تشيزاري باتيستي يطوي "سنوات الرصاص" الإيطالية في روما

تشيزاري باتيستي يطوي "سنوات الرصاص" الإيطالية في روما

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".
14 يناير 2019
+ الخط -
بين البرازيل وفرنسا والمكسيك وبوليفيا وإيطاليا، طويت اليوم الاثنين آخر ملفات "سنوات الرصاص" التي عصفت في إيطاليا، بين عامي 1968 و1988. سنوات أفرزت أسماء عدة، منها الهارب تشيزاري باتيستي، الذي وصل اليوم الاثنين، إلى العاصمة الإيطالية روما، وقد سلمته السلطات البرازيلية لروما، بعد 38 عاماً من الفرار، على خلفية اتهامه بارتكاب 4 جرائم قتل. باتيستي ليس مجرّد ناشط سياسي عادي، بل متوّرط مع آخرين، وفقاً للأحكام الغيابية الصادرة عن القضاء الإيطالي، بقتل بائع المجوهرات بييرلويجي تورّيجياني في 16 فبراير/شباط 1976 في ميلانو، والقصّاب لينو سابادين، أيضاً في 16 فبراير 1976 في ميستري، وحارس الأمن أنطونيو سانتورو في 6 يونيو/حزيران 1978 في أودينيزي، والقضائيّ العامل في مكافحة الإرهاب، أندريا كامبانيا، في 19 إبريل/نيسان 1979 في ميلانو. كان باتيستي منتمياً لحركة "البروليتاريا المسلّحة من أجل الشيوعية"، اليسارية الراديكالية التي نادت بـ"العنف الثوري" وهي حركة حاربت لفترة 3 سنوات قبل اضمحلالها، بين عامي 1976 و1979.

بعد اتهامه بارتكاب الجرائم المذكورة في إيطاليا، أو المشاركة فيها، أوقف في 26 فبراير 1979، وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً ونصف العام، غير أنه ورفاقه نجحوا في الهرب من سجن فروزينوني في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1981. فرّ باتيستي إلى باريس، ثم إلى المكسيك، التي مكث فيها نحو 9 أعوام حتى عام 1990 قبل عودته إلى فرنسا. في المكسيك بدأ بالمشاركة في الأعمال الأدبية عموماً، كافتتاحه "فيا ليبري" كمنتدي أدبي في بويرتو إسكونديدو في مقاطعة أوكساكا، وأيضاً مهرجان الكتاب في عاصمة نيكاراغوا، ماناغوا، وساهم في تأسيس منتدى فني أيضاً في المكسيك. عليه، باشر بالكتابة، لصالح صحف محلية عدة، ثم كتب نحو 15 كتاباً، بدءاً من عام 1991، حين كان في فرنسا، منها "ثياب الظلال" و"الظل الأحمر" و"الموجة الجيّدة" و"الرصاصات الأخيرة".

أثناء وجوده في فرنسا، رفضت السلطات الفرنسية تسليمه إلى إيطاليا، بعد تأكيد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران (ترأس الجمهورية بين 1981 ـ 1995) على منح الحصانة لكل هارب إيطالي، في حال محاكمته غيابياً في روما. وجاء في "عقيدة ميتران"، أن "اللاجئين الإيطاليين الذين قطعوا روابطهم مع الأعمال الإرهابية قبل عام 1981، بدأوا مرحلة ثانية من حياتهم في المجتمع الفرنسي، وقلت للحكومة الإيطالية إن هؤلاء لن يُرحّلوا إلى إيطاليا".

استفاد إيطاليون كثر من "عقيدة ميتران"، إضافة إلى باتيستي، كل من توني نيغري، وباولو بيرسيكيتي، وسيرجيو تورناغي، وأوريستي سكالتزوني، ومارينا بيتريلا، وإنريكو فيليمبورغو، وروبرتا كابيلّي، وجيوفاني أليمونتي، وماوريزيو دي مارزيو، وإنزو كالفيتي، وفنسنت سبانو، وماسيمو كارفورا، وجيوفاني فيلياتشاسا، ووالتر غريكي، وجيورجيو بييتروستيفاني، وسيمونيتا جيورجييري، وكارلا فينديتي. وجميع هؤلاء ينتمون إلى حركات يسارية ويمينية متطرفة، أبرزها "الألوية الحمراء" اليمينية. مع ذلك استمرت إيطاليا بمحاكمة هؤلاء غيابياً، حتى بدأت فرنسا باللين قضائياً، واعتبرت سلطاتها، بعد انتهاء عهد ميتران في 1995، أن "عقيدته مجرد اتفاق شفهي ولا مفعول قضائياً له"، وهو ما أدى إلى بدء سلسلة إجراءات ساهمت في تسليم أول المطلوبين من إيطاليا، باولو بيرسيكيتي، في عام 2002. ثم صدر قرار بتسليم باتيستي أيضاً، الذي نجح في تزوير أوراقه والهروب إلى البرازيل في عام 2004. مع العلم أن القضاء الإيطالي حكم على باتيستي بالسجن مدى الحياة في عام 1993.


 


في ساو باولو البرازيلية عاش باتيستي مرتاحاً، على الرغم من عدم حصوله على اللجوء السياسي، لكنه نال صفة "لاجئ" لاحقاً، بناء على طلب وزير العدل حينذاك تارسو جينرو. اشتبك الرئيس البرازيلي، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا "لولا" مع نظيره الإيطالي، جيورجيو نابوليتانو، الذي طالب باسترداد باتيستي. استند لولا إلى الدستور البرازيلي والقرار الأممي 1951 حول وضعية اللاجئين، معتبراً أن باتيستي جزء من السيادة البرازيلية. لاحقاً هددت إيطاليا باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، خصوصاً بعد رفض البرازيل كلياً تسليم باتيستي، رغم المراسلات القضائية الإيطالية، لا بل انتهى الأمر بتوقيع لولا، قبل ساعات من مغادرته السلطة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2010، قراراً برفض بلاده تسليم باتيستي بشكل قاطع ومنحه اللجوء، وهو ما أيدته المحكمة الفدرالية في عام 2011. في عام 2015 تزوج باتيستي من البرازيلية جويس ليما.

غير أنه بعد 4 سنوات على هذا الزواج، تغيّر الكثير في إيطاليا والبرازيل. في روما بدأ الحكم اليميني ـ اليساري المحكوم بالشعبوية، بين "رابطة الشمال" اليمينية و"النجوم الخمس" اليسارية، بالتغلغل في السلطة، في مقابل وصول اليمين الوسط عبر ميشال تامر، إلى الرئاسة البرازيلية عام 2016، خلفاً لليسارية ديلما روسيف. تامر كان متعاوناً مع الإيطاليين، ووقّع أمراً بتسليم باتيستي في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك بعد يوم من صدور قرار من المحكمة العليا في البرازيل بإلغاء الأمر القضائي الذي كان يحول دون تسليم المطلوب لروما. كما أن الرئيس البرازيلي الجديد، اليميني المتطرف الجديد، جايير بولسونارو، الذي تولّى مهامه أخيراً أعلن نيته تسليم باتيستي، مؤكداً أنه "يُمكن للحكومة الإيطالية الاعتماد عليه لتسلمه".

حينها هرب باتيستي إلى مدينة سانتا كروز في بوليفيا، وأرسلت الحكومة الإيطالية، بحسب وزير داخليتها ماتيو سالفيني "رجالاً للإتيان به"، أي بلغة أكثر وضوحاً: تمّ إرسال عملاء في المخابرات الإيطالية لاسترداده. وأوضحت مصادر في الحكومة الإيطالية أن "باتيستي أوقف في الشارع، ليل السبت ـ الأحد. لم يكن مسلحاً ولم يبدِ مقاومة. وقد ردّ على الشرطة باللغة البرتغالية وكشف وثيقة برازيلية أكدت هويته. وباتت إيطاليا تنتظره". الانتظار الإيطالي لم يستمرّ طويلاً، فظهر اليوم، حطّت الطائرة الإيطالية التي أقلّت باتيستي إلى روما. وشكر سالفيني قوات الأمن الإيطالية والأجنبية التي ساهمت في توقيف "رجل منحرف لا يستحق حياة مريحة على الشاطئ بل يجب أن ينهي حياته في السجن". كما غرّد وزير العدل الإيطالي ألفونسو بونافيدي على حسابه على "تويتر": "عاد باتيستي من بوليفيا مباشرة. بهذه الطريقة سينفذ الإرهابي السابق الحكم الصادر عن القضاء الإيطالي: السجن مدى الحياة".

ذات صلة

الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن
الصورة
ريكاردينيو خطف الأضواء في كتارا (انستغرام/Getty)

رياضة

تشهد بطولة كأس آسيا 2023 لكرة القدم في الدوحة أحداثاً مثيرة في الملاعب وخارجها، منها قصة البرازيلي ريكاردينيو الذي خطف الأضواء في كتارا.

الصورة
وردة إنور (إكس)

منوعات

اعتقلت الشرطة الفرنسية، الخميس، مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي بتهمة "تمجيد الإرهاب"، بعد سخريتها من التقارير الإسرائيلية المزعومة حول إقدام مقاومي كتائب القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، على حرق طفل إسرائيلي.
الصورة

سياسة

طرح أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قانون لتجريم إهانة إسرائيل، في استكمال لقوانين "محاربة الصهيونية"، ما يؤسس لمزيد من قمع الحريات خدمة للاحتلال.

المساهمون