يأخذ التنسيق والتعاون المتصاعدان على مستويات عدة بين مصر واليونان أشكالاً جديدة بصورة سرية لا يحبّذ الطرفان على الأغلب إعلانها، لما فيها من مساس بعلاقة كل منهما بالدول الكبرى. وفي السياق، كشفت مصادر مصرية عن اتفاق بين البلدين على تبادل القطع العسكرية والأسلحة الزائدة عن الحدّ أو غير المستخدمة من قبل كل طرف في الآونة الأخيرة، مقابل مبالغ مالية أقل من الأسعار المعروضة في السوق العالمية، تحقيقاً لمنفعة الطرفين، وتكريساً للتحالف الاستراتيجي بينهما ضدّ تركيا، ولا سيما أنه لا توجد آفاق حتى الآن لتغيير هذا الموقف، على الرغم من الاتصالات الاستخباراتية والاقتصادية السرية أيضاً بين القاهرة وأنقرة.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إنّ فكرة التعاون العسكري على صعيد المعدات والأسلحة بين البلدين بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، خلال زيارة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي إلى أثينا لحضور فعاليات المرحلة الرئيسية للتدريب البحري الجوي المشترك بين البلدين وقبرص "ميدوسا 9"، والذي أعلن المشاركون فيه، في رسالة ضمنية لتركيا، أنه أكبر التدريبات البحرية والجوية المشتركة التي تنفذ في نطاق البحر المتوسط، "بما يعكس التقارب التام وتوحيد المفاهيم العملياتية بين القوات المسلحة لكل من مصر واليونان وقبرص للتعاون في فرض السيطرة البحرية وتأمين الأهداف الاقتصادية والحيوية والتصدي لأي عدائيات محتملة"، على حد وصف البيان المشترك آنذاك.
فكرة التعاون العسكري بين البلدين بدأت في نوفمبر الماضي
وحسب المعلن، عقد زكي خلال الزيارة لقاءات رسمية مع وزيري الدفاع اليوناني نيكوس باناجيوتوبولوس والقبرصي تشارالامبوس بيتريدس وكبار المسؤولين في القوات المسلحة اليونانية والقبرصية، لمناقشة تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية وزيادة مجالات التعاون العسكري والأمني المشترك بينهم، لكن النقاشات امتدت مع الجانب اليوناني إلى مسألة التسليح أيضاً.
وبالتزامن مع الزيارة، أجرى المقدم أحمد شعبان، الشخصية البارزة في دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومساعد مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، زيارة إلى اليونان أيضاً، استغرقت أسبوعين، في مهمة استخباراتية، دفع طول فترتها المتابعين من داخل النظام لإشاعة أنه عُيّن كملحق عسكري واستخباراتي في أثينا.
وبعد عودة وزير الدفاع إلى القاهرة، زارت أثينا، بشكل غير معلن، ثلاثةُ وفود مصرية عسكرية على الأقل للاتفاق على أوجه التعاون العسكري المختلفة، ومنها التسليح. وقد تم الاتفاق على أن تمنح اليونان مصر مجموعة من المعدات المجنزرة والآليات العسكرية البرية وأنظمة دفاع جوي كانت قد اشترتها من شركائها الأوروبيين في تسعينيات القرن الماضي ولم يتم استعمالها تقريباً، مقابل حصولها على آليات ومعدات بحرية وأنظمة رادارية لم تعد مصر في حاجة إليها، نظراً للتطور الكبير الذي طرأ على نظام التسليح البحري لديها في السنوات الثلاث الأخيرة نتيجة التوسع في شراء السفن والفرقاطات والغواصات من فرنسا وإيطاليا وألمانيا.
وفي أول خطوة تنفيذية لهذه الاتفاقات، سلمت اليونان هذا الشهر لمصر 101 ناقلة جنود مدرعة برمائية سوفييتية من طراز "بي أم بي" (BMP) مطورة، تمثل 20 في المائة مما تمتلكه اليونان من هذا الطراز المناسب أكثر للمعارك الصحراوية وفي المناطق الساحلية. وكانت اليونان قد حصلت عليها عام 1994 من ألمانيا، علماً بأنّ سعر القطعة الواحدة حالياً من هذا الطراز يتجاوز 100 ألف دولار.
وبحسب المصادر، ستسلم اليونان مجموعة أخرى من ناقلات الجنود والمعدات خلال العام الحالي لمصر، مقابل حصولها على المعدات البحرية المشار إليها، بعد تقييم جميع القطع سعرياً. ورجحت المصادر دخول دولة أو أكثر في المنطقة في هذا التنسيق التسليحي مع مصر واليونان، لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار المعدات العسكرية حالياً، خصوصاً في ظل جائحة فيروس كورونا، وبطء توريد الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا لبعض طُرُز المعدات لدول المنطقة في الفترة الراهنة بسبب النزاع في ليبيا وتداخل جميع مصنعي السلاح فيه بأجندات سياسية تتغير بين لحظة وأخرى.
سلمت اليونان هذا الشهر لمصر 101 ناقلة جنود مدرعة
من جانبه، عقّب مصدر دبلوماسي مصري على هذه المعلومات، بالقول إنّ هذه الصفقة ربما تتسبب في طرح مسألة الرقابة على تصدير الأسلحة من الدول المستوردة إلى دول أخرى، بمعزل عن رقابة الدول المصنعة والمنتجة، خصوصاً أنّ هناك شكوكاً حول نهج بعض الدول الأوروبية والأفريقية في التوسع بشراء الأسلحة، وبصفة خاصة من ألمانيا وإيطاليا، مثل المجر ومصر واليونان والجزائر. وتزداد أهمية هذه المسألة مع توجه بعض الدول الأوروبية لحجب أسلحتها عن أطراف بعض النزاعات، ولا سيما المنخرطة في الحرب باليمن.
وأوضح المصدر أنه على الرغم من معارضة العديد من القوى السياسية في ألمانيا التوسّع في بيع الأسلحة لمصر، وكذلك وصولها إلى نظام السيسي بطريقة غير مباشرة، بسبب سجله السلبي في مجالات حقوق الإنسان، إلا أنّ أصواتها تظلّ خافتة وتأثيرها يبقى مؤجلاً، مقابل إصرار شركات تصنيع السلاح الكبرى وحكومة المستشارة أنجيلا ميركل على تحقيق أقصى استفادة مالية من الصفقات الضخمة التي تعقدها مصر، والتي ستأخذها اتفاقات تصنيع الأسلحة البحرية إلى مستوى آخر بحلول عام 2023.
وسبق أن كشفت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" أن شركة "لورسن" الألمانية المعروفة بتصنيعها لمجموعة من أشهر اليخوت الفارهة في العالم، والفرقاطات العسكرية السريعة والمدمرات، والتي تستخدمها حالياً القوات البحرية الألمانية والسعودية تحديداً، والفائزة أخيراً بأكبر عقد توريد مدمرات في تاريخ البحرية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، تسعى للحصول على عقد تصنيع 6 فرقاطات جديدة لصالح مصر، ربما يستغرق تصنيعها 3 سنوات كاملة، وذلك في حوض تصنيع السفن الخاص بالشركة في بريمن شمال ألمانيا. ويتراوح ثمن الفرقاطة الواحدة بين 500 مليون و650 مليون يورو.
وهناك شركة ألمانية أخرى هي "رينر" تعمل منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، على تنفيذ عقد تم توقيعه في سبتمبر/ أيلول الماضي لتوريد 3 سفن حربية بحلول عام 2023، فضلاً عن 3 سفن أخرى متفق على توريدها من مجموعة "تيسن" بمدينة كيل خلال عامين، إذ بدأ إنشاؤها عام 2019، وتبلغ قيمة كل من تلك السفن السابق الاتفاق عليها حوالي 500 مليون يورو.