تصدّع المقاولات يهدّد 5.8 ملايين عامل في السعودية

تصدّع المقاولات يهدّد 5.8 ملايين عامل في السعودية

09 اغسطس 2016
عمال شركات الإنشاءات الأكثر تضرراً من تأخر الرواتب(فرانس برس)
+ الخط -
تجددت أزمة العمالة الآسيوية في شركات المقاولات والإنشاءات في السعودية، وسط قلق متنام من تفاقم أوضاع العمالة الأجنبية في ظل حالات التعثر القريب من الإفلاس الذي يلاحق كبريات الشركات العاملة في السوق وآلاف الكيانات التي تتعامل معها في تنفيذ المشروعات.
فبعد أقل من يومين على إنهاء أزمة نحو 2500 عامل هندي يعملون في شركة "سعودي أوجيه" إحدى كبريات شركات المقاولات بترحيل 650 منهم لبلادهم، ونقل خدمات البقية إلى شركات أخرى، بدأت ترتسم ملامح أزمة جديدة بالنسبة لآلاف العمالة الفيليبينية.
وأعلنت وزارة الخارجية الفيليبينية في بيان يوم السبت الماضي، أنها سترسل بعثات إلى السعودية لمساعدة آلاف الفيليبينيين العالقين في المملكة بعدما خسروا وظائفم إثر انهيار أسعار النفط، مشيرة إلى أن الدفعة الأولى من المسؤولين ستتوجه إلى السعودية غدا الأربعاء " لتقديم مساعدة إنسانية وقانونية وقنصلية فورية إلى العمال العالقين "الذين ليس لديهم طعام وهم بحاجة ماسة إلى العناية الطبية وغيرها من المساعدات".
وعلى الرغم من أن وزارة المالية بدأت في مارس/ آذار الماضي في تسديد المستحقات المتأخرة للشركات والتي تُقدر بنحو 47.7 مليار دولار، إلا أن الوضع لم يتحسن، وفشلت الشركات التي ترزح تحت أكثر من 122 مليار دولار كقروض للمصارف في حل الأزمة.
ولا تقتصر الرواتب المتأخرة على العمال الهنود والفيليبينيين، بل يطاول الأمر مختلف الجنسيات بما فيها الباكستانيون والبنغال وحتى العرب أيضا، خاصة وأن قطاع البناء والتشييد هو الأكبر في السعودية، ويوظف أكثر من 5.8 ملايين عامل 92% منهم من الوافدين، ويشكل هذا النشاط أكثر من نصف العاملين في القطاع الخاص تقريباً.
وتواصلت الفيليبين وبنغلاديش مع وزارة العمل، حيث زار وزير العمل الفيليبيني، سيلفستري بيلو، المملكة قبل أسبوعين لبحث تداعيات عمالة الفيليبيين المتوقفة أجورهم، خاصة أن الفيليبين تعتمد بشكل كبير على ما يرسله أكثر من مليون فيليبيني يعملون في السعودية لعائلاتهم.
كما قال دبلوماسيون من بنعلاديش إنهم تواصلوا مع شركات إنشاءات كبرى لمناقشة تأخر سداد أجور عمال من بلادهم لفترة تجاوزت الخمسة أشهر.
أيضا تحركت السفارة الباكستانية عن طريق قسم شؤون رفاهية المغتربين، لإيجاد حل سريع لقضية توقف صرف رواتب نحو 1.5 مليون عامل باكستاني يعمل أكثرهم في البناء والتشييد.
وفي مارس/ آذار الماضي تدخل السفير الفرنسي في الرياض، برتران بزانسنون، لحل مشكلة فرنسيين يعملون في شركة "سعودي أوجية"، حيث لم يتسلموا رواتبهم لأربعة أشهر، وانتهت القضية بتدخل سعودي.

وبينما تتفاقم أزمة الرواتب المتأخرة في قطاع المقاولات، أمر العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بحل أزمة تأخر رواتب العمالة الوافدة في جميع الشركات من خلال برنامج حماية الأجور بالتنسيق مع وزارة المالية.
وأفادت وزارة العمل السعودية بأن الملك سلمان وجّه بتخصيص 100 مليون ريال (26.6 مليون دولار) يودع في حساب لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، ويصرف منه بمعرفة وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وتزويد وزارة المالية بكافة المصروفات لكل شركة على حدة.
وقال خالد أبا الخيل، المتحدث الرسمي في وزارة العمل والتنمية والشؤون الاجتماعية إن الوزارة "حريصة على هذا القطاع وحقوق العاملين فيه".
وأضاف المتحدث أن الوزارة سعت إلى إلزام كل الشركات بتأمين رواتب موظفيها بشكل شهري، عبر سلسلة من العقوبات، فعند تأخر الراتب لشهر يتم إنذار الشركة، وفي الثاني يتم قطع بعض الخدمات، وفي تأخير الشهر الثالث يتم قطع كامل الخدمات عن تلك الشركة، وتلزمها الوزارة بدفع المرتبات بشكل فوري".
وأشار إلى أنه ليس للعاملين علاقة بمستحقات الشركات لدى وزارة المالية، مضيفا :"على الشركات أن تلجأ للطرق القانونية للحصول على حقوقها المتأخرة، دون أن يتحمل العامل تبعات هذا التأخير، نحن لن نسمح بذلك ولن يتم إعفاؤهم من المسؤولية".
غير أن خبراء اقتصاد أكدوا أن الإجراءات التي قامت بها وزارة العمل غير كافية لحماية حقوق العمال، بل تسبب في زيادة معاناة المحرومين من أجورهم.
وقال فهد الزيد، المحلل الاقتصادي لـ "العربي الجديد": "عندما تقوم وزارة العمل بإيقاف الخدمات عن الشركة التي تأخرت في دفع رواتب موظفيها، فهي لا تعاقب الشركة فقط، بل تعاقب أيضا الموظفين الوافدين، فحتى لو رغبوا في العودة لبلادهم فهم لا يستطيعون ذلك لعدم قدرة الشركة على استخراج تأشيرة خروج لهم، بمعنى أنهم باتوا عالقين في البلاد بلا رواتب ولا قدرة على العودة لبلادهم".
وأضاف الزيد "وزارة التجارة متراخية أيضا في محاسبة شركات المقاولات غير المدرجة في سوق المال"، موضحا أنه " وفقا لنظام الشركات كان لابد أن تضع أي شركة نسبة لا تقل عن 10% من أرباحها السنوية في حساب احتياطي بما يقارب 50% من رأس المال، ولكن هذا لم يحدث على أرض الواقع، لهذا حدثت المشكلة".
وبحسب الزيد، فإن مشكلة قطاع المقاولات تكمن في أن نحو 6 شركات كبرى تسيطر على 70% من القطاع، وهي من تقوم بالحصول على العقود بمليارات الدولارات، وتقوم بتشغيل أكثر من 109 آلاف شركة أخرى من خلال عقوة الباطن، مضيفا "عندما اهتزت الشركات الكبرى كان من الطبيعي أن تتأثر البقية بالتبعية".
ومنذ بدء الأزمة، حاولت شركات المقاولات الضخمة تقليص خسائرها من خلال حملة تسريح واسعة شملت عشرات الآلاف من العاملين، خاصة في قطاعات البناء والإنشاءات، فمنذ العام الماضي، استغنت مجموعة بن لادن عن أكثر من 69 ألف عامل، فيما كان عدد العاملين في المجموعة يفوق 250 ألف عامل في عام 2014، فيما قالت مصادر داخل الشركة إن هناك أكثر من 30 ألفاً سيصيبهم التسريح أيضا. كما استغنت "سعودي أوجيه" أيضا عن نحو 30 ألف عامل.

المساهمون