهم في تحقيق ما سمي "المعجزة الاقتصادية البيلاروسية".

ومع ذلك، بدأت روسيا منذ عام 2018 بالحديث صراحة عن ربط مواصلة دعم الاقتصاد البيلاروسي بالتقدم في عملية التكامل بين البلدين، وأجرت "مناورة ضريبية" تؤدي إلى الزيادة التدريجية لأسعار النفط المورد إلى بيلاروسيا إلى ما يقارب الأسعار العالمية بحلول عام 2024، مما زاد من التوتر بين موسكو ومينسك ودفع بلوكاشينكو نحو إنهاء ولايته السابقة بتعزيز العلاقات مع الغرب.

يذكر أن بيلاروسيا تشهد موجة من الاحتجاجات الحاشدة منذ الإعلان عن فوز لوكاشينكو بنسبة 80 في المائة من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 9 أغسطس/آب الجاري، تخللتها وقائع الصدام مع أفراد الأمن وتفريق المحتجين بالعصي والغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت، مما أسفر عن سقوط ثلاثة قتلى، وفق الأرقام الرسمية.