مع منتصف نهار اليوم الخميس، تنتهي الفترة التي حددها رئيس الوزراء العراقي المكلف عادل عبد المهدي، لاستقبال السير الذاتية للمواطنين العراقيين الراغبين في التنافس على شغل المناصب الوزارية في حكومته، وهو إجراء جديد لم تألفه أي من الحكومات العراقية السابقة، لا قبل الاحتلال الأميركي (2003) ولا بعده، وسط تسريبات بأن "القرار اتُخذ كخطوة استباقية من قبل عبد المهدي لمواجهة ضغوط كبيرة يتعرض لها إزاء حقائب حكومته الوزارية". وفي هذا الصدد، استقبل خلال الساعات الـ24 الأولى من فتح باب التقديم، أكثر من 200 طلب، غالبيتها لأساتذة جامعيين ومهندسين وأطباء بينهم مقيمون في المهجر.
ومن المقرر أن يبدأ عبد المهدي بدراسة السير الذاتية وتقديم الأنسب منها لبعض الكتل الداعمة له للحصول على دعمها أيضاً في تقديمهم للبرلمان على رأس الوزارات الجديدة، إلا أنه وبالمقابل هناك كتل سياسية مختلفة جهزت قوائم مرشحيها للوزارات وتستعد لتقديمها لعبد المهدي.
في هذا السياق، ذكر قيادي في تحالف الإصلاح لـ"العربي الجديد"، أن "أبرز المرشحين للوزارات الآن، هم الكتل الكردية والسنية وقوى عدة في تحالف الفتح، أبرزها حركة صادقون، الجناح السياسي لمليشيا العصائب التي تتبع إيران عملياً، إضافة إلى كتلة دولة القانون، التي تسعى أيضاً لإعادة زعيمها نوري المالكي إلى منصب نائب رئيس الجمهورية أو منحه رئاسة تحالف الفتح البرلماني، الذي يعد أبرز أقطابه مع هادي العامري. وهو تحالف مدعوم من إيران".
وكشف أن "الحديث الحالي حول الضغوط التي يواجهها عبد المهدي تتعلق بتلك القوى فقط دون غيرها، لكن كلها من تحت الطاولة بسبب خشية الكتل الشيعية من النجف الداعم حالياً لعبد المهدي وحرص الكتل السنية على أن تبقى أمام جمهورها بمظهر حاملة برنامج إعمار وإصلاح أوضاع المناطق السنية وأنها لا تسعى للمناصب بقدر ما تسعى إلى البرامج".
وأكدت مصادر مقربة من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر لـ"العربي الجديد"، أن "الأخير هو من أبرز الداعمين لعبد المهدي في تشكيل حكومته، وأن خطوة فتح باب الترشح أمام العراقيين هي لتقديم قائمة مرشحين جديدة للأحزاب تحرجها في حال رفضتها كلها". واعتبر أن "عمار الحكيم والصدر والحزب الشيوعي وأطرافا داخل تحالف هادي العامري تؤيد خطوات عبد المهدي". ونوّه إلى أنه "من غير المتوقع أن تكون كل الوزارة الجديدة من ترشيحات الأحزاب، بل سيكون هناك من خارجها وبدعم من الصدر والحكيم وقوى أخرى مؤيدة لعبد المهدي".
في المقابل برزت تصريحات أعضاء أحزاب شيعية، أبرزها "بدر" بتمسكها بوزارة الداخلية بالإضافة إلى وزارة خدمية ثانية، فيما تتمسك الكتل السنية بوزارة الدفاع، بالإضافة إلى الصراع بين كتلة العصائب والفضيلة على وزارة النقل، وهكذا على المستوى الكردي حول استحصال وزارة المالية، بالإضافة إلى دخول الحزب الشيوعي على خط السعي للحصول وزارة من بين وزارتين، فإما الثقافة أو العلوم والتكنولوجيا، حسبما نوّهت إليه تسريبات عن مصادر مقربة من مفاوضات الكتل السياسية ببغداد حالياً.
ولم يستطع عضو كتلة "بدر" حامد عباس، إخفاء العمل السري لحزبه وباقي الأحزاب بشأن تقسيم الوزارات، وقال في تصريح صحافي، إن "الحقائب الوزارية ستوزع على أساس النقاط لكل كتلة وفق ثقلها بعدد مقاعدها في البرلمان، وستكون آلية توزيع النقاط مختلفة عن الحكومات السابقة من ناحية الاحتساب والتوزيع"، لافتاً إلى أن "كل كتلة لا يمكن أن تتجاوز عدد وزاراتها الإثنتين أو الواحدة، وأن بدر (كتلته) ستحصل وفق عدد مقاعدها على وزارة الداخلية إضافة إلى إحدى الوزارات الخدمية". تعليق حامد عباس، أثار حفيظة نواب سياسيين ونواب سابقين في البرلمان، رهنوا تغيير الوضع بمدى نجاح عبد المهدي بمغادرته المحاصصة الطائفية وإنهاء التدخلات الحزبية.
في هذا الموضوع، قال النائب أرشد الصالحي لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب السياسية لا تزال تتفاوض فيما بينها من أجل الوصول إلى مرشحين أكفاء لتسليمهم الوزارات الجديدة، وإلى الآن لا تبدو الضغوط الحزبية قوية على عادل عبد المهدي، ومن المؤكد أن تمارس بعض الأطراف السياسية ضغوطاً واسعة وكبيرة على الرئيس المكلف لتمرير بعض الشخصيات للوزارات".
وأضاف أن "من المفترض أن يلغي عبد المهدي الهيئات المستقلة في مجلس رئاسة الوزراء، من خلال التعاون مع مجلس النواب وعدم استقدام الوزراء السابقين وكذلك تغيير الكثير من الوكلاء والمدراء العامين الذين مضى على وجودهم في مناصبهم أكثر من خمس سنوات، لذلك يجب إعطاء عبد المهدي القدر الكافي من الحرية، ليمارس دوره في اختيار الوزراء". ولفت إلى أن "حكومة الاختصاصات والتكنوقراط لا بد أن تراعي مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي بالإضافة إلى عدم إهمال التوازن المكوناتي، وأن بعض الوزارات مهمة، ويجب أن يكون هناك توازن بين المكونات في الحكومة الجديدة، واستحداث منصب جديد، وهو (نائب رئيس الوزراء لشؤون المكونات العراقية)".
في غضون ذلك، كشف مصدر ضمن اللجنة التفاوضية في تحالف "البناء"، عن "سعي الأحزاب السنية بقيادة محمد الكربولي وخميس الخنجر، للحصول على وزارتي الدفاع والخارجية وكذلك التعليم العالي والتخطيط، كما تسعى إلى الحصول على بعض الهيئات المستقلة، ولكن لغاية الآن لم تحسم قضية منح أي مكون أياً من الوزارات، لأن المفاوضات لا تزال جارية بين القوى السياسية ورئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عدم جمع السنة في قائمة واحدة أو وفد تفاوض موحد، سيقلل من حظوظهم في الحصول على وزارات أكثر، خصوصاً أن جزءا كبيراً منهم أصبح حليفاً لقائمة الفتح ودولة القانون، فتقسيم الوزارات سيكون عن طريق النقاط. والقوى السنية تبحث حالياً عن شخصيات جديدة وشبابية لترشحها للوزارات التي ستحصل عليها، ولا ترغب بإعطاء أي شخصية قيادية معروفة أي منصب في الحكومة الجديدة، وهذا ما تعمل عليه القوى الشيعية أيضاً".
من جهتها، أكدت ندى شاكر، من "ائتلاف النصر" بقيادة حيدر العبادي، أن "اختيار عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة المقبلة هو الحل الأفضل في ظل تصاعد الصراع بين الجهات الشيعية ــ الشيعية والسنية ــ السنية والكردية ــ الكردية"، معتبرة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الكرة حالياً بملعب عبد المهدي، ولا توجد ضغوط كبيرة عليه كما في الحكومات السابقة، ومن حق الكتل السياسية تقديم مرشحين للوزارات، ومن حق عبد المهدي القبول بها أو الرفض".
وتابعت قائلة إن "الأحزاب التي لن تعرض أسماء معينة لمناصب وزارية، يشغلها سؤال واحد، هو: من أين سيجلب عبد المهدي تشكيلته الوزارية؟ وهل سيختارها وفق معايير النزاهة والكفاءة، أم أنه سيخفق في ذلك، وبالتالي تخسر الأحزاب الممتنعة عن تقديم مرشحين؟ وهو أيضاً يخسر التوقيت الدستوري في اختيار وزرائه". وأشارت إلى أن "الكتل السياسية التي أعطت الثقة لعادل عبد المهدي كي يصبح رئيساً للوزراء، تعهدت لحيدر العبادي بأن يختار بين منصبين وتكون حصته بعيداً عن الاستحقاق الانتخابي، هما إما نائب رئيس الجمهورية، أو وزير الخارجية، نظراً لعلاقاته الجيدة مع باقي الدول، لكن العبادي حتى الآن لم يحسم أمره".
بدوره، رأى المحلل السياسي رعد جاسم، أن "في عملية تشكيل الحكومة حالياً، خطين لا يشبه أحدهما الآخر، الأول يتمثل بجهات سياسية وكتل تدعو إلى أن يكون اختيار الوزراء من خلال عبد المهدي من دون التأثير عليه من قبل الأحزاب، عبر أسماء بعيدة عن الانتماء الحزبي للكتل البرلمانية، وهذا يعطي الفرصة لرئيس الوزراء لكي يختار بحرية"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الخط الثاني يتمثل بالأحزاب التي لا تزال متمسكة بخيار المحاصصة والحصص الحزبية والطائفية عبر ما يسمونه الاستحقاق الانتخابي، وقد يضطر عبد المهدي في النهاية إلى الاختيار من بين الأسماء التي تشترطها الأحزاب، وبالتالي فإن الحكومة ستصبح منقسمة بين وزراء يخضعون لعبد المهدي ويُراقبون من البرلمان، وبين وزراء يتبعون أحزابهم".
وأشار إلى أن "الحكومة المنقسمة هي الأقرب إلى التحقق في ظل الظروف الراهنة والضغوط الواضحة من الأحزاب والتلميحات الكثيرة التي يطلقها قادتها، وإذا تحقق هذا الأمر بالفعل، فالعراق أمام حكومة ضعيفة جداً قد تنهار بعد أشهر من تشكيلها، لأسباب كثيرة، أولها انقسام الحكومة نفسها، والثاني أن البرلمان سيكون منقسما هو الآخر، فنصفه يدعم الوزراء المستقلين والنصف الثاني يدعم المتحزبين، بالإضافة إلى أن الشعب العراقي هو الآخر سيكون منقسما. وهذا الأمر قد يقود إلى كارثة سياسية ومجتمعية، وستنتهي باستقالة عبد المهدي، لاسيما أنه معروف بأنه حين يشتد عليه التأثير يستقيل ويترك منصبه سواء كان الوضع يسمح أم لا".