تطلعات محدودة... لكن فارقة

تطلعات محدودة... لكن فارقة

29 ديسمبر 2018
رسم عماد حجاج
+ الخط -
أيام قليلة وينقضي العام الحالي ونصبح في مستهل عام جديد يحمل معه الكثير من الآمال والأحلام، بعضها أو غالبيتها بعيدة المدى، وهو ما ينطبق على تطلعات الشعب الفلسطيني أينما حل وارتحل. فالواقع الفلسطيني والدولي الحالي يوحي باستحالة تحقيق أي من أهدافنا الوطنية الأساسية في المستقبل المنظور؛ من الحق في الأرض إلى حق العودة؛ وهو ما يجعلنا نسعى لتحميل العام الجديد بعض التطلعات القابلة للتنفيذ والمستمدة من وحي الواقع الراهن، وبما يعتبرخطوة أولى في مسار استعادة جميع حقوقنا المسلوبة تاريخيا منذ النكبة. مما يتطلب نظرة سريعة على أوضاع الفلسطينيين في هذا العام المشرف على نهايته خلال بضعة أيام.
فاللاجئون الفلسطينيون داخل دول الجوار، الغارقون في أوضاع غاية في السوء في العراق وسورية ولبنان، قد دفعتهم ظروفهم نحو الهجرة واللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي خصوصا، بحثا عن الاستقرار، مهما كانت الأخطار والأثمان باهظة. مما كلفنا خسارة العديد منهم غرقا في المياه الدولية، أو موتا من شدة البرد وصعوبة الطرقات البرية، أو قنصاً بسلاح حرس الحدود وخصوصا على الحدود السورية التركية. وبالتالي واجه جل اللاجئين في دول الجوار الفلسطيني جميع الصعوبات والمخاطر في دول لجوئهم الأولى دون نصير ومعين حقيقي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بل وحتى إعلاميا، من تبعات احتلال العراق، إلى وحشية وإجرامية النظام السوري وما يشبهه من قوى الاستبداد والتخلف والاحتلال السورية والدولية، التي لم تدخر جهداً في عقاب جميع المدنيين سوريين كانوا أم فلسطينيين. والتي أسفرت حتى الآن عن قتل ما يقارب 4000 فلسطيني، واعتقال واختفاء قرابة 2000 آخرين، بالتوازي مع تدمير منهجي ومنظم لمجمل المخيمات الفلسطينية في سورية، وأبرزها مخيم اليرموك الذي سوي بالأرض بين ليلة وضحاها على وقع القذائف السورية.
وعانى فلسطينيو لبنان من ظروف الحياة الصعبة، نتيجة جملة من القرارات الحكومية التي حاصرتهم وخنقتهم تحت ذريعة رفض التوطين، من منعهم عن ممارسة ما يقارب 70 وظيفة، إلى القيود المفروضة على متابعة التعليم العالي، إلى تقييد حركة الإعمار والتنظيم والخدمات الأساسية داخل المخيمات، وصولاً إلى المعوقات الصحية التي أسفرت في الأيام الماضية عن وفاة الطفل الفلسطيني محمد وهبه ذي الثلاث سنوات، نتيجة رفض مستشفيات المنطقة استقباله، نظراً لعدم توفر تكاليف العلاج لدى ذويه والبالغة 2000 دولار. الأمر الذي ساهم في تحول أعداد الفلسطينيين اللبنانيين المقيمين حتى اللحظة في لبنان إلى أقل من 175 ألف لاجئ فقط، بعدما كانت التقديرات اللبنانية والفلسطينية تتحدث عن أكثر من نصف مليون لاجئ. وهو ما يؤشر إلى عمق وخطورة ظاهرة البحث عن بلد لجوء أو إقامة أوهجرة حقيقي، يكفل الحق في الحياة قبل أي من الحقوق الأخرى.
كما تتشابه أوضاع وظروف الفلسطينيين داخل فلسطين مع نظرائهم في الخارج، مهما كان تصنيفهم الجيوسياسي، أي سواء أكانوا من عرب 48 أو من سكان القدس وما حولها، أو من الضفة الغربية أو غزة، إذ يفرض عليهم جميعا حالة من الحصار والعزل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تتباين قسوته وطبيعته، مما يساهم في استمرار معاناتهم المعيشية، نتيجة سوء أوضاعهم الاقتصادية، وتردي الخدمات في مناطق تجمعهم، وبسبب المعوقات التي يفرضها الاحتلال والتي تحول دون تنقلهم من أماكن سكنهم إلى أماكن العمل وخصوصا إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وإلى الأراضي المزروعة الواقعة خلف جدار الفصل العنصري، أو المتاخمة للشريط الشائك المفروض على قطاع غزة. كما يفرض الاحتلال رؤيته الأمنية والسياسية على مجمل المناطق الفلسطينية سواء الخاضعة رسميا له مثل أراضي 48، ومدينة القدس وما حولها، أو تلك الخاضعة نظريا للسلطة الفلسطينية في رام الله، أو في قطاع غزة المحاصر.
وبالتالي وبالنظر إلى ظروف الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين، يمكن استنتاج مدى عجز وتخاذل جميع القوى السياسية الفلسطينية في الدفاع عنهم، وفي معالجة أوضاعهم أو تحسينها بالحد الأدنى، وهو ما ساهم في تنامي أعراض التجزئة والتفرقة الفلسطينية وفق مكان الإقامة، والجهة المسيطرة سياسيا. بين فلسطينيي الداخل والخارج، وفلسطينيي سورية ولبنان والعراق، أو فلسطينيي الضفة وغزة، والقدس وعرب 48، فلكل منهم ظروفه وأوضاعه الصعبة التي تتطلب الكثير من التحليل والعمل الجماعي المنظم من أجل تجاوزها وحلها بما يمثل نجاح جميع الفلسطينيين أينما كانوا، ويحقق تكاملا نضاليا فلسطينيا يصب في صالح دفع مسار النضال من أجل حل جذر المشلكة الفلسطينية، أي الخلاص من الاحتلال، واستعادة كافة الحقوق المستلبة، وأولها الحق في كامل التراب الوطني.
لكن وكنتيجة لحالة التخاذل والتبعية الخارجية- العمالة- والانهيار السياسي والشعبي والتنظيمي الذي أصاب مجمل القوى الفصائلية والحزبية وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، كان لا بد من صعود الحراك الشعبي الفردي الوطني والذاتي، الذي يحاول العمل على استعادة خطاب التمسك بالحقوق الفلسطينية ولو فرديا، وصولاً إلى تجسيد النضال من أجلها بشكل عملي، كما يحاول البحث عن مخرج عملي يلبي حاجات الفلسطينيين المعيشية اليومية؛ سواء داخل فلسطين أو خارجها. وعليه فقد قدم لنا العام المنصرم نقيضين عيانيين بين موت وانهيار الجسم السياسي الفلسطيني، وبين انتعاش وصعود العمل الشعبي، وهو ما يمكن البناء عليه مستقبلا.
لذا وكي لا نحمل العام القادم أعباء كبيرة وجسيمة، أو بالأصح كي لا نحمل أنفسنا أعباء أكبر من قدراتنا الحالية ومن أفق تطورها في الأشهر القادمة، علينا الاكتفاء ببعض الأماني والتطلعات المستمدة من إنجازات النضال الشعبي داخل وخارج فلسطين، التي لن تتمكن بسرعة البرق من التغلب على جميع المعوقات والصعوبات المحلية والدولية التي تحول دون انتزاع حقوقنا، ولا حتى من إزالة أسباب الانتكاسات الذاتية، والمتمثلة في موت القوى والأحزاب والفصائل والأجسام السياسية التي كان من واجبها حمل القضية والدفاع عنها وعن الفلسطينيين، بدلاً من الارتهان لهذا الطرف أو ذاك خارجيا وداخليا، وتجيير النضال وجميع إمكاناتها المالية واللوجستية في خدمة مصالحها الضيقة واللاوطنية.
بل يكفي أن نعمل ونتأمل من الأشهر القادمة أن تحمل في طياتها تطور ونضوج النضال الشعبي الفلسطيني، وتحوله من حالة فردية عفوية تعبر عن تمرد الفلسطينيين على كل أسباب النكوص الحالي الداخلية والخارجية، إلى حالة تمرد جماعية منظمة، كخطوة أولى قد تنجح في الأعوام اللاحقة في إسقاط برنامج الخنوع والاستسلام المتمثل عمليا باتفاق الاستسلام المباشر تحت عنوان حل الدولتين، أو عبر استسلام غير مباشر، من خلال أوهام الهدنة طويلة الأمد والتحرير المجزأ؛ المتمثلين بالبرنامج المرحلي ودولة مستقلة في غزة، وهو ما يتطلب كنس جميع مخلفات الحياة الفلسطينية السياسية الراهنة، عبر بناء هياكل وقوى شعبية جديدة تعبر عن الفلسطينيين أينما كانوا وتعمل من أجلهم جميعا. يبدو من الصعب تحديد الأماني والتطلعات المستقبلية بسقف زمني أو مكاني محدد دون الحديث عن تواليها وتتابعها، وهو ما نأمل من العام القادم إنجاز بضعة خطوات تكفي كي يتحول العام الذي يليه إلى عام التحولات الوطنية المهمة.