تعديل الدستور العراقي: ملامح أزمة جديدة

تعديل الدستور العراقي: ملامح أزمة جديدة

30 يناير 2019
أُقرّ الدستور عام 2005 خلال الاحتلال الأميركي(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
في محطة قد تطرح أزمة جديدة في العراق، تتجدّد المطالبات بتعديل الدستور، بسبب الخلافات السياسية على بعض فقراته والمطالبة بإلغاء بعضها. الدعوات للتعديل ليست وليدة الدورة البرلمانية الحالية، فقد تبنّى زعماء سياسيون في الدورات السابقة هذه الدعوة، أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، فيما تُعد المطالبة بالتعديل اليوم مطلباً شعبياً حمله المتظاهرون في بغداد والمحافظات الجنوبية، داعين إلى أن يكون الدستور يخدم الشعب. كما أنّ كتلاً سياسية، منها كتلة "صادقون"، ونواباً من أغلب الأحزاب السياسية، يتبنّون هذا المطلب، معتبرين أنّ الدستور كُتب في ظروف غير مناسبة في ظل الاحتلال الأميركي، ما يستدعي تعديله. لكنّ مراقبين أكدوا أنّ فرص التعديل يجب ألا تتعارض مع نص فقرات الدستور التي وضعت كشروط لتعديله، وأنّ الأمر برمته يحتاج إلى إرادة سياسية.

وكُتب الدستور العراقي، في فترة احتلال القوات الأميركية للعراق، وتم التصويت عليه في استفتاء في أكتوبر/ تشرين الأول 2005، ودخل حيّز التطبيق عام 2006. ومن أبرز الشروط التي وُضعت ضمن الدستور لتعديله أن تحصل الاقتراحات على الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، وأن تُعرض على استفتاء شعبي، وتحصل على أغلبية المصوتين، فضلاً عن ألا تُرفض من قبل ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر.

وقال وزير سابق في حكومة المالكي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدستور العراقي حين كُتب بعد عام على الاحتلال الأميركي للبلاد، تشارك فيه طرفان فقط، هما الشيعة والأكراد، ونصب الأكراد أكثر من فخ للشيعة الذين عملوا على ضمان امتيازاتهم آنذاك"، مضيفاً "عندما طُبّق الدستور، اكتشف الشيعة العديد من الفخاخ، من ضمنها موضوع التعديل الدستوري، وأنّ الأكراد مرروا فقرة تفيد بعدم إمكانية إجراء أي تعديل على الدستور إذا رفضته ثلاث محافظات، في إشارة إلى أربيل والسليمانية ودهوك، أي محافظات إقليم كردستان". وأوضح أنّ "أي تعديل يشرّع به البرلمان العراقي لا يتناسب مع طموح الأكراد لن يحصل إذا رفضه نواب الإقليم في البرلمان العراقي".

ورأى الوزير أنّ "التحرك الأمثل خلال فترات حكومات العراق الجديد، هو ما فعله رئيس الحكومة السابقة حيدر العبادي، بعد إفشال استفتاء انفصال كردستان الذي أجري في سبتمبر/ أيلول 2017، وكان من المفترض التوجّه إلى المحكمة الاتحادية وتفعيل فقرة أو الحصول على تأييد يسمح بإجراء تعديلات دستورية حتى وإن اعترضت ثلاث محافظات، واتخاذ المصلحة الوطنية معياراً للتعديلات، ويتم التصويت على التعديلات عبر ثلثي أعضاء البرلمان أو اتّباع طريق الأغلبية السياسية، وبمساندة خبراء بالدستور"، مضيفاً "قد ينضج تحرك العبادي خلال المرحلة المقبلة، في أذهان البرلمانيين الجدد".


ولعلّ أبرز فقرة تتوجّه الأنظار لتعديلها، هي المتعلقة بالمحكمة الاتحادية، أعلى محكمة في العراق، وتتخصص في الفصل في النزاعات الدستورية. وقد رفضت المحكمة أن تندرج ضمن جدول أعمال جلسات البرلمان في الدورات السابقة، بحجة أنّها قانونية، إلا أن سياسيين يرونها على عكس ذلك.
وفي هذا الصدد، قال عضو "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ماجد شنكالي، إنّ "دستور العراق الذي وافق عليه الشعب عبر استفتاء جرى عام 2005، بنسبة 78 في المائة، بحاجة إلى تعديل فقرات عدة، ومنها إلغاء قانون المحكمة الاتحادية"، مشيراً إلى أنّ "الدستور العراقي يُعد أفضل دساتير المنطقة وكُتب بطريقة دقيقة ومثالية، ولكن فيه بعض الثغرات بحاجة إلى معالجة، مثل المحكمة الاتحادية التي تعمل حالياً بقرار غير عراقي، لأنّها شُكلّت بقرار من الحاكم المدني بعد الاحتلال، بول بريمر، ونحن حالياً نتعامل مع محكمة لا علاقة لها بالدستور العراقي، فقرار بريمر كان قد صدر عام 2004 بشأن تأسيسها، بينما الدستور أوجد عام 2005". ولفت شنكالي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك مطالبات بتعديل نظام الحكم، وفقرته في الدستور، وتحويل النظام إلى رئاسي أو شبه رئاسي"، مضيفاً "هذه الفكرة لن تتحقق، حتى وإن حصلت على توافق سياسي بين الأحزاب الشيعية، فنحن الأكراد سنرفض هذا الأمر، تخوفاً من عودة أشكال الأنظمة الدكتاتورية".

وعن فقرات الدستور التي تحتاج إلى تعديل، أشار شنكالي إلى أنّ "فقرة قانون المساءلة والعدالة بحاجة إلى تعديل، فضلاً عن الفقرات المرتبطة بالمحافظات، ومنها إنهاء الجدل حول عدد أعضاء مجلس النواب، فهناك مطالبات سياسية بخفض العدد، ولكن الواقع يقول إنّ العراق بحاجة إلى رفع عدد البرلمانيين فيه إلى 400 نائب". وتابع "بطبيعة الحال تعديل الدستور يحتاج إلى إرادة حزبية، وفي هذه المرحلة فقدت الأحزاب عنصر الانضباط داخل البرلمان، إذ لم تعد قادرة على السيطرة على توجهات أعضائها داخل البرلمان، وبالتالي من الصعب اتخاذ قرارات جريئة متفق عليها بين الأحزاب، ومن ضمنها تعديل الدستور".

من جهته، رأى النائب عن تحالف "المحور الوطني" يحيى المحمدي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "المشكلة الحالية في العراق ليست تعديل فقرات في الدستور، إنما بتطبيق الدستور، إذ إن انتقائية كبيرة يشهدها هذا لجهة التفسير والتأويل السياسي، الذي مارسته الحكومات العراقية القديمة والجديدة". واعتبر أنّ "المرحلة الحالية غير مناسبة للشروع بتعديل أو إلغاء فقرات من الدستور، ولا توجد أي فقرة تحظى بإجماع سياسي لتعديلها، فكل حزب أو مكوّن يسعى لتعديل أو إلغاء مادة في الدستور تتناسب مع تطلعاته".

أما النائبة عن تحالف "النصر"، ندى شاكر، فأشارت إلى أنّ "البرلمان الجديد لم يتمكّن حتى الآن من الشروع بقرارات تشريعية ورقابية ترتبط بمحتوى عمله ضمن القانون، بسبب تأخر تشكيل الحكومة العراقية"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، "وجود توجّه برلماني لتعديل فقرات لا تخدم العراق وشعبه في الدستور"، ولكنها استدركت أنه "في الوقت الحالي الانشغال هو باستكمال تشكيل الحكومة، وبعد استكمال الوزارات الشاغرة ستستقر العملية السياسية ويبدأ البرلمان بأداء دوره التشريعي والرقابي"، مضيفة أن "عملية تشكيل الحكومة عطّلت كثيراً من عمل البرلمان".

ومن أبرز الفقرات الدستورية الخلافية، التي تحتاج إلى تعديل، فقرات "النفط والغاز، والمادة 140 من الدستور، المتعلقة بملف المناطق المتنازع عليها بين سلطتي بغداد وكردستان، وقانون الهيئات المستقلة، والصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء باختيار وزرائه وإقالتهم والمحافظين"، بحسب المحلل السياسي واثق الهاشمي. وأوضح الهاشمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "تعديل الدستور أو إلغاء فقرات منه هو أمر طبيعي، وقد مرّت عدد من الدول بهذا الإجراء، ولكن في العراق يحتاج إلى إرادة سياسية واتفاق بين الأحزاب، وغالباً تدفع المصالح المالية والشخصية للأحزاب إلى الدعوة لمثل هذا القرار، ولكن الشروع به وتحديداً في العراق يحتاج حالياً إلى تعديل فقرة تحكّم الأكراد عبر موافقتهم الضرورية على التعديلات، ومن دون ذلك لن يتمكّن البرلمان من إجراء أي تعديل".