Skip to main content
تغيير رئيس الرقابة الإدارية في مصر: دور بديل للمحليات
العربي الجديد ــ القاهرة
يريد السيسي تقييم كل العقارات المخالفة خلال عام واحد (الأناضول)

بدأت تتكشف أسباب إجراء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعديلات على رأس هيئة الرقابة الإدارية، بالتزامن مع التفكير في إيلائها مهمة أخرى. في السياق، أماطت مصادر حكومية مصرية لـ"العربي الجديد" اللثام عن معلومات جديدة من كواليس دائرة السيسي، حول أسباب وخلفيات قراره بتعيين مدير إدارة المهندسين العسكريين السابق اللواء حسن عبد الشافي أحمد رئيساً للهيئة خلفاً للواء شريف سيف الدين، الذي تم تعيينه في منصب شرفي هو مستشار رئيس الجمهورية لمكافحة الفساد. وانضمّ سيف الدين إلى سلفه اللواء محمد عرفان الذي كان من أقرب المسؤولين للسيسي حتى منتصف عام 2018، قبل تعيينه مستشاراً لشؤون الحوكمة الرقمية، ولم يعد يُسمع منه منذ ذلك الحين.


سيضيف السيسي اختصاصا جديدا لهيئة الرقابة الإدارية مشابه للمحليات

وأوضحت المصادر أن هناك ارتباطاً بين تعيين عبد الشافي على رأس الرقابة الإدارية وبين اختصاص جديد سيضيفه السيسي قريباً للهيئة، التي أدت لسنوات دوراً أقرب لجهاز تنفيذي سري بديلاً للحكومة التقليدية. ويتمثل الاختصاص الجديد في ممارسة الرقابة الإدارية نفس الدور المسند قانونياً إلى المحليات في جميع المحافظات، فيما يخص تراخيص البناء والهدم واعتماد التصميمات الهندسية وإجراء عمليات التصالح وتسجيل المخالفات الإنشائية. وهو الملف الذي يوليه السيسي حالياً أهمية قصوى، ويسعى لأن تتكامل جهود جهتين مفضلتين لديه، هما الجيش والرقابة الإدارية في السيطرة على المخالفات وتحصيل أكبر قدر من مبالغ التصالح، بعد فشل الحكومة في ذلك حتى الآن. ويعتبر الرئيس المصري أن المحليات واللجان التنفيذية المكلفة بالنزول لمعاينة الأوضاع على الأرض وضبط المخالفات وفحص التراخيص متراخية ومتقاعسة ولا يمكن الوثوق بها، وبالتالي يسعى إلى استحداث آلية بديلة للجهاز الحكومي المدني.

وذكرت المصادر أن السيسي اختار عبد الشافي دوناً عن باقي قيادات الهيئة الهندسية للجيش والمهندسين العسكريين، بسبب خبرته في أعمال المباني والتعامل مع الإنشاءات المدنية وسحب الأراضي وتعويض مالكيها، في العديد من المشروعات التي تولى إدارتها خلال السنوات الست الماضية. كما كان عبد الشافي مكلفاً في وقت ما بإدارة ملف الاستيلاء على الأراضي والعقارات للمنفعة العامة، تمهيداً لإقامة المشروعات المسماة بـ"القومية"، وبما يتضمنه هذا الملف من أعمال حصر وتقييم وعرض للتعويضات وتفاوض مع أصحاب العقارات من المواطنين.

وأضافت المصادر أن السيسي كلف عبد الشافي بإعداد خطة موسعة مدتها عام واحد، لحصر وتقييم جميع العقارات المخالفة في المناطق الحضرية والقرى الكبرى على مستوى الجمهورية، بإجمالي 2500 منطقة فشلت الوحدات المحلية ومجالس المدن بها في رصد جميع المخالفات وتحصيل المبالغ المستحقة عليها أو تنفيذ قرارات الإزالة وفقاً للقانون. ونظراً لاستحالة اعتماده على الرقابة الإدارية وحدها، فسوف يكون للهيئة دور إشرافي على المحليات في هذا الملف، بما يصبح معه العاملون في المحليات وسائل تنفيذ فقط، وليسوا متخذي قرارات.

وتبعاً لذلك، ستشهد الأسابيع المقبلة انتقال عدد من المهندسين العسكريين في المستويين الثاني والثالث، باختيار عبد الشافي، إلى الرقابة الإدارية لمساعدته في وضع الخطة وتنفيذها. كما ستمثل الرقابة الإدارية في إدارة الآلية الجديدة لمراقبة المخالفات على مستوى الجمهورية والتي تم الإعلان عنها يوم السبت الماضي باسم "منظومة البنية المعلوماتية المكانية" التابعة للقوات المسلحة، والتي أنفقت عليها الدولة مئات الملايين من الجنيهات لشراء صور فضائية شاملة لجميع المناطق المصرية منذ عام 2011 وحتى الآن، من بعض مقدمي الخدمة العالميين، لتتمكن الآلية من رصد تطور المخالفات يوماً بيوم.

وفي ما يتعلق بسبب إقالة رئيس الرقابة الإدارية السابق؛ قالت المصادر إن هذا الأمر كان متوقعاً بسبب عدم نجاح سيف الدين في بعض المهام الموكلة إليه في ملف المحليات والإنشاءات بسبب افتقاده للخبرات اللازمة لذلك. بالتالي فإن إطاحته كانت فقط لأسباب وظيفية بحتة، وليست لأسباب سياسية أو على خلفية صراعات مع شخصيات وأجهزة على النفوذ كما حدث مع محمد عرفان من قبل، والذي كان يوما قاب قوسين من تولي رئاسة الحكومة، وكان كثيف الظهور الإعلامي وله مساحة مشهودة من الخطابات والمداخلات في حضور السيسي نفسه. فسيف الدين لم يطلّ على مدى عامين بأي إطلالة إعلامية مميزة، وحتى أن الرقابة الإدارية في عهده اكتفت بأداء أدوارها غير التقليدية التي استحدثها السيسي في صمت ودون إعلان.

وعن سبب إصرار السيسي على تعيين عبد الشافي وقبله سيف الدين، قائمين بعمل رئيس الرقابة الإدارية، وليس رئيسين لها، كشفت المصادر أن الأمر بمثابة طريقة للالتفاف على المادة 216 من الدستور، التي تلزم رئيس الجمهورية بتعيين رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. وهو ما يراه السيسي أمراً غير ملائم لخططه وتقلبات سياساته، فضلاً عن عدم رغبته في استمرار أي مسؤول في منصبه طوال هذه المدة إلا بشروط خاصة، كما أن المادة ذاتها تقيّد إقالة السيسي لرؤساء تلك الهيئات، فتشترط على أن يكون الإعفاء ضمن الحالات المنصوص عليها في القانون، والتي ليس منها بالطبع حالتا الاستغناء عن خدمات عرفان أو سيف الدين. بالتالي فإن صيغة التعيين كـ"قائم بالعمل" تسمح له بالاستغناء السريع عن أي رئيس لا يلبي أهدافه المرحلية، من دون العودة لمجلس النواب في أي خطوة.

وأكدت هذه المعلومات سعي السيسي لتوسيع خطته بالاعتماد على هيئة الرقابة الإدارية في تثبيت دعائم حكمه على الأرض والسيطرة على الأجهزة التنفيذية بالدولة، التي يدفع فيها السيسي بالجهاز لتنفيذ أدوار يستعصي على الجيش القيام بها. ويعود السبب إلى انشغال السيسي بالقسم الأكبر من المشاريع المرفقية والعمرانية والخدمية، في ما يبدو تكريساً لتجاهله الجهاز الإداري بالدولة بصورة غير مسبوقة، وعدم الاهتمام بتحديثه أو تطوير أدائه، والاكتفاء فقط بوضع خطط لتخفيض عمالة هذا الجهاز عموماً، وتصفية بعض كوادره والعديد من مقوماته الذاتية، وإحلال الجيش والرقابة الإدارية بدلاً منها.

ومنح السيسي للهيئة منذ توليه منصبه، مساحة واسعة بإطلاق يدها على كبار رجال الدولة والعاملين بها ومنشآتها وزيادة أهمية التحريات التي تُجريها حول المرشحين للمناصب الوزارية أو للتعيين بالدولة أو للالتحاق ببعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة. كما سمح بالاستعانة بها لأداء أدوار تختص بها الحكومة في الأصل، كالاشتراك مع الجيش والمخابرات العامة في بيع السلع الغذائية بأسعار أرخص، واشتراكها في إدارة عدد من المشاريع الخدمية. كذلك حظيت الهيئة بتغطية إعلامية ودعائية مضطردة لتضخيم صورة "حرب السيسي على الفساد"، مستفيدة أيضاً من عمل نجله الأكبر مصطفى في الهيئة.


الرقابة الإدارية في عهده اكتفت بأداء أدوارها غير التقليدية التي استحدثها السيسي

ودفع السيسي بالهيئة أيضاً لأداء أدوار غير تقليدية كانت توكل في السابق إلى الجهاز الإداري بالدولة أو إلى رجال أعمال مقربين من النظام. فتحولت الهيئة من دورها كجامع للمعلومات عن الفساد والتحري عن وقائع معينة، إلى ما يشبه "الحكومة الموازية"، مثل الإشراف على مشروعات تطوير وسائل الإعلام المملوكة للدولة في عهد عرفان قبل أن تفشل، وإعداد مشاريع القوانين الخاصة بإدارة الجهاز الحكومي، ومكافحة الفساد. وحصل ذلك بعد تعديل قانون الهيئة بما يسمح لها بالاستقلال الجزئي عن الجيش والشرطة وتعيين خريجين جدد من جميع التخصصات كأعضاء فنيين بها، فبدأت الرقابة الإدارية تشكيل لجان فنية وقانونية لفحص القوانين المنظمة لعمل الجهاز الإداري للدولة، وتحديد الثغرات التي يُعتقد أنها تسمح بوجود الفساد الإداري، واقتراح تعديلات لها وإرسالها لرئاسة الجمهورية رأساً، ليرسلها السيسي بدوره لمجلس الوزراء ثم البرلمان لإصدارها قانونياً.

كما تمارس الهيئة صلاحيات أوسع بالتحري عن المرشحين لشغل المناصب القضائية والدبلوماسية، وليس فقط الوظائف الإدارية والوزراء ونوابهم. وسبق أن طلبت استحداث نصوص قانونية تسمح لها بتفتيش المقار الحكومية، من دون إذن مسبق تحت مظلة اختصاص سيتم تدعيمه لها هو المتابعة الدورية لمدى كفاءة العمل بناء على قرار من رئيس هيئة الرقابة الإدارية نفسه، لتقنين وضع واقعي يسمح لأعضاء الهيئة (وهم يتمتعون بصفة الضبطية القضائية كضباط الشرطة) بدخول الأماكن الحكومية بمختلف أنواعها ودرجاتها من دون اشتراط إذن مسبق من النيابة العامة، سواء لضبط جرائم بعينها أو للتفتيش بهدف الكشف عن أي جرائم، أو للتفتيش العادي لإعلان سيطرة الهيئة على أروقة الحكومة.