تفوق ثقة التونسيين بالمؤسسة العسكرية ثقتهم بأي مؤسسة أخرى على الإطلاق، وتقارب نسبة المائة في المائة في كل استطلاعات الرأي على مدى السنوات الماضية. ولم تأت هذه الثقة من فراغ. فلم يحدث مطلقاً في تاريخ تونس أن تخلّت هذه المؤسسة عن واجباتها تحت أي ظرف وفي أي نظام، وأثبتت مع الثورة أنها ملاذ التونسيين الثابت الذي لا يتغيّر، رافضة دائماً أن يتم إقحامها في أي معركة سياسية، وفشلت كل محاولات جرّها إلى ذلك.
غير أن الأسبوع الماضي شهد حديثاً غير منتظر حول المؤسسة العسكرية، انطلق بتصريح مفاجئ لوزير الدفاع، عبد الكريم الزبيدي، يذكّر فيه السياسيين بأن هناك شعباً سيحاسبهم على أخطائهم التي قادت إلى تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ما أثار نقاط استفهام عديدة حول هذا التصريح الذي صدر عن مسؤول عُرف عنه ترفعه عن المناصب وتحفظه الشديد، سرعان ما التقطته الألسنة الخبيثة لمحاولة تأويله أكثر مما يحتمل وسحبه إلى مربع النزال السياسي الذي تصاعدت فيه معركة الحكم إلى درجات خطيرة وأحياناً مبتذلة.
ومساء أول من أمس، خرج أحد أهم قادة الجيش إبان الثورة، الرئيس السابق لأركان الجيوش الثلاثة، الفريق أول رشيد عمار، ليصف الدعوات الموجهة للمؤسسة العسكرية بإصدار البيان رقم 1 للانقلاب على المسار الديمقراطي بالخطيرة، معتبراً أنّ المكان الطبيعي للجيش هو الثكنات. واعتبر عمّار، في تصريح نقلته عنه إذاعة "ديوان"، أنّ أصحاب مثل هذه الدعوات أناس غير مسؤولين، وحث التونسيين على "حسن الاختيار سياسياً". ودعا السياسيين إلى النأي بالمؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية، مؤكداً وجود تقصير في حقّ بناتها وأبنائها، الذين قال إنهم بصدد تأدية واجبهم الوطني ورسالتهم على أحسن وجه وأنهم دفعوا الكثير في محاربة الإرهاب، معتبراً أن ذلك يتطلب مجهوداً وطنياً أكبر للقضاء عليه، لا سيما من قبل المجتمع المدني والأحزاب وعموم المواطنين. وأضاف عمار أنّه من الضروري أن تظل المؤسسة العسكرية بعيدة عن السياسة، معتبراً أنّ حملات التشكيك ليست بالجديدة وأنّ القضاء والنيابة العامة هما الفيصل، وأن ذلك ما يحدث في الدولة الديمقراطية. وجاءت هذه التطمينات لتضع حداً للحالمين بدخول الجيش على الخط وإفساد التجربة الفتية، لكن كل هذا اللغط يثبت أن ثمة قلقاً ما سببته التجاذبات والحسابات والطموحات السياسية من الجميع، لم تتجاوز إلى الآن الخطوط الحمر، لكنها تقترب منها كثيراً.